الصكوك .. الاختلافات الفقهية تثير شكوكا حول الصناعة المصرفية

الصكوك .. الاختلافات الفقهية تثير شكوكا حول الصناعة المصرفية
الصكوك .. الاختلافات الفقهية تثير شكوكا حول الصناعة المصرفية
الصكوك .. الاختلافات الفقهية تثير شكوكا حول الصناعة المصرفية
الصكوك .. الاختلافات الفقهية تثير شكوكا حول الصناعة المصرفية

تضمنت التقارير والبيانات المالية التي نسبت إلى وكالة (رويترز العالمية) أن نحو 85 في المائة من الصكوك أو السندات الإسلامية لا تتفق مع الضوابط الشرعية التي من أجلها تمت إجازة هذه الصكوك الإسلامية كإحدى المنتجات الإسلامية المالية المتداولة في الأسواق المالية المحلية والعالمية, حيث عانى هذا المنتج من تضارب كثير من الفتاوى بخصوصه، لقد اختلط الأمــر على كثير من عملاء المصارف, حيث تطرح كميات كبيرة من هذه الصكوك الإسلامية التي تصدر عن عدة مصارف محلية وإقليمية وعالمية لا أحد يستطيع التمييز أو تحديد شرعيتها، وهل هي متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية أم أنها تقليدية مثل السندات التي تصدرها البنوك التقليدية, وهو ما أدى إلى تضارب الأقوال عن هذه الصكوك والحد من قدرة المنتج لها, مما قد يؤدي إلى انهيارها .

لذا فإنه يجب على جميع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الإسراع في السعي إلى تحديد ملامح هذه الصكوك الإسلامية بكثير من الدقة وحسم الخلافات الفقهية التي تشوبها.

كما ويجب إعادة صياغتها من جديد وفق مبادئ الشريعة الإسلامية, ويجب كذلك أن تصاغ بالطريقة التي تخدم معظم المصارف والعملاء الذين يتعاملون بها من خلال تطبيقها الشريعة الإسلامية والتنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك الإسلامية، ويجب تقيُّدها بالضوابط الشرعية حيث إن الحملة الأخيرة التي تضمنت تحذيرات من احتمالية انهيار سوق الصكوك الإسلامية وخطورة تداعيات ذلك غير منطقية في كثير من جوانبها، مما دفع عدداً كبيراً من المؤسسات المالية الخليجية والعربية والإسلامية إلى التحفظ على إصداراتها, مما تسبب في تراجع إصدارات كثير من الصكوك الإسلامية في الربع الأول من هذا العام إلى أكثر من مليار دولار بسبب التقلبات التي لحقت بالأسواق العالمية والتي أدت إلى تأجيل طرح 12 إصداراً جديداً في منطقة الخليج وحدها بقيمة 10 مليارات دولار تقريباً في النصف الثاني من العام الماضي إلى النصف الأول من العام الجاري.

إن أكثر من %50 من الصكوك التي تصدرها الشركات الخليجية تندرج تحت بند الإجارة المجازة شرعاً، وأن الذي تدور حوله الشكوك في عدم مطابقته للشريعة الإسلامية أقل من %40، لذا فقد انطلق كثير من الفتاوى التي تشكك في جزء كبير من إصداراتها للصكوك الإسلامية خاصة بعد ما أثارته فتوى الشيخ (تقي الدين عثماني رئيس هيئة الرقابة الشرعية) وغيره حول مخالفة معظم الصكوك الإسلامية المصدرة من المصارف الخليجية والعالمية للشريعة الإسلامية, وما ذكره الشيخ عبد الله المنيع (عضو هيئة كبار العلماء السعودية ورئيس الهيئة الشرعية لمعظم البنوك السعودية) في الوقت نفسه حيث قال: إن الصكوك الإسلامية (هي تعامل ربوي مغلف بدعوى المشروعية الإسلامية), ودعمت بتصريحات أخرى من علماء كثر في منطقة الخليج شككوا في الصكوك الإسلامية وباتت هذه الخلافات الفقهية حول الصكوك الإسلامية تعوق نمو هذه الأدوات, وبالتالي أصبحت هذه الفتاوى تثير كثيرا من الشكوك في قبول هذه الصكوك الإسلامية عالمياً, إن كثيرا من وكالات التصنيف الائتماني تضع الخلاف الفقهي في الاعتبار عند تقييم الصكوك الإسلامية، ويأمل الجميع أن تتعاون المصارف الإسلامية عبر التزامها باتباع الفتاوى المصرفية الموحدة التي يصدرها كل بنك مركزي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن المجالس الفقهية المنشأة في كل مصرف تسهم في خلق تشريعات إفتائية للمنتجات الإسلامية التي تتفاوت من مصرف لآخر وتتسبب في إرباك تلك الصناعة, وبالتالي إضعاف مصداقيتها. وتسببت أزمة الرهن العقاري الأمريكي حسب التقارير التي تعد من أهم التقلبات التي لحقت بالأسواق العالمية في التأثير في مسيرة إصدار الصكوك الإسلامية بحكم تورط مصارف عالمية كانت تصدر صكوكاً إسلامية في الوقت ذاته.

