وفاة عبد الرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف السابق
توفي صباح أمس عبد الرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف السابق ومؤسس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، عن عمر يناهز 89 عاما، وقد أديت صلاة الميت عليه رحمه الله بعد صلاة عصر أمس في جامع الإمام تركي بن عبد الله في حي الديرة وسط الرياض، بحضور عدد كبير من الأمراء والمسؤولين وأقارب الراحل.ويتلقى أبناء الفقيد زياد، عبد العزيز، فيصل وسلطان العزاء في منزله رحمه الله الكائن في حي الرحمانية.
ولد الراحل في الغاط سنة 1388هـ، وتلقى تعليمه على يد الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز بن منيع ومن بعده الشيخ سلمان بن عبد الله بن إسماعيل، ونشأ في غمرة أحداث بناء الدولة السعودية على يد موحدها الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، وتولى إمارة منطقة الجوف في الخامس من رمضان عام 1362هـ، وهو في الـ24 من عمره، واستمر في هذا المنصب حتى تقاعد في 1/7/1410هـ، وفي أثناء فترة إمارته في الجوف مثل حكومة المملكة في اللجان التي شُكلت لمعالجة مسائل الحدود ومشاكل القبائل السعودية والعراقية، وذلك في الفترة من 5/7/1368هـ وحتى 12/11/1375هـ، كما تولى إدارة مفتشية الحدود الغربية وإمارة القريات بالوكالة، وتولى أيضا قيادة قوة المجاهدين في منطقة الجوف.
يتكلم الذين عرفوا الأمير عبد الرحمن وعملوا معه عن حنكته وتواضعه وحلمه، وعن فعالية أسلوبه في معالجته للأمور العامة وتفانيه في سبيلها، وعن نذره كل وقته للعمل، وفتحه مكتبه ومجلسه للمواطن والمقيم دائما دون قيود، وعن نهجه في كسب القلوب والعقول بالحكمة واحترام الإنسان والمحافظة على حقوقه أيا كان، ويصف هذا الحال الدكتور أحمد اللهيب في معرض تعليق له على ديوان "القصائد" الذي ضم مجموعة من أشعار الراحل فقال: "المهم الذي لم أقرأه حسب اطلاعي المحدود في الشعر الشعبي إلا لعبد الرحمن السديري هي الناحية السياسية الاجتماعية بينه وبين رعيته والمجتمع الذي هو أمير عليه، فهو يشكو من ألم فراق ذلك البلد وأهله إذا سافر عنهم، ويرسل لهم القصائد العاطفية كأنما يرسل لأبنائه، ولا يخص أحدا دون أحد ويجيبونه بالمثل، فأهل الجوف يدخلون في مساجلات شعرية ودية مع أميرهم في حين أن كثيرا من البلدان مشغولون بالمساجلات الخلافية، والحق يقال إن هذه الناحية السياسية المهمة فريدة جدا وهي صفة فعالة ناجحة استطاع بها عبد الرحمن ومن خلالها أن ينتقل من قصر الإمارة ولغتها إلى عطف الأبوة وشفقتها والمجتمعات في أزمة من هذا النوع". وعرف عن السديري حبه للعلم والزراعة والرياضة واهتمامه بتراث المنطقة، إلى جانب اهتمامه بنهضتها ورقيها.
وتعكس مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية التي صدر بها الأمر الملكي رقم أ/442 وتاريخ 9/9/1403هـ الأهمية التي يوليها الراحل لنشر الثقافة والعلم في منطقة الجوف، فقد كان الغرض الأساسي من تكوين مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية هو تولي إدارة وتمويل مكتبة "دار الجوف للعلوم" التي كان الأمير المؤسس قد وضع لبناتها الأولى سنة 1383هـ، وسعى لأن تكون بمجموعتها العامة والخاصة مركزا للدراسة والبحث والنشر يسهم في بث الثقافة في منطقة الجوف، ونشر الدراسات المتعلقة بها وحفظ تراثها الأدبي والأثري.
