نهـاية استراتيجية "الشراء والبقاء متحفظًا" في الأسواق المالية

نهـاية استراتيجية "الشراء والبقاء متحفظًا" في الأسواق المالية

المشهد العام: صباح يومٍ شتوي في كولون، يتجمع فيه حشد هائل من كبار الزوار في صالة استقبال "فندق حياة". وها هو المدير العام لإحدى شركات وِكالة الممتلكات الألمانية الضخمة يتسلم مفتاح غرفته، بينما من بعيد نري المطرب الشعبي المشهور "ديتر بوهلن" يعرج في مشيته تجاه المصعد، وعند سؤاله عن السبب يجيب "لقد التوت قدمي أمس وأنا ألعب التنس الأرضي". وبينما توزع المضيفات العديد من لافتات الأسماء على الطاولات، يترجل متهجّماً ومقطبا حاجبيه الكاتب الأديب "فالتر كيمبوفسكي" باتجاه طاولة الإفطار. وفي النهاية عندما أقبل طاقم الإخراج لأكبر بنك أهلي خاص في ألمانيا وهو بنك "سال. أوبنهايم"، تحولت كل الأنظار عن تلك الطلعة حسنة الهندام إلى المؤلف "روجر فيليمسن"
بكـل وضوحٍ يرى المشاهد أنه في هذا اليوم تتزامن مناسبتان مختلفتان كل الاختلاف في آنٍ واحد، فالأدباء والكتاب موجودون في المنتدى الأدبي "ليت. كولون" المقام في وسط المدينة ، أما رجال ونساء المال فهم مجتمعون للمؤتمر الاستثماري الذي يُقيمه "سال. أوبنهايم".
وعند أقصى حد مباشرة افترقت الطرق لكلا الجمْعين بعد الإفطار، حيث أخذ الأول أدراجه إلى وسط المدينة على الضفة الأخرى من نهر الراين، بينما انطلق فوج رجال ونساء الأعمال إلى غرفة ذات جدران عازلة في نفس الفنـدق.
مرة واحدة كل عام يجتمع البنك مع كبار وأهم عملائه وذلك للخوض في أوضاع الأسواق المالية والإطّلاع على آخر مجريات الأمور فيها وصياغة التوقعات المحتملة وكذلك لتعليل أسباب القرارت الاستثمارية في هذه الأسواق. ويعلّق أحد وكلاء الممتلكات على هذا الحجم الكبير من الحضور المتميز من طبقة رؤساء مجالس إدارة ومديري من مختلف القطاعات كالشركات ومؤسسات التأمين و معاهد الاستثمار المالي، حيث يقول "إن جودة ونوعية المواضيع المطروحة هي التى تجعل من هذه المناسبة حدثاً مهماً لهذا العام". كما أن مطالعته لقائمة المشتركين بهذا التركيز دلالة واضحة على أن الضيافة حسب البروتوكول ستكون على أصولها.
لم ينغّص الأجواءَ على الحاضرين بتاتا الاجتماعُ في غرفة كالملجأ، فالرضا والسرور مرسوم على أوجه الكثير من الذين يعملون في قطاع الاستثمارات المالية في الأسواق الرأسمالية، إذ كان العام الماضي 2005 عام الخير لهم. "إذا أخذنا صورة جماعية من فوق، يستطيع المرء أن يلاحظ الفرق الشاسع بين العامين 2003 و 2006" بهذه العبارة رحّب "بيرند بورجماير" بالحضور. و"بـيرند بورجماير" هو المدير الاستثماري لدى البنك الأهلي "سال. أوبنهايم"، وأما مهمته لهذا اليوم فهي تحديد الدرجة الصوتية لدى الحضور خلال الساعة القادمة. حيث قام أولاً بالاستماع إلى رد فعلهم على تصريحاته "إن تزايد قوة الإنتاج في الاقتصاد العالمي يدفع بالنمو إلى الأمام ويحدّ في الوقت نفسه من التضخم المالي، وكما أنّ التفاؤل ينمو حاليا على أقصى مداه". ونظراً للتزايد المتواصل في أرباح الشركات فإن هذه بشارة خير لأسواق الأسهم، بينما أسواق الضمان التقاعدي لم تستطع مرة أخرى تعكير صفو الأجواء.
