البرقع بين الماضي والحاضر

البرقع بين الماضي والحاضر

عند سؤال شخص عاش في جزيرة العرب، عن الشيء الذي يميز المرأة البدوية عن الحضرية..! أول أمر سيتبادر لذهنه ويجيب به، هو البرقع، فهو العنصر المهم من زيها الشعبي وتراثها الأصيل توارثته النساء عن الجدات.

بلونه الأسود الأخاذ، يُشِع جمالاً.. وبسحر الماضي وعبقه الجميل يظل كقطعة ساترة تغطي المرأة به مفاتن وجهها.. فالبرقع جزء مهم من ملابس المرأة البدوية قديما ويعد من زينتها رغم أنه يسترها، حيث كان لزاماً على الفتاة أن تغطي به وجهها بمجرد أن يُعقد قرانها و بذلك أصبح علامة مميزة للتفريق بين الفتاة والمرأة المتزوجة.
وقد كان العرف عند البعض أن تلبس الفتاة البرقع لدى بلوغها سن الثانية عشرة، حتى أنها ترتديه منذ استيقاظها فجراً و حتى موعد نومها ليلاً، بل إن بعضهن لم يكن يخلعنه أبدا حتى عند النوم.

وقد كان هذا البرقع أداة عقاب أيضا..!! ومنفىً أبدياً لإحدى الفتيات حيث قيل إنها أول امرأة لبست البرقع حتى تطور وانتهج طريقاً آخر نحو الجمال، وبدأت القصة حينما أراد أبوها تزويجها لخاطب غريب لا تريده ولا ترغب في عصيان والدها فجاءت والدة ذلك الغريب لترى الفتاة... فعمدت الفتاة للحيلة وشوهت نفسها بأن وضعت على وجهها قطعة قماش سوداء مثقوبة من عند العينين لتفزع ناظريها وعند اكتشاف خدعتها أقسم والدها بأن هذا الرقعة السوداء ستكون لباس وجهها طيلة العمر.

وبهذا درج البرقع ثم اقتبست منه القبائل الأخرى وكان هذا كما يذكر أحد المؤرخين نحو عام 1870 للميلاد .. ورغم أن بعض الباحثين أكدوا عدم صحة تلك الحكاية وبطلانها مستدلين على قول توبة بن الحميّر عندما رأى الأخيلية سافرة:

وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت
فقد رابني منها الغداة سفورها

فقد كان من عادة ليلى أن تلقاه وهي مرتدية البرقع كعادة قبيلتها، ولكنها نزعته وخرجت سافرة لتحذره من قومها الذين تربصوا به وقد فطن لذلك وهرب.. ونجد في معاجم اللغة عن الليث وهو من أئمة اللغة قوله: «جمع البرقع البراقع.. وتلبسها نساء الأعراب وفيه خرقان للعينين''.

هذا الملمح التراثي الجميل بدأ في الاختفاء والضمور نتيجة الانفتاح الكبير على العالم و الاختلاط بالثقافات الأخرى وتعليم الفتاة وخروجها لسوق العمل، كل هذا أدى إلى اقتصار ارتداء البرقع بين الأمهات والجدات فقط. ليس هذا فحسب، بل أخذ المصممون بوضع لمساتهم السحرية بطريقة فاتنة على ذلك البرقع العفيف حتى غدا صغيراً في حجمه لدرجة كبيرة رغم أنه كان كبيراً يغطي كامل الوجه لكنه أصبح مجرد زينة تضعه المرأة لا يستر منها شيئا بل يفضح رغم أن الهدف منه الحشمة.

عدد القراءات: 811

- هذه المادة منتقاة من الإقتصادية الإلكترونية تم نشرها اليوم في النسخة الورقية

الأكثر قراءة