ارتفاع الفوائد لا يشكّل خطراً على الاقتصاد العالمي
لأول مرة منذ 25 عاما تشدّد البنوك المركزية الثلاثة الكبرى سياستها النقدية في آن واحد، ما أثـّر علي الأسواق المالية في الأسابيع الماضية كرد فعل واضح تجاه هذا النمط الحاد من تعامل البنوك.
ففي اليابان أنهى البنك المركزي الياباني عصر السياسة المالية الهينة التي كانت تحتفظ بقيمة الفائدة قرب الصفر، وتتوقع مجموعة "جي. بي. مورجان" المالية أن الفائدة الأساسية ستبدأ خطوتها الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) بنسبة 0.25 في المائة. وترى الأسواق العالمية، لو أن اليابان رفعت على مدى عامين الفائدة الأساسية كل ستة أشهـر 25 نقطة، فسيكون ذلك تطبيعاً معتدلاً جدا تجاه السياسة النقدية.
وفي أوروبا، قال جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي، إن البنك سيتخذ إجراءات تجاه الفائدة الأساسية كان يجب اتخاذها من قبل للحد من مخاطر التضخم المالي. وارتفعت أرباح القروض الحكومية المعطاة على عشر سنوات 10 نقاط لتصل إلى 3.68 في المائة، وهو أعلى مستوى تصل إليه منذ 11 شهرا. وتتوقـّع الأسواق المالية أن البنك المركزي سيرفع الفائدة الأساسية تدريجيا حتى تصل إلى 3.25 في المائة منتصف عام 2007.
أما رد الفعل الأقوى للأسواق المالية فكان تجاه النتائج الاقتصادية الحادة للولايات المتحدة، فقد شهد التطور الاقتصادي في الأسابيع الماضية زيادة قوية، حيث من المحتمل أن يبلغ النمو الاقتصادي في الربع الأول 4.7 في المائة، كما أن التوقعات بأن الاحتياطات الاتحادية ستكمل مسلسل رفـع الفوائد الأساسية إلى 5.25 في المائة أو حتى أكثر، أدّى إلى تضييق الخناق على أسواق القروض.
أما بالنسبة للدول النامية، فهناك معادلة تقول: كلما ازدادت الأرباح في سوق رأس المال الأمريكية (وطبعا اليابانية والأوروبية)، فقدت هذه الدول المثقلة بالديون جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية، وذلك لأن مخاطر صرْف العـُملات ومخاطر قدرة الدفع لن تعود بتلك الأهمية المرتجاة.
هذا يبرّر لماذا عانت الأسواق، التي طالما استفادت من السيولة في الأسواق المالية في الأسابيع الماضية بشكل غير اعتيادي، ومن تلك الأسواق والعملات على سبيل المثال، العملة البولندية "زلوتي"، المجرية "فورينت"، التشيكية "كورونا" إضافة إلى الليرة التركية والريال البرازيلي.
وفي قائمة المتضرريـن كانت أيضا أسواق المعادن الثمينة والمعادن الأساسية، حيث سجلت هذه الأسواق خسائر بلغت 5.0 في المائة. ففي الواقع يرتبط ارتفاع الأرباح بغلاء إعادة تمويل صناديق الدعم المالي التي تعمل بفعالية في أسواق المواد الخام، فقد انخفض سعر الذهب 4.7 في المائة، وتكبـّد بذلك أكبر خسارة في السعر منذ 15 شهرا. وتتوقع مجموعة "باركليز كابيتال" المالية ارتفاع سعر الذهب قريبا ليتراوح ما بين 531 و550 دولار للأونصة الواحدة.
ومن خلال النظر في الأسواق يبدو أن الإفراط في التخوف والحذر تجاه السياسة التي ستنتهجها البنوك الثلاثة الكبرى تجـاوز حـده، حيـث لم يتبع أي بـنك سياسة متشددة، فجميع البنوك تتعامل حاليا بحذر وكذلك البنوك المركزية التي يبلغ سعر الفائدة الأعلى لديها في النطاق النقدي الطبيعي 5.0 في المائة، وهي تريد بعد بلوغ هذا السعر التوقف ومراقبة الصدى على الأسواق. ويتوقع بنك "جي. بي. مورجان" بأنه سيكون من الضروري أن ترتفع الأسعار والأجور كذلك بسبب التأثير البطيء من ارتفاع الفوائد حتى تستطيع البنوك المركزية أن تتبع السياسة المشددة.
من الممكن تفهّم التوتـر القائم بين المستثمرين في أسواق المواد الخام، لكن في المقابل فإن سياسة البنوك الثلاثة هي لغايات نمو اقتصادي سليم، فللآن لا توجد أية دلائـل على أضـرار لحقت بالاقتصاد العالمي نتيجة السياسة النقدية لبنوك الإصدار، فزيادة الطلب والإقبال في العالم يدعمان الاقتصاد الوطني للدول النامية وأسواق المواد الخام. والظاهر أن الاقتصاد العالمي لم يتأثر بالشروع التدريجي في تقليل السيولة النقدية.