جدل حول مسؤولية الشركات الاجتماعية ومهامها

جدل حول مسؤولية الشركات الاجتماعية ومهامها

استمر الجدال لعقود ضمن دوائر المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR، وكذلك خارج هذا النطاق حول ما إذا كان ينبغي أو لا ينبغي للشركات أن تكون مهتمة بالصالح الاجتماعي، وإن كانت كذلك، فكيف.
وهناك مدرستان فكريتان محددتان بصورة واضحة: الأولى، أعطت الأهمية إلى تعظيم قيمة المساهمين كسبب من أسباب الوجود، و كخط إرشادي رئيسي لإدارة الشركة، و الثانية، تعمل على أفضل استغلال وتحسين لقيمة "الجهات المستفيدة"، أي أن فكرة وجود الشركة قائمة على تلبية مصالح ومطامح كل من يساهم في نجاحها، خاصة أولئك الذين يتأثرون بقوة بنشاطاتها سواءً كانوا من مستثمريها، أو موظفيها، أو مزوديها، أو زبائنها، أو مجتمعاتها المحلية. و من خلال هذه الرؤية، فإنّ مسؤولية الشركة هي أكبر من توليد المال فحسب؛ فعليها توليد القيم وتوزيعها بطريقة ترضي مصالح و توقعات جميع المساهمين الرئيسيين في عملية إيجاد القيم.
لم المسؤولية الاجتماعية للشركات؟
إن الدوافع المحركة لاستثمار الشركات في المسؤولية الاجتماعية متعددة. وإجمالا، يمكن لنا أن نفرق بين ثلاث فئات عريضة. الأولى: تبني الشركة نشاطات المسؤولية الاجتماعية من خلال التواصل الخيري و تقديم الأموال لغرض اجتماعي مباشر، أو من خلال تأسيس مؤسسة. والثانية رؤية المسؤولية الاجتماعية من منظور العلاقات العامة، أي بناء سمعة حسنة من خلال ركوب الموجة العامة للاهتمام أو التعاطف مع موضوع اجتماعي محدد. والثالثة والأخيرة، هي الاعتقاد الجوهري أنّ المسؤولية الاجتماعية جزء لا يتجزأ من القرارات و الأفعال الإدارية اليومية مما سيطور ميزة تنافسية من خلال تعزيز فعالية الكلفة، والعائدات، أو ابتكار منتجات جديدة.
ولفهم هذه النقطة الثالثة و المهمة، خذ بعين الاعتبار شركة شل Shell الرائدة في إحدى أقل الصناعات مسؤولية على الصعيدين الاجتماعي و البيئي؛ فهي سباقة في مجال المسؤولية الاجتماعية، حيث نشرت أولاً " المبادئ العملية " للممارسات الأعمالية المسؤولة عام 1976. أما اليوم، فتعمل المسؤولية الاجتماعية في جميع النشاطات العملية للشركة من الموافقة على الاستثمارات إلى عمليات تخصص الموارد، إلى علاقات المزودين، ومن الاستخدام (ربما المفرط) لأساليب مشاركة أطراف العلاقة ارتباط المساهمين بالقرارات المهمة إلى جانب جذب و تحفيز و استبقاء المواهب الجديدة.
وعلى الرغم من حصول شركة شل على حصتها من الحركة الارتجاعية العنيفة الناجمة عن رفع تقارير غير دقيقة لإيراداتها النفطية، إلا أنّها قاومت الفضيحة بشكل جيد نسبياً، و ذلك بفضل تكامل كبير لمبادئ المسؤولية في نشاطاتها. وكذلك حصلت شركة إنرون Enron على العديد من الجوائز لنوعية ممارساتها التنظيمية (كالقواعد الأخلاقية، و الأعمال الخيرية، وغيرها)، ولكن حين عصفت بها الفضيحة، أصبح من الواضح للجميع أنّ هذه السمعة بنيت على مهارات العلاقات العامة أكثر من اعتمادها على التغيّر الفعلي في ممارساتها العملية.
استجابة المسؤولية الاجتماعية للشركات
إن ما ذكر أعلاه هو مثال للجهود التي تبذلها الشركات في إطار المسؤولية الاجتماعية للتقدم من " سببية" المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى " ماهيتها " بالنسبة إلى إدارة الأعمال اليومية، و " كيفية " تحقيق هذا التغيّر الدقيق المهم في عملياتها. إن " ماهية وكيفية " المسؤولية الاجتماعية هي التي تطرح السؤال الحقيقي، وليس الحافز وراء ذلك.