وقبل أن يبالغ الحاضرون في الابتهاج يمسك "بورجماير" بزمام الأمور قائلاً "ولكن المخاطر مازالت هناك قائمة" ناقلاً الوضع بذلك إلى الاتجاه المعاكس. "فالعالم لا يُطمئن الآن كما كان في العام الماضي"، ولتليها الضربة القاصمة للحضور "إلاّ أنّ الفرق الوحيد هو ارتفاع مؤشرات الأسهم أثناء ذلك بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 40 في المائة"، حينئذ تهاوت قلوب الحاضرين. ولكن "بورجماير" يعرف كيف يوازن بين الملح والفلفل، فينقذ الموقف قائلا "ولكن الوضع العام ليس بتلك المأساوية"، فرسالته مغزاها "الهدف المطلوب هو أن نستعدّ في الأيام الصيفية للأيام الممطرة".
أشدّ أناقة و أكثر رشاقة من هذا لا يمكن أن تُكتب سطور سيناريو السوق للأعمال والصفقات، بوجهة نظره هذه يرمي "بورجماير" إلى السياسة التي يجب اتباعها، فيقف كالحاوي متظاهرا برمي كرات في الهواء ويقول "أنتم ترون فجأة كرات كثيرة معلقة في الهواء، فالإستراتيجية الناجحة للاستثمار يجب أن تستطيع إبقاء الكرات في الهواء". فإستراتيجية "الشراء والبقاء محتفظا بما اشتريت" استراتيجية قديمة جدا ولا تستحق حتى الذكر. وعوضا عن ذلك يجب أن تنشأ سياسة دينامكية نشيطة لتوزيع المدخرات، أي انتهاز الفرص لتشغيل الأرباح وفي نفس الوقت التقليل من المخاطر. تبنّي تلك النظرية لا يحتاج إلى قوة إقناع كبيرة للجمهور، فيكفيهم البرهان بما حدث في الأعوام الماضية الذي أكد أن هذا النظام قد أثبت نجاحه.
انتهى دور "بورجماير" وجاء الآن دور الضيفين.الأول "هاينز - يؤاخم نويبورجر" المدير المالي لدى "سيمنس"،الذي برهن بعد عرض مفصل للشركة أن المرء يستطيع الإجابة عن الأسئلة السهلة بكل تعقيـد. وتلاه الضيف الثاني "كينيث روجوف" من جامعة هارفارد الأمريكية حيث أوضح أن عدم التوازن في هذا العالم لن يؤدي إلى الاختلال. وفيما بين ذلك وصلت الرسالة المطلوبة إلى مقصدها، ومع بلوغ الظهيرة زودّ خبراء الأسهم والضمان التقاعدي في البنك الأهلي صفوف "بورجماير" العريضة بتفاصيل كثيرة، لدرجة أن بعض الموجودين لم يستطع التركيز تماما. فيردّد المندوب عن أحد البنوك النمساوية العبارة التي أعجبته عن الاستعداد في الأيام الصيفية للأيام الممطرة ويعد بأن يوصي بها عملاءَه دائما و دائما.
وفي النهاية يستطيع الآن "ديتليف بيرباوم" أن يسترخي في المساء على كرسيه، فهو المسؤول في الهيئة الإدارية للشركاء الذين يكفلون أنفسهم في "سال. أوبنهايم" عن صندوق دعم الأعمال والصفقات وكذلك عن الاجتماع أيضا. هل يمكن القول إذن إن الاجتماع كان ناجحا ؟ فقط نستطيع قول ذلك إذا كان الطابع المأخوذ عن البنك بأنه يستطيع استغلال الفرص والسيطرة على الأزمات، "وهذا ما نجحنا فيه أيضاً هذه المرة".

الأكثر قراءة