لذا نجدها فرصةً جيدةً وعظيمةً أمام المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لتطوير الصكوك الإسلامية وإقرارها عالمياً، وتثبت للجميع أنها ما زالت تحقق نجاحاً كبيراً وأنه لا اعتراض عليها ويجب دعمها وتعزيز مكانتها، ومن الأفضل أن يتم التركيز على وضع المعايير والضوابط الواضحة للصكوك الإسلامية.

ولعـله من الضروري أن تتعمق المصارف المصدرة لها في معرفة خصائصها قبل البدء في التعامل بها حتى لا تقع في خلاف شرعي، حيث إن معظم إصدارات الصكوك الإسلامية ربما لا تكون ملتزمة تماماً بالأحكام الشرعية الإسلامية ولأن الخلاف الشرعي ربما يؤدي إلى أن تحكم المحكمة ببطلان الصك, مما يُضعف الثقة بالهيئات الشرعية وقراراتها, إضافة إلى ابتعاد كثير من المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية في الأسواق الغربية عن التوسع في صناعة الصيرفة الإسلامية, وذلك لعدم وجود معايير واضحة لهذه الصناعة, حيث أصبح قيامها على اجتهادات وآراء مجموعة من علماء الفقه غير مستقرة ولا تخضع لهيئة رقابة شرعية واحدة بل متعددة.
#2#
نعم هناك بعض الصكوك الإسلامية التي فيها بعض المخالفات الشرعية نتيجة عدم التزام مصدريها بالمعايير الشرعية, لكن ليس كل الصكوك الإسلامية باطلة, حيث إن هناك ضوابط للصكوك الإسلامية بحيث تكون معرفة كما في (كتب الفقه) حسب الآتي: إن الصكوك الإسلامية هي (سندات التزام بمال يمثل قسماً من أصل قائم ويمثل الصك حصة على المشاع من المشروع), والصكوك هي جمع (صك) وتعني شهادة ائتمانية, والفرق بين (الصكوك الإسلامية) والسندات (الصكوك التقليدية) هو أن (الصك الإسلامي) ملكية شائعة في أصول أو منافع, وبالتالي فهي متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة (فالصكوك الإسلامية) تعطي دخلا لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره من أنواع الصكوك المتاحة, وهي عبارة عن أوراق (صكوك) تثبت حق الملكية في أصل معين, و(الصكوك) في الاقتصاد الإسلامي تقابلها (السندات المالية) في الاقتصاد التقليدي.

