هل اجتاز سوق الأسهم السعودية محنته؟

هل اجتاز سوق الأسهم السعودية محنته؟

هل اجتاز سوق الأسهم السعودية محنته؟

إذا كان الأمر كذلك، فماذا بعد؟ لقد واجه سوق الأسهم السعودية في الأسابيع الماضية عملية تصحيح قوية، طالت جميع الأسهم المدرجة فيها، مما أدى إلى تسجيل السوق انخفاضا بلغ أكثر من 30 في المائة.
نتيجة لتك التداعيات صدر التوجيه السامي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، الذي قضى بدراسة جانبين مهمين من جوانب السوق. أولهما، تعديل القيمة الاسمية بحيث يمكن تجزئة الأسهم، ثانيهما، السماح للمقيمين بالتداول مباشرة في سوق الأسهم السعودية. ومما لا شك فيه بأن توجيه خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، كان له أكبر الأثر في بث الاطمئنان وإعادة الثقة إلى السوق. تزامن ذلك أيضاً مع قرارات استثمارية مشجعة من قبل كبار المستثمرين في المملكة والعالم مثل الأمير الوليد بن طلال ـ رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة ـ الذي أوضح رغبته في ضخ ما بين (5 و 10) مليارات ريال في سوق الأسهم السعودي قناعة منه بأن المعطيات الأساسية ما زالت قوية ولم تتغير والسوق أصبح أكثر جذباً للاستثمار. كما أكد الشيخ سليمان الراجحي ـ رئيس مجلس إدارة مصرف الراجحي ـ قيامه باستثمار ملياري ريال في السوق، ثقة منه بأن سوق الأسهم ما زال قناة استثمارية واعدة. هذا بالإضافة إلى قناعاتهم الراسخة بوجوب دعم الاقتصاد الوطني في كل الأوقات وكل ما دعت الحاجة إلى ذلك.
لقاد أسهمت تلك القرارات الاستثمارية في تفعيل جانب الطلب بعد أن عانى السوق من زيادة في الكميات المعروضة دون أن تقابلها طلبات فعلية، مما أدى إلى استمرار انخفاض الأسعار.
من جهة أخرى، فعملية التصحيح حدثت في وقت تشهد فيه المملكة فورة اقتصادية غير مسبوقة، ربما تستمر سنوات مقبلة، تدعمها أسعار النفط المرتفعة وتوافر السيولة الضخمة والفائضة التي تبحث عن مجالات استثمار جديدة.
الشعور العام لأداء السوق حتى الآن مازال يميل إلى التفاؤل وأن التصحيح الذي حدث أعاد إلى السوق نوعا من الطمأنينة، ومع أمل عودة الأسعار إلى معدلات معقولة ومقبولة نتوقع أن تبدأ الأسعار دورة صعود جديدة، تعكس الوضع الاقتصادي القوي والنمو الجيد في أرباح معظم الشركات المدرجة في السوق. وفي الوقت نفسه يجب أن ندرك أن الارتفاع عام 2006م ربما لا يصل إلى المستوى المتحقق في العام الماضي.
بالرجوع إلى مسببات هذا التصحيح يمكن القول إنها تعود إلى الارتفاعات القياسية التي حققتها أسعار الأسهم في السوق خلال الفترة الماضية، وبالأخص أسهم المضاربة التي دفعت هيئة سوق المال لاتخاذ بعض القرارات بهدف التخفيف من حدة الارتفاع في الأسعار. لكن للأسف ردة فعل السوق لتلك القرارات كانت سلبية مما أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار طال جميع أسهم الشركات المدرجة في السوق. وازدادت حدة التصحيح بانخفاض مستوى الثقة في السوق لدى صغار المستثمرين بعد النزول الحاد في الأسعار وقيام بعض المضاربين بتغطية مراكزهم المالية وتعويض خسائرهم في أسهم المضاربة عن طريق بيع ما يمتلكونه من أسهم في الشركات القيادية نتيجة لعدم وجود طلبات فعلية على أسهم شركات المضاربة، وبالإضافة إلى قرار بعض المحافظ الاستثمارية الانتظار حتى يعدل السوق اتجاهه النزولي والبدء في الصعود، ومن ثم الدخول في السوق للاستفادة من فروقات الأسعار مستقبلاً، لكن استمرار الانخفاض في الأسعار أدى إلى توجه أغلب الصناديق المستثمرة في الأسهم المحلية إلى بيع جزء من الأسهم في محافظها الاستثمارية لتوفير السيولة للمستثمرين الذين قرروا استرجاع وحداتهم الاستثمارية في الصناديق.
