السيولة وسوقنا والمستثمر المقيم
قرار خادم الحرمين بدخول المستثمر المقيم وتفاعل الهيئة معه وإدراج البداية يوم السبت المقبل لها عدد من الأبعاد الاقتصادية الإيجابية والسلبية كما يراها بعض المحللين. وسبق لهذا القرار أن أعاد بعض الرؤية وأخرج السوق من النفق المظلم الذي دخله في الأيام الماضية وأعاد له نوعا من الرؤية الإيجابية. والملاحظ أن تفاعل السوق كان متفاوتا في الأيام الماضية ولعل توجه الهيئة من خلال إعلانها اليوم هو حسم الموضوع وجعله أمرا واقعا.
حاليا يسمح للأجانب المقيمين وغير المقيمين وقبل صدور القرار بالدخول في السوق من خلال صناديق الاستثمار، وعمر التجربة ليس بالقصير وإنما غطى فترة زمنية تساعد على اتخاذ القرار نحو فك الاحتكار والسماح بدخول مصادر إضافية للسيولة في السوق علاوة على المصادر الحالية. ولا توجد إحصائيات حول نسبة امتلاك صناديق الاستثمار من قبل المستثمرين من غير المواطنين (حاليا يوجد 568 ألف مساهم في الصناديق لنحو 199 صندوقا وباستثمارات 136 مليار ريال). وحاليا يوجد في السعودية ستة ملايين مقيم يحولون سنويا 60 مليار ريال خارج السعودية.
يتوقع أن يتجه البعض ممن ساهموا في الصناديق للتحول نحو الاستثمار المباشر، وذلك حسب قناعتهم بالاستثمار في الصناديق ومدى إيمانهم بالقيمة التي جنيت من الصناديق مقارنة بالدخول المباشر، والقيود الحالية مقارنة بما هو متوافر في الدخول المباشر في السوق (أوقات الدخول والخروج وحجم السيولة اللازمة وتكاليف الإدارة ورسوم الصناديق). وحجم الحركة هذه سيتضح خلال الأيام المقبلة من خلال التغيرات التي ستطرأ على صناديق الاستثمار مما يجعلها تغيير مراكز. كذلك سيبدأ البعض في الاتجاه المباشر من الراغبين في تغيير المواقع أو الداخلين الجدد. ولعل النقطة التي تهمنا هي ما حجم السيولة المتوقعة من دخول المقيمين في السوق السعودي؟ وحسب الإحصائيات السابقة يمكن أن تراوح بين 10 و15 مليار ريال حسب جاذبية السوق لهم. وتعتمد بدورها على درجة ثقافة الداخلين الجدد ووعيهم الاستثماري ورؤيتهم، وهل هناك قيود على حجم نوعية الاستثمارات للمقيمين الأجانب؟ وهل هناك تكاليف إضافية أو ضرائب عليهم؟ وهل سيسمح للشخصيات الاعتبارية المقيمة بالتداول أم هو خاص بالشخصيات الطبيعية؟ وبالتالي نجد أن هناك عددا كبيرا من الأسئلة والإجابة عنها سيحدد حجم ونوعية التأثير في السوق.
هناك نغمة الحذر لدى البعض من أن دخول الأجانب سيؤدي إلى تأثير سلبي من زاوية أن ضغط السوق والألعاب التي تمارس داخل السوق يمكن أن يقوم بها المقيمون وبالتالي حجم السلبية التي يمكن حدوثها وعلى حساب الصغار يمكن أن تتحقق. ولكن يمكن أن يكون لدخولهم وبعقلانية تغيير من بعض ممارسات السوق السلبية ويساعد على نشر وعي استثماري أفضل نتيجة لأن القاعدة الاستثمارية ستكون أكثر وعيا وبالتالي سيكون القرار أكثر منطقية. فوجهات النظر ستتعدد وستختلف وبالتالي سيكون اتجاه السوق أكثر منطقية. وعدا عن نقطة الإيجاب أو السلبية من الممارسات القائمة في السوق نجد أن محصلة تنويع قاعدة القرار سيكون لها الأثر الإيجابي في السوق.
حاليا فيماعدا الحذر لا توجد أي أبعاد سلبية أخرى يمكن النظر إليها وتعتمد القضية على الممارسات المتوقعة في السوق ومدى إيجابيتها. ولعل حجم الثقة التي يكتسبها الاقتصاد السعودي ومدى العوائد التي يمكن تحقيقها في السوق المحلي مقارنة بالعالمي في ظل اختلاف المعاملات الضريبية تدعم أو لا تدعم التوجهات الاستثمارية من قبل المقيمين. وتعتبر نتيجة القرار المتخذ اختبارا حقيقيا من قبل مستثمر محايد نحو السوق السعودي وحجم الضغط الذي سيتولد في الأيام المقبلة. وبالتالي تكون هناك إجابات واضحة لكثير من نقاط الجدل التي أثيرت ولا تزال تثار حول القيمة الحقيقية والتوجهات الاستثمارية والتوقعات للشركات المساهمة السعودية. وتعتبر بالتالي الأيام المقبلة ومع بدء ظهور النتائج الربعية نوعا من التقييم الحقيقي للسوق ونرى نوعية الداخلين الجدد وما سيقدمونه للسوق السعودي. خاصة أن هناك أحكاما سيقت بصورة مستمرة على أن دخول طبقات وخلفيات ثقافية مختلفة من المواطنين مباشرة للسوق كان لها الأثر السلبي في اتجاهات السوق واتجاهاته السابقة بل ووصل بالبعض إلى جعل ذلك سببا في الصعود والهبوط وسلوكيات السوق. فهل ستدخل نوعيات محددة سوقنا أو لن يختلفوا عن فئات المواطنين الحالية؟ سؤال الاجابة عنه تعتمد على أبعاد وضوابط القرار واللوائح التفسيرية له.
في ظل عدم وضوح الرؤية والوضع الحالي الذي يعايشه السوق هناك حاجة ماسة لتفعيل القرارات الرئيسية وخاصة تجزئة السوق وزيادة عمقه سواء من خلال الطرح الجديد أو زيادة نسبة الأسهم المتاحة للتداول. فالسيولة الجديدة تحتاج إلى نوع من زيادة رقعة التعامل فيها، ولعل الخطوة مع المقيمين تليها زيادة رقعة السيولة من غير المقيمين.
الأسابيع المقبلة ستكون الفيصل في تحديد اتجاهات القرار وآثاره سواء كانت إيجابية أو سلبية ولكن يجب أن نعي إن كنا نعمل في سوق حرة ونعتبر سوقنا حرة وأن المستثمر رشيد لن يؤثر فينا سلبا من دخل بل سيكون تأثيره إيجابيا لأن ذلك دلالة على الثقة باقتصادنا وهي جزء من جذب رأس المال الأجنبي.