ويتميز (الصك) بضرورة وجود الأصل فإن (السندات التقليدية) قد تصدر بضمان المنشأة فقط. وعرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمصرفية الإسلامية (الصكوك الإسلامية) بـ (إنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أو نشاط استثماري) وذلك بعد تحصيل قيمة (الصكوك) وقفل باب الاكتتاب واستخدامها فيما أصدرت من أجله، وقد وصل عدد الصكوك الإسلامية إلى أربعة عشر نوعاً حسب الآتي: (1: صكوك ملكية الموجودات المؤجرة. 2: صكوك ملكية المنافع. 3: صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة. 4: صكوك ملكية الخدمات من طرف معين. 5: صكوك السلم. 6: صكوك الاستصناع. 7: صكوك المرابحة. 8: صكوك المشاركة. 9: صكوك الشركة. 10: صكوك المضاربة. 11: صكوك الوكالة بالاستثمار 12: صكوك المزارعة. 13: صكوك المساقاة. 14: صكوك المغارسة)، إن مجمع الفقه الإسلامي أكد على ضرورة عدم ضمان رأس المال من قبل المضارب الذي أصدر الصك نفسه وأن ما يثار من وجود بعض التجاوزات في المعاملات المالية في المؤسسات المالية الإسلامية بحاجة إلى الوقوف عندها ومراجعتها، وفي الوقت نفسه من الضروري ضبط أي تجاوزات تحدث في السوق المصرفية الإسلامية، إن الضوابط الجديدة للصكوك تضمن أن يكون التملك حقيقيا لصاحب الصك ولكن لا يحق له التصرف في هذا الصك بما يضر بالمصلحة العامة، أو يغير نشاط المصرف المصدر للصك.

إن كثيرين يستغلون هيئات الرقابة الشرعية لإصدار الصكوك دون مرعاة الضوابط الشرعية لها, حيث إن الصكوك عندما أصدرت لتكون بديلاً للسندات التقليدية التي تعتمد على القروض الربوية المحرمة, فالصكوك الإسلامية متوافرة في جميع أنحاء العالم بكثرة, وسنجد أن هناك كثيرا من العلماء أو الهيئات الشرعية تعتمدها على أساس أنها موافقة للشريعة الإسلامية ولكن هذا لا يجعلها جائزة في كل الأحوال وليس هناك من يراقبها بالشكل الصحيح. إن الخلاف وصل إلى حد كبير ويخشى انتشار بعض الصكوك الإسلامية غير المجازة شرعا التي يفتي بها بعض علماء الشريعة على أنها صكوك إسلامية صحيحة وهي في الواقع طريقة للتحايل لإصدار هذه الصكوك غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ومن أمثلة ذلك بعض صور الصكوك المبنية على عقد الإجارة وكذلك الصكوك المبنية على عقد المرابحة التي من الممكن أن تكون مبادلاتها شكلاً من أشكال المبادلات بالديون، لذلك لعله من المهم أن تكون هناك جهود من قبل علماء الشريعة والمختصين في البحث والدراسة لبيان أحكام هذه الصكوك مثلما تم في (أسواق الأسهم) من تحديد المجاز وغير المجاز. حيث إن هذه الأسواق مهمة جداً للأفراد والمؤسسات لقلة الوعي بها من كثير من المستثمرين والأفراد، كما أن كثيراً من المصارف في حاجة اليوم إلى إصدار كثير من أنواع الاستثمارات المبنية على التمويل المباح شرعاً، بحيث يمكنها تقديم عديد من المنتجات والخدمات للأفراد والشركات، لذا يجب دراسة هذه الصكوك وبيان شرعيتها للجميع بالشكل الذي كان في الأسهم حتى يتم انتشارها ورواجها بين الناس وزيادة الوعي بأهميتها وجدواها الاقتصادية، وحتى تتمكن الصكوك الإسلامية من التحرر من التبعية الفنية للأجهزة المالية العالمية، لذا يجب السعي إلى إيجاد وكالات تصنيف ائتمانية إسلامية تتمتع بسمعة عالمية بحيث تكون قادرة على أن تثبت نفسها في السوق المالية العالمية مثل مجلس هيئة المحاسبة والمراجعة, حيث إن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية تعتبر (منظمة دولية مستقلة مؤلفة من أكثر من 140 عضوا في 40 بلدا ومهمتها إصدار المعايير في عدد من المجالات كالمحاسبة والمراجعة والضوابط الأخلاقية والشرعية.