خلال السنوات الثلاث الماضية، استطاع سوق الأسهم السعودية أن يستقطب شرائح كبيرة من أفراد المجتمع شملت العديد من صغار المستثمرين، لكن غالبية المستثمرين الجدد ليست لديهم خبرة في تقلبات أسعار الأسهم، كذلك اتضح فيما بعد أن كثيرين منهم اتجهوا للمضاربة مقارنة بغيرهم من المستثمرين، فهم يسعون إلى تحقيق الربح السريع، وفي معظم الأحيان ينظرون إلى أن ارتفاع الأسعار هو الصفة الأساسية للسوق، مع أن من صفات أسواق الأسهم التذبذب ارتفاعاً وانخفاضاً، وللأسف لم يدركوا أن المغالاة في الأسعار ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى عمليات تصحيحية حتى ولو كان وضع الاقتصاد الكلي جيدا وفي تحسن مستمر، فكلما كان هناك ارتفاع حاد في الأسعار، انعكس ذلك على عملية التصحيح من حيث طول المدة وحدة التأثير، حتى تتم إعادة الأسعار إلى مستويات عادلة ومقبولة.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما السعر المعقول والمقبول لأي سهم؟ الإجابة تكمن في أن المقياس الوحيد لقبول سعر السهم في أي سوق أسهم هو الربح المتحقق للشركة المساهمة من أعمالها التشغيلية، لذا لا بد لمن يدخل سوق الأسهم أن يفرق ما بين أرباح الشركات التشغيلية والأرباح الأخرى الناتجة من عمليات إعادة التقييم أو المتاجرة بالأسهم أو الأصول العينية كالعقارات على سبيل المثال عند تقدير السعر العادل لأي سهم مدرج في السوق. ومن خلال عملية التقييم البسيطة هذه يتضح أن كثيرا من أسهم الشركات، وخاصة أسهم ما يسمى شركات المضاربة وصل في الشهرين الماضيين من هذا العام على أقل تقدير إلى معدلات تقييم مرتفعة خاصة معدل سعر السهم إلى العائد على السهم (مكرر الأرباح)، حيث تفوقت على ما هو مقبول ومتعارف عليه من قبل كثير من المحللين الماليين، الذين يرون بأن مكرر الأرباح يجب أن يكون عند مستوى العشرينيات. لذا كان لا بد من التصحيح.
لكن للأسف حدة التصحيح كانت قوية، أثرت في جميع المتعاملين بالسوق سلبياً، وإلى حين أن تصبح أسعار معظم الشركات مقارنة بالأرباح المتوقعة بنهاية العام قريبة من ذلك المعدل، الذي يطالب به كثير من المحللين علينا أن نستدرك بعض الأمور، أولها: في جميع الأحوال يجب أن ندرك بأنه في الاقتصاد الحر لا تتدخل الدول في الأسواق ومنها أسواق الأسهم وتترك الأسعار تتحدد بناء على العرض والطلب، ومن جهة أخرى، الجهات الرقابية كهيئة سوق المال يتمثل دورها فقط في السعي إلى بذل كل جهد ممكن لضبط المخالفين وحماية صغار المستثمرين من المتلاعبين بالسوق وتوفير الشفافية والمعلومات عن الشركات المدرجة للجميع، فليس مطلوباً من الهيئة حماية المضاربين أو المستثمرين الصغار عن قراراتهم الاستثمارية الخاطئة، ومن عدم محاولتهم فهم أبسط قواعد الاستثمار في سوق الأسهم والمخاطر المرتبطة به، حيث كلما ارتفع العائد كان معدل المخاطرة أكبر.
وكلنا يعرف بأن المضاربين أصبحوا المحرك الرئيسي للسوق، فالمضاربون يدخلون السوق ليس من أجل الحصول على عائد مجز في المدى البعيد، ولكن بهدف تحقيق الربح السريع. لذا تجدهم يركزون على توجهات أسعار الأسهم والإشاعات والمعلومات الداخلية بدلاً من مؤشرات التقييم والتحليل الفني للسوق.
وهنا دخول السوق من أجل المضاربة يجب أن يواكبه استعداد لتقبل الخسائر إذا ما حدثت ـ لا سمح الله ـ كما يتم تقبل الأرباح.
من جهة أخرى، المستثمرون وضعهم مختلف لأنهم عندما يدخلون السوق يسعون إلى أن تكون محافظهم الاستثمارية مكونة من أسهم الشركات الرابحة والواعدة ويبقون عليها لفترة زمنية أطول، عادة تراوح بين ثلاث و خمس سنوات.
أخيراً، عزيزي القارئ لك أن تحدد الآن بين أن تدخل السوق مستقبلاً كمضارب أو كمستثمر أو كلاهما معاً بعد أن عرفت أبسط الفروق بينهما, أما أنا فأتمنى عند نشر هذا المقال أن تكون الجهات المعنية كوزارة المالية، ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة سوق المال قد بدأت فعلاً في اتخاذ الخطوات الأساسية لتفعيل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، فيما يخص إعادة هيكلة السوق حتى لو تطلب الأمر مراجعة بعض القرارات المتخذة أخيراً من قبل هيئة سوق المال على سبيل المثال، التي أدت ليس فقط إلى انخفاض حاد في أسعار الأسهم، بل إلى تباطؤ حركة التعامل في السوق. كذلك أتمنى أن يكون سوق الأسهم السعودية قد تجاوز محنته. أما فيما يخص المتداولين فأرجو من الله أن تكون هناك دروس مستفادة لهم مما حصل واستيعاب أكثر عمقاً لآليات القرار الاستثماري مستقبلاً.
والله من وراء القصد.

- قسم الاقتصاد ـ كلية العلوم الإدارية
جامعة الملك سعود

الأكثر قراءة