أجندة الاقتصاد الإسلامي: هل تقتحم سوق المال؟
أشار الاجتماع الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في منتجع شرم الشيخ المصري إلى أن بنوك العالم تتجه للاندماج مع البنوك الإسلامية بعد أن حققت طفرات ربحية غير مسبوقة وبعد أن وصلت قيمة الأصول المالية العالمية لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية الخالية من الفائدة إلى (500 مليار) دولار أمريكي وبمعدل نمو سنوي (10 %), الأمر الذي دفع البنك الألماني (دويتشه بنك) وبنك (أبراج) الإماراتي وبنك (الاستثمار) البحريني إلى إنشاء صندوق تمويل إسلامي مشترك بمبلغ (ملياري دولار), مما أدى إلى إثارة مخاوف المحللين الماليين الغربيين بأن يؤدي هذا التوجه إلى خضوع المؤسسات المالية الغربية لتأثير الأجندة الإسلامية المصرفية.
ورأت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني أن هذه المخاوف لا أساس لها، وأنها ليست بالحجم الذي تصوره المؤسسات المالية العالمية، هذا وقد سبق لمؤسسة ستاندرد أن استبعدت وجود أية ''أجندة لزرع الصيرفة الإسلامية'' في شرايين كبريات المؤسسات المالية في النظام المصرفي الغربي, وذلك عقب عمليات الاستحواذ الضخمة التي قامت بها الصناديق السيادية الخليجية والسنغافورية, وأكدت ''ستاندرد'' أن الجدوى الاستثمارية لهذه الصناديق اقتصادية بحتة، وأن سعيها يتركز فقط في تعظيم الأرباح، وتستبعد أن يكون لدى تلك الصناديق نوايا لاستغلال نفوذها المالي من أجل الحصول على ميزة دخول المجالس الإدارية لهذه البنوك الغربية، ولا تسعى من وراء ذلك إلى فرض آلية صريحة لتحويل تلك البنوك إلى مصارف إسلامية، ولا حتى زيادة أعداد النوافذ الإسلامية لدى تلك البنوك سواء في أمريكا أو في أوروبا.
وقد نقلت في وقت سابق بعض المواقع الاقتصادية عن رئيس فريق تصنيف الصناديق السيادية في ''ستاندرد آند بورز'' فاروق سوسة، قوله: " ليس لدينا من سبب يدعونا للشك في أن هناك أي أجندة لكل هذه الصناديق وراء أي من عمليات الشراء التي جرت في الآونة الأخيرة غير الأساس الاقتصادي والربحي" كما نقل عن بين فاولكس، كبير المحللين الائتمانيين لدى ''ستاندرد'' قوله: " إن هذه الصناديق تعمل على وقاية بلدان الخليج من الهزات المالية وتساعد على توليد إيرادات لا تعتمد على أسعار النفط أو الغاز، فضلا عن تأمين هذه الصناديق غطاءً واسعا لمستويات الدين المنخفضة لمنطقة الخليج، حيث من المعلوم أن الأغلبية العظمى من صناديق الثروة السياسية التابعة لبلدان مجلس التعاون الخليجي تملك حصصاً كبيرة في البنوك الأمريكية والأوروبية الرئيسية. وهذا ما يؤهلها لأن تمتلك نفوذا واسعا في العملية التصويتية داخل المجالس الإدارية لهذه المؤسسات المالية", أما فيما يخص قضية إمكانية استخدام الصناديق السيادية الآسيوية والخليجية هذه البنوك الغربية على شكل رأس حربة وتستغلها لتوسعة نشاط الصيرفة الإسلامية، خاصة أن النظام المصرفي الإسلامي أثبت أنه قادر على المنافسة في ظل الأزمة المالية وصعوبة الحصول على الائتمان, ففي هذا المجال نقل عن سوسة قوله: ''إننا نرى أن صناديق الثروة السيادية تتخذ قراراتها الاستثمارية من منطلق اقتصادي بحت وعندما تتخذ هذه القرارات من منطلق استراتيجي أيضاً، فإن الجوانب الاقتصادية للعملية ينبغي أن تكون معقولة" ومن الجدير ذكره أن ''ستاندرد آند بورز'' تصنف صناديق الثروة السيادية إلى مجموعتين؛ الأولى تضم الصناديق التي تستثمر بصورة رئيسية في الأوراق المالية القابلة للتسويق، والغرض الأول والرئيس من استثماراتها هو زيادة الأموال وعائدات رؤوس الأموال، كما أنها تسعى للحفاظ على الثروة النفطية من أجل ضمان مستقبل الأجيال القادمة، إضافة إلى ذلك فإنها تطمح إلى تنوع موارد الإيرادات وتحصينها كي تصبح قادرة على الصمود أمام الهزات المالية. وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي، فإن عدم وجود أصول قابلة للتسويق مقارنة بحجم هذه الصناديق يعني أنها تعتبر جهات استثمارية كبيرة في حسابات الأصول المالية الأجنبية، كالأسهم والسندات والعقارات العالمية. أما المجموعة الثانية من صناديق الثروة السيادية فتتملك حصصاً في الشركات المحلية والإقليمية، وهي تختلف عن صناديق النوع الأول في أن هذه الحصص تكون كبيرة، وتشارك هذه الصناديق عادة بنشاط في إدارة المؤسسات التي تستثمر فيها. ولهذه الصناديق أغراض عديدة: فهي توفر مصدراً مالياً للاقتصاد المحلي غير النفطي، وتساعد على تنويع الاقتصاد عبر تأسيس وتوسعة الشركات المحلية، وبقدر ما تستثمر وتشارك في المشاريع مع الشركات الأجنبية، فإنها تساعد الاقتصاد المحلي على الاندماج بصورة أكمل مع الاقتصاد العالمي.
#2#
وعلى الرغم من الأمل في امتلاك بلدان مجلس التعاون الخليجي أصول العملات الأجنبية في البنوك الغربية إلا أنها تبقى مشكلة مستعصية بل تؤثر فيها سلبا، وتتمثل هذه المشكلة في كيفية إدارة هذه الثروة الهائلة بطريقة صحيحة ومجدية، ولذا فإن دول مجلس التعاون الخليجي ـ من أجل التغلب على تلك المشكلة ـ عمدت إلى تأسيس صناديق الثروة السيادية، التي هي عبارة عن صناديق مملوكة للدول وتستثمر في الأصول المالية الأجنبية أو في الاقتصاد المحلي من خلال الشركات المملوكة للدول، وعادة ما يكون تقدير حجم صناديق الثروة السيادية مهمة صعبة؛ لأن كثيرا من الصناديق الكبيرة ترفض الإفصاح عن بياناتها، كما أنها حظيت بقدر كبير من الاهتمام، ليس بسبب ضخامة حجمها فقط، ولكن بسبب طبيعة استثماراتها التي تبلغ أحجاما كبيرة، ومثال ذلك تلك الحصص الكبيرة التي اشترتها أخيراً جهات مثل سلطة الاستثمار الكويتية وسلطة أبو ظبي للاستثمار في بنوك دولية عريقة منيت بخسائر كبيرة جراء تعرضها لسوق عدم الملاءة المالية.
وتوقع عمر، الذي اختاره البرلمان الكندي كأحد رواد رجال الأعمال المسلمين، أن تقوم الصناديق السيادية الخليجية الأخرى بتحويل جزء من أصولها إلى إسلامية خلال المستقبل القريب. يقول عمر: " ونظرا لكون صناعة المال الإسلامية لا تزال في مهدها فإنك سترى مزيدا من البلدان الإسلامية التي لديها مثل هذه الصناديق، تراها تحول جزءا كبيرا من استثماراتها لتكون موجودات مالية إسلامية .