وقد أصدرت نحو 70 معياراً في هذا الجانب، وتسعى للوصول إلى 92 معياراً لتغطي كافة جوانب العمل المصرفي والمالي الإسلامي، كما أن معايير الهيئة غير ملزمة للبنوك) أن اختلاف الفتاوى الشرعية يساعد على التنسيق بين المصارف لتكون هناك هيئة شرعية موحدة مهمتها توحيد وإصدار الفتاوى الشرعية وشروط تطبيقها الملزمة للمصارف المركزية في الدول المشاركة فيها، وأن يكون لكل مؤسسة مالية مراقب شرعي لمراجعة المعاملات اليومية على علم بالمعاملات المالية وفقه المعاملات الشرعية, بحيث يكون تابعا للهيئة الشرعية يقدم لها ولإدارة المصرف الإسلامي تقارير دورية بمدى الالتزام والتطبيق من عدمه.

إن على المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الإسراع بإنشاء هيئة عليا للرقابة والتصنيف الشرعي تقوم بالرقابة والتصنيف وإصدار الفتاوى الخاصة بالمنتجات المالية الإسلامية خاصة الصكوك الاسلامية وهيكلتها ومعدلاتها وتداولاتها والتغلب على التحديات في سوق الصكوك الإسلامية، لذا من المفترض تطوير (بنك التنمية الإسلامي) ليكون البنك المركزي للبنوك والمصارف الإسلامية يراقبها ويدعمها وينسق بينها وبين البنوك المركزية في دولها ودول العالم، ويلتزم كل عضو من البنوك والمصارف الإسلامية التي تعمل تحت مظلته بالتعاون والتنسيق والشفافية والحوكمة حتى تقل حدة الخلافات بين المصارف الإسلامية في مجال الصيرفة الإسلامية, أو يتم إنشاء وكالات تصنيف خاصة بالصيرفة الإسلامية على شكل (الوكالات الدولية الأخرى للتصنيف) وذلك لتلافي إشكالية قيام وكالات تصنيف ائتماني عالمية تستطيع التفريق بين السندات التقليدية والصكوك الإسلامية أثناء عملية التصنيف, حيث إن التصنيف الائتماني هو رأي مستقل (يبين قدرة المصدر على الوفاء بالتزاماته تجاه حملة الصكوك أو السندات وفقاً لملاءته الائتمانية).

إن الحاجة إلى إنشاء وكالات تصنيف خاصة بالمصارف الإسلامية عن طريق تكوين تحالفات بين المصارف الإسلامية والعالمية أو أي نوع من التعاون مع وكالات التصنيف العالمية ليتم التوصل إلى فهم مشترك وواضح لمعايير التقييم لدى هذه الوكالات التي تتعامل مع معايير ثابتة يتم بناء عليها إعطاء التقييم الصحيح.

إن القول بعدم شرعية الصكوك لكونها قائمة على فتاوى تخالف آراء علماء الفقه والشريعة والهيئات المشرعة سيؤدي إلى عدم تداولها وانتشارها بين كثير من المستثمرين, نظراً لبعض الشكوك التي تنال من شرعيتها, مما سيتسبب في التراجع الكبير لإصدارها. إن الخلاف الشرعي بين علماء الشريعة في العالم الإسلامي حول إصدار هذه الصكوك الإسلامية يمكن أن يصعب تداولها لكنه يعتبر أمرا طبيعياً بسبب الاختلاف في الضوابط الشرعية, ومع ذلك يمكن للعلماء وللمجالس الشرعية الالتزام الكامل بالضوابط الشرعية الصادرة عن المجالس الشرعية والمجامع الفقهية لتوحيد آراء العلماء، فالمطلوب هو الاجتهاد الفقهي بما لا يخالف الأحكام والأصول الشرعية المتفق عليها, والذي يهم المواطن العـادي في دول مجلس التعاون الخليجي والوطـن العربي والعالم الإسلامي والغـــربي.

إن صلاح الصكوك من الناحية الشرعية مرتبط ارتباطا وثيقا بصلاح نظام الرقابة الشرعية الذي يجب أن يخرج عن نطاق الشكليات إلى التركيز على المضمون ولتكون الرقابة على الصكوك الإسلامية رقابة فعلية متكاملة تمتد إلى فترة إصدار الصك والمشاركة في إعداده وصياغته للتأكد من خضوع الإصدار والتداول للأحكام الشرعية الإسلامية، وقد فرضت الصكوك الإسلامية نفسها بقوة في سوق الأدوات المالية الإسلامية وأصبحت بديلا عن السندات المالية التقليدية التي يتم تداولها في البنوك العالمية.

