حميمية الإبداع .. وعصامية التشكيليين
في الواقع أنه ورغم التأثير المباشر للوحة التشكيلية على المتلقي إلا أن هذا التأثير يبقى حبيساً للجهل التذوقي الذي يصاحب فترة عرض العمل الفني .. وهذا الجهل يأتي نتيجة للبعد الثقافي الذي أوجدته ظروف هذا النوع من الفنون .. وهنا لا أحب أن أكون في طرحي صاحب فلسفة خاصة تهبط من عزيمة أولئك القادمين بقوة لسبرغور هذا الفن الذي اعتبره ويعتبره الكثيرون من الفنون الراقية . ولكن هذه حقيقة التعامل معه. وعندما نحاول تحليل الرؤيا التي تنشأ عند إقامة معرض من المعارض أياً كان فارسه فإننا سنجد أن الجميع بلا شك سيخرجون بعد مشاهدتهم للأعمال بإنطباع فكري وفني وحسي جميل ورائع .. وهذا في الحقيقة أمر أوجدته تلك العلاقة الحميمية بين الفنان ولوحته وبين اللوحة والمتلقي لأن الفنان التشكيلي وبكل بساطة لا يمكنه أن يفرض على الآخرين أن يتقبلوا العمل وبشكل فيه (( إجبار )) بقدر ما يقدم من أحاسيس صادقة تعنيه هو ولا تعني الغير أي أنه يرسم اللوحة ويطرح من خلالها ما يشعر به هو فقط .. ولا يهم أن تتطابق رؤيته مع رؤية المتلقي الذي سيكسب التناغم التكويني والموضوعي واللوني.. هذا جانب أما الجانب الثاني فهو أن الفنان التشكيلي يلقي بهمومه وأحاسيسه في تلقائية وتعبيرية موحدة دون مشاركة خارجية فعلى سبيل المثال فإن الشاعر يتكامل مع الملحن ومع المؤدي .. والموسيقى أيضاً يحتاج إلى علاقات أخرى وهكذا القاص والممثل وخلافه من دهاليز الإبداع .. ولكن مع اللوحة فلا توجد هناك أي علاقة منشطة أخرى ويبقى إحساس الفنان هو الإحساس الأوحد.. بل هو كما أسميه (( العطاء الصامت )) .. بلا ضوضاء .. بعيداً عن التنميق في الإلقاء الشعري أو الصخب الموسيقي أو الثرثرة المسرحية تمثيلاً .. أو خلافه.
وبعد هذا كله فإن الغياب الذي يحدث للناقد التشكيلي وكذا المطبوعات التي تعني بالفن التشكيلي أو الكتاب التشكيلي أو حتى العناية باللفتات التشكيلية من خلال صحفنا السيارة اليومية إلا من بعض الاجتهادات المشكورة التي تغلب على أمرها احياناً وكأنها ذلك (( الجدار القصير الذي يتسلقه القاصرون فكراً ..)) إذا علمنا بأن أول المؤجلات في حكم قاضي الصحافة عندما تنهال مواكب الإعلان أو حينما يتمطى الهم الكروي على قلوب التشكيليين فيفقدهم الاستمتاع بمقالة تشكيلية كانت ستنشر أو تحليلاً فنياً عن لوحة أو فنان إنها بلا شك عصامية نادرة بناها ذلك الفنان. من خلال طرح هموم مجتمعة وقضاياه وبهذا حقق معجزة من الإنجازات رغم ما يعانية ؟!
ولكن تبقى الحركة التشكيلية في المملكة حركة واعدة تحتاج إلى الكثير والكثير من الدعم والعطاء .. وهذا ما بدأنا نحسه في الآونة الأخيرة من اهتمام كبير وعلى أعلى المستويات القيادية .. بعيداً عن المنهجية التعليمية التي تحرص على تعليم قواعد الرسم بشكلها المدرسي .