وحرص الراحل على أن تكون الدار مكونة من مكتبتين متماثلتين مكتبة عامة للرجال وأخرى عامة للنساء هي أول مكتبة عامة نسائية في المملكة.
وفي مجال التعليم، عني الراحل بمتابعة افتتاح المدارس في منطقة الجوف وحث المواطنين سواء كانوا من أهل الحاضرة أو البادية على إلحاق بنيهم وبناتهم بهذه المدارس، ومتابعة تحصيلهم العلمي فيها، وفي سبيل مساعدة أولياء الأمور على تقبل تعليم البنات وتفهمهم له حث الراحل كريماته على العمل في أول مدرسة للبنات افتتحت في الجوف، وبادر في لقاءاته مع المواطنين بالحديث عن فائدة تعليم البنات والتأكيد على أهميته، مما كان له أثره في تلك المرحلة المبكرة من مسيرة التعليم في المنطقة.
كذلك حرص الراحل علي تشجيع أهل البادية على الاستيطان، وشارك في اقتراح المشاريع التي تسهم في تحقيق هذا الهدف، ومن ذلك على سبيل المثال مشروع توطين البادية في وادي السرحان، إدراكا منه لأهمية تحضر أهل البادية وتمكينهم من تعليم أبنائهم وبناتهم، وتحولهم إلى مصالح وأعمال توفر قدرا أكبر من استقرار الحال ورغد العيش. ويعكس وعي الراحل بهذا الجانب واهتمامه به مسابقة المزارعين التي بدأها عام 1385هـ وخصصها في بادئ الأمر لحديثي الاستيطان من أهل البادية، ثم عممها لتشمل كل مزارعي المنطقة، وأرادها أن تكون من خلال الجوائز والمعلومات التي تقدم فيها وسيلة لتعريف المستفيدين من المسابقة بوسائل الزراعة الحديثة وتقنياتها المتجددة.
وتعد مسابقة المزارعين في الجوف أول برنامج منظم للمسابقات الزراعية في المملكة. كما أهتم الراحل منذ 1385هـ بتنظيم سباق للهجن في المنطقة كان هدفه الأول جمع أهل المنطقة في هذه المناسبة للجلوس معهم والاستماع إليهم ومعالجة بعض الظواهر التي تؤثر فيهم والمسائل التي تهمهم، وخلق جو من التآلف والتعارف يسمح بتنامي العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بينهم، إضافة إلى تشجيع أبناء المنطقة على الاحتفاظ بسلالات الهجن الأصيلة التي يملكونها والمحافظة على هذه الرياضة العربية القديمة التي يحبونها.
ويعد سباق الهجن أول سباق منظم للهجن يقام في المملكة، ويرافق هذا السباق إقامة معرض للسجاد والمنسوجات التي تصنعها أيدي نساء بادية المنطقة، هدف منه الراحل التعريف بهذه الصناعة المحلية ودعم المهتمين بصناعتها من خلال الجوائز التي توزع فيها وسوق البيع المصاحب لها، وساهمت المعارض العديدة التي أقيمت لهذا الغرض في استمرارية هذه الصناعة التراثية المميزة وتطورها.
وعبد الرحمن بن أحمد السديري شاعر مرهف يحب الأدب والتاريخ والتراث ويعشق الفروسية بكل معانيها. صدر له "ديوان القصائد" مكتوبا ومسجلا، كما صدر له كتاب عن تاريخ منطقة الجوف هو "كتاب الجوف وادري النفاخ" وتمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، وقد خصص الراحل ريع الكتاب لصالح مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية لتوظيفه فيما تنفذه المؤسسة من أعمال خيرية في المنطقة.
رحم الله الراحل عبد الرحمن السديري وأسكنه فسيح جناته، و"الاقتصادية" تتقدم بخالص العزاء والمواساة لأبناء وأقارب الفقيد، سائلةً المولى عز وجل أن يخفف من ألمهم ويجعل رحيل والدهم آخر أحزانهم.