وتعتبر الصكوك من الأدوات المالية الإسلامية الأكثر جذبا للمؤسسات المالية الخليجية والعربية والإسلامية والأجنبية, وذلك في ضوء الطلب المتزايد عليها في الأسواق العالمية, خصوصا أن الصكوك الإسلامية ظهرت كواحدة من الأدوات الإسلامية المبتكرة خلال السنوات القليلة الماضية لإصداراتها سواء كانت صكوكا سيادية من حكومات أو صكوكا عادية من شركات, حيث أصبحت القناعة بأهميتها كأداة تمويلية تتميز بكونها مدعومة بأصول حقيقية وذات مخاطر منخفضة, ومن ثم فهي أداة جذب للمستثمرين ومصدر مهم لضخ الأموال في المشروعات والتوسعات الكبيرة.
#3#
لقد شهدت أسواق المنتجات المالية الإسلامية رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة بفضل وفرة سيولة فوائض النفط، وتم توظيفها في استثمارات كبيرة لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية, ونظراً لكبر حجم هذه السيولة تسعى المصارف الإسلامية والعالمية إلى إصدار الصكوك الإسلامية لتمويل المنتجات المهيكلة في هذه الأسواق, إضافة إلى ذلك بدأت صناديق التحوط وبنوك الاستثمار التقليدي في حيازة هذه الصكوك إما لأغراض زيادة العائد وإما لتنويع نشاطاتها.

وينتظر أن يصل حجم السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار. وتعمل هذه المنتجات المالية على نحو شبيه بالأوراق المالية التقليدية المضمونة بأصول ولكنها مبنية على مبادئ التمويل الإسلامي التي لا تجيز أحكامها الفوائد الربوية, وتؤكد على أن يكون الدخل في شكل أرباح تنتج عن عمل تتم فيه المشاركة في المخاطر، ويعود السبب في ذلك إلى وجود بند حول التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية وهو ما يضمن أن أية مخاطر حول السداد تظل تتحملها الجهة المصدرة للصك وليست ضمن الأوراق المالية الصادرة والموجودات الضامنة له.

وعليه فإن إعطاء وعد من هذا القبيل يعد خرقاً لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح, وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه مبدأ الصكوك وهو ما أوقع الشك لدى كثير من المستثمرين فيها خاصة المصارف العاملة في الدول الغربية، وتشترط الشريعة الإسلامية أن يكون مستثمر الصكوك مالكا للأصل الأساسي عن طريق إحدى المؤسسات الاستثمارية, على أن تقوم هذه المؤسسات المالية بتمويل المدفوعات المستحقة للمستثمرين من عائد الاستثمار في نشاط اقتصادي يجيزه المشرع.

لذا يجب على هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية إقرار هذه الأنواع من الصكوك, لأن هذه الصكوك تعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي وهي (المرابحة، والمشاركة والمضاربة) أو الإجارة، وقد أسهم قبول هذه الهياكل الاستثمارية الإسلامية إسهاما كبيرا في تطور أسواق رأس المال المحلية وتركزت إصدارات الصكوك الاسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا والدول الغربية.

وقد تيسر تطوير سوق الصكوك في هذه البلدان بفضل الزيادة الكبيرة والمستمرة في السيولة بسبب ارتفاع الإيرادات النفطية في دول الخليج العربية, وقد بدأ الإقبال عليها يرتفع, حيث ذكرت تقارير سابقة أن إصدارات الصكوك قفزت في منطقة الخليج عام 2007 إلى حوالي 10 مليارات دولار, ومنذ بداية عام 2008 بلغت الإصدارات 12 مليار دولار، الأمر الذي يمهد لقيام سوق كبيرة للصكوك الإسلامية مع التوجه العالمي نحوها بهدف الاستفادة من السيولة المتوافرة في أسواق الخليج, حيث صدر عديد من صكوك الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا خلال السنوات الأخيرة, فقد أصدر البنك الدولي في عام 2005 أول صكوك مقومة بعملة محلية قيمتها 200 مليون دولار ولا يزال الإصدار بالنسبة لصندوق النقد الدولي يمثل نسبة قليلة بالنسبة لإصدار السندات التقليدية، ولكن كثير من دول العالم ينظر إلى سوق الصكوك الإسلامية بنظرة تفاؤل لتنويع قاعدة المستثمرين وتعميق أسواق رأس المال المحلية.

