الأسر السعودية مازالت تجهل أهمية الترشيد والادخار في توفير الاستقرار

الأسر السعودية مازالت تجهل أهمية الترشيد والادخار في توفير الاستقرار

الأسر السعودية مازالت تجهل أهمية الترشيد والادخار في توفير الاستقرار

لوحظ على مدى السنوات الأخيرة الارتفاع المطرد للنمط الاستهلاكي للأسر السعودية دون ترشيد، والمعتمد على الشراء الاستهلاكي القائم على الإنفاق في غير موضعه الصحيح أسوة بالمثل القائل " اصرف ما في الجيب يأتيك مافي الغيب "، ويأتي هذا الارتفاع تلازما مع نشوء الطفرة المالية الأخيرة والارتفاع الملحوظ للمداخيل.
وتشير الاستطلاعات إلى أن نفقات الأسر السعودية زادت بنسبة كبيرة، الأمر الذي يشكل عبئا مرهقا للأسرة ذات الدخل المحدود والتي دأبت على الاستهلاك باقتطاع شهري لسداد الأقساط، وباتت حياتها مهددة في حالات الظروف الطارئة.
وتعد سياسة الادخار الأسلوب الأنجع في ترسيخ مبدأ التأمين الاجتماعي، والقائم على انخراط جميع شرائح الأسرة في نشاطات اجتماعية ومؤسساتية ذات خطط وبرامج توعوية واستثمارية، تشكل وثيقة تأمين لحياة الأسرة والأجيال المقبلة.
"المرأة العاملة" تستعرض في هذا التحقيق مفهوم الاستهلاك والادخار في المجتمع السعودي فإلى التفاصيل:

مفهوم الادخار

تعرف هدى سامي كتبي مدربة ايتكيت وناشطة اجتماعية، الادخار بالجزء غير المستهلك من الدخل، وترى أن أغلب الأسر السعودية تنتهج مبدأ "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب "، سواء كانت الأسرة من ذوات الدخل المرتفع أو الدخل المحدود، فمجتمعنا لم يتعود على الادخار، ويقوم بتحويل الفائض من المال لشراء الكماليات أو السفر في الإجازات،أما الأسر ذات الدخل المحدود فهي لا تستطيع الادخار بسبب متطلبات الحياة (الإيجار، الكهرباء، مستلزمات الأسرة الضرورية) فلا مكان للادخار وإن وجد ادخار فيكون لمواجهة مصاريف مستقبلية كاستقطاع جزء من الدخل شهرياً حتى يتمكن من دفع إيجار المنزل في موعده.
وتقول كتبي "مشكلتنا تكمن في عدم التخطيط للمستقبل بوضع الأهداف الواضحة والمحددة التي تشجعنا على وضع ميزانية للأسرة نوضح فيها كل أبواب الدخل والإنفاق مما يساعدنا على الادخار".

عوائق الادخار
وترى هدى " أن ارتفاع سعر فاتورة الكهرباء، البنزين، وأسعار المواد الغذائية، كل هذه الأمور لا تدع للأسرة مجالا للادخار ولا حتى بجزء بسيط، وتعتبر أن بداية ترسيخ مفهوم الادخار لدى الطفل تبدأ من المنزل فهو المكان الذي ينهل منه الطفل كل المبادئ والقيم والأفكار وأسلوب الحياة.
وتضيف" فمن السهل أن أعلم طفلي الادخار بشراء لعبة ادخر ثمنها من مصروفه، وتعويده على عدم شراء أي شيء لمجرد أنه يريده، أو مكررة لديه، أو غير ضرورية، وتعليمه أن يدخر المبلغ الذي معه لشراء شيء آخر ذي فائدة أكبر، إضافة إلى دور المدرسة فهي المنزل الثاني للطفل في تفعيل هذا المفهوم بالقيام بنشاط جماعي في شراء مستلزمات الصف الدراسي.
دور المؤسسات
وتلفت هدى إلى الدور السلبي للمؤسسات التي لم تسهم في تعليم مفهوم الادخار، بل على العكس أسهمت في تعليمهم الإنفاق أكثر، بالتزامن مع عروض البنوك التي تشجع الأسرة على الإنفاق، من خلال تقديم التسهيلات للقروض والاحتياجات الكمالية، والنتيجة تكبد الأسرة مصاريف أكبر لا تساعدها على الادخار.
وتعتقد كتبي أن الحل يكمن في تدريب الأسرة على العمل بوضع ميزانية لها بغض النظر عن مستوى دخلها، بأسلوب المشاركة الجماعية لجميع أفراد الأسرة كبارا و صغارا، عبر تحديد متطلبات كل فرد واحتياجاته، وبهذا تحدد الميزانية الأساسية، ثم يتدرج في باقي الاحتياجات الكمالية مما يسهم في ضبط المصاريف العشوائية للدخل، وإيجاد رصيد توفير للظروف الطارئة.

