الانحراف ليس سهلا
قد يتصور بعض منا أو غالبيتنا أن النجاح صعب وعسير وقد لا يناله الكل، لكن هل تساءلنا عما إذا كان الانحراف سهلا أم لا؟ .
فإذا أخذنا الوقائع نجد أن المنحرفين يعانون كثيرا حتى ينحرفوا عن المسار الصحيح فهم يعاندون الأهل والأصدقاء ويسببون لهم المتاعب، يجنحون إلى تجاوز القانون وأنظمة الدولة، يرهبون المجتمع بأفعالهم وتجاوزاتهم، ولا أصدقاء لهم إلا من أمثالهم فهم عكس التيار في كل شيء.
فالمنحرفون يعانون الأمرين وهم مستمرون في الانحراف حتى إن لحظات اللذة لديهم قليلة وقصيرة المدى مرتبطة بالجرم المرتبك، وهم لا يخافون أبدا وبالرغم من أن الخسارة محتومة والنهاية معروفة فمع ذلك يعيدون الكرة ألف مرة.
حقا إن الانحراف ليس سهلا فهناك دراسة أثبتت أن من يعانون اختلالا في السلوك يولدون بجين مختلف وبسيلات عصبية تختلف عن بقية البشر، ولهذا غالبا ما يكون ابن السفاح سفاحا لكن بالطبع ليس قاعدة، فإن الإنسان المنحرف إنسان مريض، ولكن من نوع آخر، فإن أعراض مرضه لا تظهر مثل أي مرض آخر إلا بصورة تشينه وتجعل الآخرين يكرهونه والعلاج إذا لم يكن مبكرا فلا نفع له متأخرا، وهذا يؤكد أن المنحرفين على عكس البشر الأسوياء يستسهلون الصعب ويستصعبون السهل توجد لديهم لذة في السرقة ولو كانوا أغنياء لذة في صنع المشكلات بأنواعها وهي بالنسبة لهم اللذة الوحيدة في الحياة، فالمنحرف عدو نفسه قبل أن يكون عدوا للمجتمع فهو من يجلب المتاعب لنفسه وأكثر خوفه من نفسه لأنه أكثر من يعرف أن لا حدود لشره. ونجد بعض المنحرفين يقومون بكل تلك الأفعال الخارجة عن النظام والقانون من أجل نيل الاهتمام، ولفت أنظار وسائل الإعلام والناس، وهو الاهتمام الذي ربما لم يحصلوا عليه عندما كانوا أطفالاً، وإذا كان البعض يولدون بجين مختلف، فإن البعض يولد لديهم سلوك الانحراف من العوامل البيئية ومن التشتت الأسري وخلافه ومن ألوان العذاب والحرمان وتجاهل المجتمع وقسوته، الذي وجدوه وعايشوه، فيتجسد الإجرام لديهم في حقدهم على المجتمع ورغبة في أذية كل الناس حتى لو لم يكن لهم ذنب.
وأخيرا، فالانحراف ليس مجرد شقاوة أطفال أو أفعال طائشة من مراهقين، لأنه موجود في مختلف الفئات العمرية، وهو أكبر من المرض لأن علاجه صعب أو ربما مستحيل والأكثرية لا تؤمن أنه مرض لكن علينا ألا نكون متسرعين في الحكم، فحتى المنحرفين لم يجدوا سهولة في انحرافهم، بل ربما واجهوا صعوبات أكثر من صعوبات الذين نجحوا.
عدد القراءات: 1345
- هذه المادة منتقاة من الإقتصادية الإلكترونية تم نشرها اليوم في النسخة الورقية