ومن المتوقع أن يزداد التوسع في سوق الصكوك الإسلامية مع ارتفاع الطلب ووجود الضوابط والمعايير الشرعية, حيث ظهرت (الصكوك الإسلامية) قبل عدة سنوات وانتشرت هيكلة (الصكوك الإسلامية) في السنوات السبع السابقة, حيث تطورت صناعة (الصكوك الإسلامية). وتوقع مركز دبي المالي العالمي أن تقفز قيمة الإصدارات إلى 300 بليون دولار في غضون السنوات المقبلة. وحسب ما أفادت التقارير عن أسواق الصكوك الإسلامية، هناك كثير من التقارير المتفائلة حول مصير صناعة الصكوك الخليجية على المدى الطويل, في خطوة أرادت من ورائها بعض مؤسسات التصنيف تطمين عملائها عن قوة وصلابة أسواق الصكوك الإسلامية.

وسبق لوكالة (موديز العالمية) أن أكدت أن إصدارات من الصكوك الإسلامية لا تقل عن عشرة مليارات كان من المقرر تحصيلها في عام 2007 وعام 2008 تأجلت بسبب تدني أحوال السوق العالمية بعد أزمة الرهن العقاري التي ضربت الأسواق الأمريكية، ويُتوقع أن تصدر الدول والمصارف والمؤسسات المالية اللإسلامية صكوكا إسلامية بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة, وهو ما ينتظر أن يصل بحجم السوق إلى أكثر من 500 مليار دولار للفترة المقبلة.

ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق مما يجعلها أداة مربحة لعمليات الاستثمار وعمليات التمويل، حيث إن الصكوك تعتبر بديلاً للسندات التقليدية، كما أنها تعتبر تطوراً جديداً للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تتوافق مع التقاليد الإسلامية. وتتوقع وكالات التصنيف والمؤسسات العالمية نموا كبيراً في حجم إصدار هذه الصكوك لتصل إلى 3 تريليونات دولار عام 2015, فقد ذكرت وكالة التصنيف (موديز أنفستر سرفس) في تقاريرها أن قيمة سوق الصكوك الإسلامية ستصل إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2010.

ومن المتوقع أن تشهد نمواً بنسبة %35 العام الحالي 2009، حيث تتوقع مؤسسة (ستاندرد آند بورز) العالمية أن تقوم دول غير إسلامية بإصدار صكوك إسلامية في المستقبل مثل أمريكا وبريطانيا واليابان، وقد أصدرت الحكومة البريطانية في العام السابق (نوفمبر 2007) كثيرا من الصكوك بالجنيه الاسترليني، كما أصدر بنك التعاون الدولي الياباني صكوكا بقيمة تراوح بين 150 و200 مليون دولار في (مايو 2008)، وهناك كثير من الإصدارات تشمل على سبيل المثال إصدارات بمليار دولار لصالح هيئة مياه وكهرباء دبي، وآخر بقيمة ملياري دولار لصالح "رأس الخيمة العقارية"، كما تخطط "أملاك للتمويل" لطرح إصدار بقيمة 260 مليون دولار، إلى جانب عدة إصدارات قيمة كل منها مليار دولار لصالح "قطر للأسمدة" وبنك الدوحة و9 مليارات دولار للحكومة القطرية.

وأيضا التمويل الذي يحصل لمطار دبي بمليار دولار و"موانئ دبي" بـ 4 مليارات دولار، وكذلك مساهمة الصكوك الإسلامية في تمويل مجالات الطاقة لكل من قطر والكويت بحلول عام 2010 بنحو 60 مليار دولار، كما أكد مصرفيون رغبة الدول الآسيوية في إصدار صكوك إسلامية بهدف تمويل التجارة بين الدول الإسلامية الآسيوية وخصوصا الصين، كما ذكروا أن هونغ كونغ تسعى كذلك إلى تأسيس سوق للصكوك الإسلامية بهدف استقطاب أموال النفط من دول الشرق الأوسط، وخصوصا دول الخليج العربية الغنية بالنفط إلى الاقتصاد الصيني، حيث تستضيف هونغ كونغ أول مؤتمر للصكوك الإسلامية في آسيا في 18 و19 فبراير المقبل 2010. وهونغ كونغ هي ثالث أكبر سوق مالية عالمية بعد نيويورك ولندن.