الوعي بأهمية الترشيد
من جانبها تشير سمر محمد موظفة سعودية في البنك السعودي البريطاني أنها لم تلاحظ من خلال عملها في البنك توافر الإدراك الكافي لدى الأسر السعودية بأهمية ببأهميةبببهمية الادخار لأنفسهم أو للأجيال القادمة "لأطفالهم".
وتقول سمر إنها لم تشعر من خلال استفسارات عملاء البنك حول برامج الادخار، ما يوحي بتوافر تفهم كامل لأهمية الترشيد والادخار في حياة الأسر واستمرارها، وقالت" غالبا ما تكون أسئلتهم محدودة وإدراكهم للبرامج محدود، ففي ظل الطفرة بالأسهم وارتفاع الرواتب، أرى أن الأسر والأفراد أصبح لديهم تخبط بين ميلهم للادخار وحبهم لتكوين ثروة، بدلا من التفكير بعمل برنامج ادخاري ناجح.
وترى سمر أن العديد من المتطلبات الكمالية تحولت إلى متطلبات أساسية رغما عنا، مثل الهواتف المحمولة، والسيارات، وغيرها من الأشياء التي لم تكن في يوم ما أساسية.
وأضافت أنه بما أننا نعيش في رخاء اقتصادي، ومعدلات الدخل في ازدياد، إلا أنه يجب أن يلازمها وعي اقتصادي، ومن المصلحة العامة لكل فرد أن ينتهز هذه الفرصة بحيث إنه يجمع ويدخر قدر الإمكان للمستقبل.
وتعتقد سمر أن الركيزة الأساسية في تكوين هذه الثقافة لدى الطفل تبدأ من مجتمعة الأم والأب، و ترسخ بأبسط الأمور مثل الحفاظ على الهدايا والألعاب، والتدرج بالتعليم مع نمو الإدراك عند الطفل باستخدام صندوق النقود "الحصالة"، ووضع النقود المعدنية والقروش، لإعطائه مفهوما مبدئيا عن أهمية هذا القرش الذي قد ينفعه في يوم ما في شراء الملابس أو المستلزمات المدرسية، أو إعطائها للفقراء ليكتسب حب العطاء والإحسان إلى الفقراء والتبرع للجمعيات وأوجه الخير.

مثال شركة أرامكو
تتعجب سمر محمد من المتناقضات الموجودة في بعض فئات المجتمع التي لم تعد تشعر بالتعاطف مع الطبقة الأقل دخلا، وما تشعره من معاناة في مواجهة أعباء الحياة العامة، حتى ضمن العائلة الواحدة أحيانا، وترى أن على المؤسسات العامة عبء رفع الوعي العام لهذه القضية، وخير مثال على بعض الأدوار التي يمكن أن تقوم بها مؤسسات القطاع الخاص هو الدور الذي قامت به شركة أرامكو، حيث برعت في تأسيس معنى الادخار بين موظفيها ضمن برامج خاصة لبناء المساكن والفلل لهم، وتوصيلهم ببرامج البنوك الخاصة للادخار لأنفسهم وأطفالهم ولتنمية أموالهم، لمدة معينة للمستقبل خمس أو عشر سنوات، وهذا هو الشكل الصحيح المفروض أن تكون عليه المؤسسات الأخرى.

واقترحت سمر عقد ندوات بشكل منظم ومبهر ملفت للنظر لجميع الفئات العمرية في القطاعات كافة، تتناول معنى الادخار ومفهومه وكيفية تحقيقه دون أن يؤثر في حياتنا وسلوكنا الشرائي.
وتبين سمر أن البنوك حاولت توجيه الناس إلى الادخار من خلال عقدها ندوات وجلسات تتحدث عن إصدار برامج ادخاريه، لكنهم لم يبرعوا في توصيلها بالشكل السليم ليرفعوا ثقافة الوعي بأهميتها لدى الأفراد والأسر على المدى الطويل. كما أنهم لم يشركوا جميع شرائح المجتمع.

وترى حنان مدني سيدة أعمال، أن الأسر السعودية تعودت منذ الطفرة التي نشأت منتصف السبعينيات على نمط معين من الإنفاق الاستهلاكي على حساب الادخار، ولم يبذل في تلك الفترة والسنوات اللاحقة بها اهتمام كاف لرفع درجة الوعي بأهمية الادخار.
وتضيف" إن إدراك الأسرة السعودية لأهمية الادخار جاء في مرحلة وجدت بعض الأسر أن دخلها لم يعد يغطي نمط الإنفاق السابق نتيجة العديد من المتغيرات، وفي السنوات القليلة الماضية نجد الكثير من الأفراد الذين اتجهوا للاستثمار وهذا يعكس وعياً جيداً بأهمية الادخار والاستثمار، كما أتوقع أن ترتفع فاتورة الاستهلاك المنزلي على حساب الادخار، تبعا لأولويات الأسرة".
وتعتقد مدني أن الدور التربوي التوعوي مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة ،مبينة أن الطفل يتلقى في المدرسة الكثير من المبادئ والمفاهيم وإذا لم يصاحب ذلك تطبيق يراه ملموساً في واقع البيت تصبح تلك المبادئ بالية.
وترى مدني أن الحل يكمن في بذل مزيد من الجهود من قبل جميع المؤسسات، لترسيخ مفهوم الادخار، مع ضرورة أن يستمر ويتطور تبعاً للمستجدات التي يواجهها المجتمع، إضافة إلى أن البنوك يمكن أن تقوم بدور فعال في المجتمع تجاه نشر مفهوم الادخار في حياة الأسر السعودية،
من خلال الندوات والإعلانات التوعوية للمجتمع، والتسويق لها من خلال خطط مدروسة تساعد في توعية المجتمع بأهمية الادخار والاستثمار.

الأكثر قراءة