الاقتصاد السعودي يمرّ بمرحلة إعادة هيكلة.. والقطاع الخاص في منعطف خطير

الاقتصاد السعودي يمرّ بمرحلة إعادة هيكلة.. والقطاع الخاص في منعطف خطير

## هل تتوقعون أن يكون هذا العام 2010 هو عام توديع تداعيات الأزمة المالية حول العالم.. أم أن هناك ناراً باقية تحت القشة ربما تنفجر في أي وقت وتعيد الاقتصاد العالمي إلى نقطة أيلول (سبتمبر) 2008؟ في تصوري الشخصي أن عام 2010 سيكون عاماً فاصلاً في تاريخ الأزمة المالية العالمية وتاريخ العالم الاقتصادي وتحديداً شكل النظام المالي العالمي الجديد الذي سوف يتم تبنيه خلال العقود القادمة. أولاً، لمعرفة حقيقة ومستوى الدمار الذي خلفته الأزمة المالية العالمية على مستوى الدول، وكذلك على مستوى الشركات والثروات الخاصة، وبالتالي على مستوى القوى العالمية التي سوف تقود العالم في العقود القادمة. فحتى الآن هناك من استطاع الخروج بأقل الأضرار، وهناك من حاول تأجيل الاعتراف بالمشكلة. كما أن عام 2010 سوف تتضح فيه تدريجياً التغيرات الحقيقة للنظام المالي العالمي من خلال التشريعات الجديدة سواءً على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي حسب توجهات مجموعة العشرين على مختلف الأصعدة. وقد شهد عام 2009 م كثيرا من تلك التوجهات، حيث صدرت تشريعات متشددة فيما يخص القطاع المصرفي والقطاع الاستثماري وقطاع التأمين تحديداً. حتى أن كثيرا من الدول يشهد منذ بداية الأزمة نقاشات حادة حول أفضل الطرق لتنظيم القطاعات المالية كما هو الحال في أمريكا التي وصل الأمر إلى محاولة الكونجرس الحد من صلاحيات الاحتياط الفيدرالي. والأمر ذاته يسري على بريطانيا التي كان لها نموذج خاص من خلال فصل سلطات الإشراف والرقابة عن البنك المركزي منذ سنوات، اليوم هناك توجه لإعادة دمج هاتين المهمتين. أما ما يخص احتمالية وجود إمكانية لتعثر أو أخبار سيئة سواء لاقتصاديات دول معينة أو شركات، فأعتقد أن احتمالية أن نشاهد حالات محددة خلال 2010م لا تزال قائمة، ليس بسبب الأزمة المالية فقط ولكن بسبب التغيرات الهيكلية التي سوف تشهدها اقتصادات الدول دون استثناء بعد تجربة الأزمة المالية. هناك قطاعات معينة سوف تهمش فيما سوف تبرز قطاعات جديدة، كما أن القطاعات الحالية مثل القطاع المصرفي سوف يشهد تطورات تختلف من بلد لآخر. ولكن خليجياً وبالذات في المملكة، فأعتقد أن هناك تطورات إيجابية كثيرة سوف تبدأ في البروز. وأهم مخاطر متوقعة هي من تلك الدول أو الشركات التي قد لا تستطيع خدمة ديونها الحالة مثل ما حدث في دبي! ## كيف تقيسون توجهات الاقتصاد السعودي في هذا العام (2010).. هل تتوقعون العودة إلى مستويات النمو للاقتصاد الكلي للاقتراب من معدلات 2007 و2006؟ - وكذلك توجهات الاقتصاد الخليجي؟ أعتقد أن الاقتصاد السعودي هو أفضل الاقتصادات الناشئة من حيث محدودية التأثر بالأزمة المالية العالمية، وإن تصادف ذلك من ظروف محلية خاصة بالاقتصاد السعودي من حيث إن هناك عديداً من التغيرات التي لن تظهر تأثيراتها الإيجابية كلها في 2010، رغم أن القراءة الأولية لتلك التغيرات كانت سلبية بسبب عدم إطلاع الكثيرين على فحوى وأهداف تلك التغيرات. وقد يكون ذلك نتيجة قصور في تقديم تلك التغيرات للمجتمع الدولي المحلي. الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة إعادة هيكلة حقيقة وبالذات فيما يخص القطاع الخاص. فالقطاع الخاص سيمر بمرحلة صعبة في المملكة لكنها مرحلة صحية ولا بد من المرور بها، وهي أقرب ما تكون لمرحلة الغربلة . أتوقع وسبق أن أشرت إلى أن هناك ما بين 30 في المائة