أما في ما يتعلق بمسألة " الماهية "، فإننا جميعا واضحون بخصوص القائمة الرئيسية للقضايا المطروحة. وإنها تتعلق بأثرها على البيئة الطبيعية، و نوعية الحياة في المجتمعات المحلية التي تعمل فيها الشركة، وبعدالة التعامل مع الزبائن و المزودين. وهكذا، يكون الجانب الصعب هو تشخيص توقعات الأطراف المعنية، و طبيعة التفاعلات الضرورية لتحقيق ذلك. وهذا أمر أكثر تعقيداً، حيث إنه متغير على مر الزمان، و طبيعة السياق المعني.
إن المديرين في الشركة ذاتها يمكن أن يكون لدى كل واحد منهم فهمه المختلف لما يتوقعه المجتمع المحلي من الشركة، و بالتالي يقررون و يعملون بصورة مختلفة وفقا لما يفهمونه، و وفقاً لفجوات المفاهيم و التوقع بين الشركة والجهات المستفيدة ذات العلاقة. فكيف ينبغي للشركة إدراك مسؤوليتها أكثر من غيرها من الشركات مرتكزة تماماً على التحفيز و تعزيز نمط " الاهتمام"؟
ويستكشف مشروع "الاستجابة" الذي تقوده انسياد هذه الأمور ومسائل أخرى كثيرة. فتحت رعاية الأكاديمية الأوروبية للنشاطات العملية في المجتمع EABIS باشرت مجموعة من كليات النشاطات العملية الرائدة متعددة الجنسيات ببرنامج بحثي لثلاث سنوات حول آلية فهم المديرين والجهات المستفيدة الاجتماعية، وذلك من خلال مجموعة كبيرة من الشركات متعددة الجنسيات. ومن خلال كل شركة على حدة، و من ثم عبر الشركات جميعها، سيتم فحص المسؤولية الاجتماعية في ظل وجود أربعة أهداف رئيسية هي:
دراسة التناقضات بين تفسيرات الشركة والمجتمع للمسؤولية الاجتماعية.
دراسة العوامل المؤثرة على الخطر الاجتماعي على الشركة.
مدى وكيفية تسهيل عمليات المعرفة في منظمات النشاط العملي لتفسير المطالب الاجتماعية و الاستجابة لها.
اختبار مدى فعالية البرنامج التدريبي في تطوير سلوك مسؤول اجتماعياً من جانب المديرين.
وسيجري التعامل مع الأهداف الثلاثة الأولى من خلال التحليلات الداخلية و الخارجية للشركة، حيث أجريت عشر مقابلات فردية مع مديرين رئيسيين، كما أجري بحث على شبكة الإنترنت شمل مائة مدير تم اختيارهم عشوائيا. وباستخدام نماذج معدة مسبقاً من مجموعة شاملة من الاختبارات السيكولوجية، ستتم معرفة و تحديد و مقارنة الثقافات الفردية و الجماعية و القطاعية، و الفكرية، والقيم، والتوقعات.
أما الهدف الأخير حول مدى فعالية البرامج التدريبية، فسيأخذ طريقاً عملياً تجريبياً في كل شركة مختارة. و في هذه المرحلة التجريبية الحاسمة سيقدم للمديرين تدريب ذو أساليب مختلفة. فإما التعلم الاعتيادي للمسؤولية الاجتماعية ضمن فصل دراسي، وهو الأسلوب السلوكي يتعرض فيه المشاركون مباشرة إلى الفقر، والتلوث، أو إلى علل اجتماعية مشابهه، أو الأسلوب الاستبطاني المصمم لتعزيز التطور الداخلي لمجموعة من الخصال السيكولوجية التي من المفترض أن تؤثر بشكل إيجابي على السلوك المسؤول اجتماعياً، و تقييم المديرين قبل و بعد الدورة باستخدام مجموعة من المعايير السيكولوجية لتقدير أثر التدريب على القيم و الذكاء العاطفي عند الأفراد.
وستقدم نتائج مشروع الاستجابة أول رأي عالمي صحيح، ومختبر علمياً، حول ماهية المسؤولية الاجتماعية بالنسبة إلى الشركات، والمسؤولين التنفيذيين، والمديرين، والجهات المعنية المستفيدة، والإدارات و المساهمين عبر البلاد، و الصناعات و الشركات الشخصية، و آلية فهم و ممارسة المسؤولية الاجتماعية على الصعيد الاجتماعي، و الشركات، و الأفراد و انعكاسها و تعزيزها بأفضل طريقة في قلوب عقول مديري الشركات .
وكان مشروع الاستجابة فريداً في أهدافه و أغراضه، و في مدى اتساعه، و تنوع المشاركين، و النشاطات العملية و الأعضاء المؤسسين و الأكاديميين. وأكثر من ذلك أنه فريد في ما يبشر به من موجة جديدة من الابتكارات و الممارسات و التحسينات في المسؤولية الاجتماعية للشركات المرتكزة على التجربة و الاختبار دون أن يستغرق ذلك 30 سنة أخرى.

الأكثر قراءة