إلى 50 في المائة، وقد أكون متحفظ بعض الشيء من عدد الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سوف يخرج من السوق خلال الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة، لكنني أعتقد أننا سنشاهد معدلات أكثر في 2010م، مع توقع دخول أعداد كبيرة من المنشآت ولكن بأشكال وخطط مختلفة. أما معدلات النمو فما زال هناك شبة إجماع على أن معدلات الإنفاق الحكومي سوف تحافظ على مستويات النمو حيث أعلن الملك أن هناك 400 مليار دولار سوف يتم إنفاقها على مشاريع البنى التحتية في الأعوام الخمسة القادمة. وقد يكون للسياسة المتحفظة المالية والنقدية والإصلاح الاقتصادي الذي بدأ منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الأثر الكبير في حماية المملكة من تبعات أزمة كان يمكن أن تكون قاصمة للظهر. أما على المستوى الخليجي، فهناك تباين واضح في عدد من المحاور وإن كان الانطباع العام أنها اقتصادات متشابهة. وقد أدت تجربة دبي والأزمة المالية في خدمة ديونها إلى كشف هذا التباين الصارخ. بيد أن هناك ثلاث دول بالتحديد لديها مشاكل واضحة جراء تأثرها بالأزمة المالية العالمية حسب اقتصاد كل بلد، وهي الإمارات والكويت ومن ثم البحرين. فالإمارات، وتحديداً دبي، بالغت في قضية التوسع عن طريق التمويل لدرجة أن حجم التمويل تجاوز 127 في المائة من حجم الودائع في الإمارات ككل. أما الكويت فلديها توسع كبير في الشركات الاستثمارية التي كانت تستثمر في الأدوات المالية المهيكلة والعقار في دبي بالذات، وهو ما جعلها تعاني بشكل واضح منذ بداية الأزمة حتى اليوم. أما البحرين فهي وكما نعلم مركز أوفشور، وقد توسعت المصارف في تمويل الاستثمارات بشكل أضر بها مع دخول الأزمة ولا تزال تحاول ضبط الأمور في حدودها الدنيا. ## القطاع المالي السعودي محجم عن الائتمان الأمر الذي دفع الحكومة ممثلة في صناديق التمويل (الصناعي والتنمية والاستثمار) إلى رفع تمويلاتها للمشاريع.. هل تتوقعون استمرار هذا النهج خلال هذا العام أم أن البنوك ستعاود نشاطها الائتماني؟ القطاع المصرفي لم يحجم عن التمويل، لكنه غير الأسس التي منح بموجبها التمويل، وهناك فرق بين الإحجام عن التمويل وتغيير أسس التمويل. حيث بدأت تلك التغيرات منذ عام 2005 مما أشعر الجميع أن هناك إحجاما عن التمويل. لكن الحقيقة أن القطاع المصرفي استشعر التغيرات الهيكلية في الاقتصاد السعودي وهي تغيرات كما ذكرت في السؤال السابق تمس صميم هيكل القطاع الخاص السعودي الذي يمر اليوم بتغيرات مباشرة سوف تؤدي في النهاية إلى خروج كثير من رجال الأعمال من السوق بسبب ضعف البنية التحتية لأعمالهم وصغر أحجام كثير من المؤسسات الفردية. وللتدليل على هذا، لو أخذنا عدد السجلات التجارية حتى عام 2008 في المملكة لوجدنا أنها بلغت نحو 825 ألف سجل تجاري (وأنا هنا أتحدث فقط عن السجلات التجارية المرخصة من قبل وزارة التجارة والصناعة ولم أتطرق لرخص البلدية)، كما أن هناك نحو 192 ألف منشأة فقط لديها اشتراك في التأمينات الاجتماعية، مما يعني أن أقل من ربع عدد المنشآت لديها خطط تأمين لموظفيها في نهاية الخدمة، وأن هناك أكثر من 52 في المائة منها يشغلها خمسة موظفين (عمال). كما أن إحصائيات وزارة العمل في عام 2008م تشير إلى أن 99 في المائة من المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم. هذه حقائق لا تسمح للقطاع البنكي في التوسع في التمويل. لذا هناك كما ذكرنا حاجة إلى إصلاح هيكلي في تركيبة القطاع الخاص سوف تؤدي إلى مرحلة من المصاعب ولكنه إصلاح ضروري لإعادة صياغة الاقتصاد السعودي بشكل يسمح للقطاع الخاص بأن يكون شريكاً في التنمية مع القطاع العام. ## ما توقعاتكم لاتجاه الدولار خلال عام 2010 وبالتالي انعكاسه على حركة السياسة النقدية في العام بما فيها السعودية؟ هناك عنوان سابق في عام 2007م لمحاضرة قدمتها في الرياض تحت عنوان "الدولار يحتضر أو يتحضر؟!" والمقصد أنه عندما نتحدث عن الدولار، علينا أن نتحدث على مستويين، مستو قصير الأجل، وهو من سنة إلى ثلاث سنوات، ومستوى طويل الأجل، وهو من خمس إلى عقد ونصف على الأقل. وهذا يؤثر في الدولار اليوم وسوف يؤثر فيه في 2010، بل سيكون للسياسات الآنية التي تتبناها الحكومة الأمريكية لمعالجة تبعات جراء الأزمة المالية العالمية. عليه، فثمة رغبة غير معلنة للحكومة الأمريكية في إبقاء الدولار على مستوياته الحالية بهدف إنعاش الاقتصاد الأمريكي وتحريكه، و جعل الصادرات الأمريكية في وضع تنافسي أفضل من خلال سعر الدولار. لذا أعتقد أننا سنشاهد في عام 2010م مستويات سعرية للدولار قريبة من 2009م دون تغيرات تذكر، وسوف يتحرك بهامش محدود، إن لم تكن هناك تطورات سياسية أو تغيرات في مجريات الأحداث العالمية تؤثر في أمريكا وعملتها. أما على المدى الطويل، فلا شك أن الدولار لم يعد في وضع يسمح له بأن يكون العملة الأوحد في العالم، حتى إن العديد من الإجراءات التي اتخذت في الفترة الماضية (2009م) تبين أن هناك خططا لعملات منافسة تستعد لأخذ مقاعد متقدمة مع الدولار، وأولى تلك العملات اليورو الأوروبي والريمبي الصيني. حيث بدأت الصين بإجراء اتفاقيات بينها وبين عدد من الدول في المحيط الآسيوي وفي أمريكا اللاتينية للبيع بالعملة الصينية. زد على ذلك تقليل احتياطيات الصين من الدولار لحساب عملات أخرى. وأخيراً، العودة القوية للذهب والتي تدل على أن هناك هواجس لدى كثير من الدول. أما لدينا فسمعنا عن دعوات لتسعير النفط بعملات أو سلة من العملات. ولكن سرعان ما صدرت تصريحات نفي وشجب لتلك التوجهات. ## الفائدة لدينا حاليا في أدنى مستوياتها تاريخيا.. هل تتوقع رفعها تدريجيا لمواجهة الضغوط التضخمية المرتقبة وكذلك فتح قنوات استثمارية لإبقاء أموال البنوك في الداخل؟ كما نعلم هناك تضخم محلي نتيجة عوامل محلية، ومعادلة العرض والطلب، وهناك تضخم مستورد، على المستوى المحلي، وأتوقع تراجعا في معدلات الاستهلاك الفردي نتيجة تراكمات كثيرة ليس المقام مناسبا لذكرها. لذا، فالمنطق يحتم علينا أن لا يكون لدينا تضخم محلي، نتيجة أن العرض سوف يظل أكثر من الطلب. وأؤكد أن المنطق يقول ذلك. عليه، أعتقد أن معدلات الفائدة لن ترتفع كثيراً في ظل تلك الحقائق المحلية، إلا إذا كان هناك تدخل حكومي في تفعيل ورفع معدلات الاستهلاك الفردي وبالذات إذا ما تم تدشين أنظمة الرهن العقاري التي ربما ترفع من مستوى الطلب على الإسكان. أما التضخم المستورد فهناك كلام ودراسات كثيرة تشير إلى أن السياسات المالية والنقدية التي اتبعت منذ بداية الأزمة المالية والضخ الكبير للتريليونات من الدولار في الاقتصاد العالمي وتسهيل أو خفض أسعار الفائدة التي وصلت إلى الصفر في أمريكا ستؤدي بمجملها لموجة تضخم كبيرة فيما بعد. لكنني لا أعتقد، ولسبب بسيط هو أن العالم اليوم وعبر مجموعة العشرين بات أكثر وعياً من ذي قبل بتبعات أي سياسة مالية أو نقدية على الاقتصاد العالمي، وبالتالي ستكون هناك متابعة دقيقة لمؤشرات التضخم من اليوم الأول. ولا أتصور أن يكون هناك ارتفاع كبير في أسعار الفائدة عالمياً، وإن كان من الممكن أن ترفع قليلا عن مستويات الصفرية اليوم.
إنشرها

أضف تعليق