لذا يفترض تسهيل المناقشات بين أطراف مصدري الصكوك الإسلامية خاصة بين فقهاء الشريعة والبنوك المركزية، ويجب أن تكون هذه الإصدارات مهيأة للتوسع إلى أسواق جديدة من خلال تطوير منتجات صكوك إسلامية مدعومة بأصول حقيقية وملموسة، كما يجب على مصدري الصكوك الإسلامية تعزيز دورهم في مختلف القطاعات مثل قطاع الصناعة والطاقة، وضرورة تطوير أدوات صكوك جديدة وتشريعات تساعد الأسواق على نمو سوق الصكوك الإسلامية، وإجراء تنسيق وعقد حلقات على مستوى اللجان الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية للوصول إلى صيغة تخدم مسألة هيكلة الصكوك.
#4#
إن البنوك المركزية في جميع الدول الخليجية والعربية والإسلامية مطالبة بدور في تطوير منتجات مقبولة إسلاميا بعكس الأدوات التقليدية, حيث إن منتجات الصكوك الإسلامية تعاني نقاط ضعف وتفتقر إلى الإبداع, إضافة إلى الرقابة من خلال تقويم الناحية الشرعية للصكوك بصفة دورية والكشف عن مواطن القوة وتدعيمها، ويجب وضع الثقة الكاملة في خبراء ولجان الشريعة الذين يدرسون المنتج ويشاركون في هيكلته واعتماده في الصورة النهائية، ونجد أن كل البنوك السعودية تقريباً لديها هيئات شرعية مكونة من علماء أكفاء في هذا المجال يقومون باعتماد المنتجات الإسلامية لتلك البنوك.

وأن الاندفاع نحو المصرفية الإسلامية بحاجة هو الآخر إلى توحيد الجهود ويستدعي أن يكون التنسيق بين هذه المؤسسات واجبا وضروريا لتفادي الخلاف الفقهي بين خبراء ودارسي الشريعة المستقلين والوصول إلى رأي موحد, مع تأكيد أن النقاش والتنوع في الرأي سيساعدان على الوصول إلى حلول إسلامية مبتكرة, والهدف هو الحصول على رأي شرعي موحد حول الصكوك الإسلامية للتأكيد والاطمئنان، كما أن علماء الشريعة المتخصصين في الصيرفة الإسلامية المشاركين حالياً في اللجان الشرعية للمصارف الإسلامية والمؤسسات المالية هم أنفسهم المعنيون بالوصول لاتفاق موحد حول تعريف وهيكلية المنتجات الإسلامية وخاصة الصكوك الإسلامية ليصبح هناك مرجع واضح لجميع اللجان الشرعية والفقهية المنتشرة حول العالم.

إن أزمة الصكوك الإسلامية التي حدثت أخيراً جعلت كثيرا من المصرفيين في دول الخليج والدول العربية والإسلامية يطالبون بتدخل عاجل وسريع من قبل البنوك المركزية بإنشاء مجلس فقهاء إسلامي خاص يعمل على توحيد المعايير وصياغة الصناعة المصرفية الإسلامية وخاصة الصكوك الإسلامية, ويأمل المصرفيون من هذه الخطوة لمَّ شمل البنوك عبر إلزامها بإاتباع الفتاوى المصرفية الموحدة التي يصدرها كل بنك مركزي في الدول الإسلامية.

وأخيراً سيشهد سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي والدول العربية والإسلامية رواجاً كبيراً خلال السنوات المقبلة خاصة مع توجهات دول المنطقة لإصدار تشريعات تسمح للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار صكوك إسلامية، إن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية فرضت نفسها في الساحة الدولية بمنتجات وأدوات استثمارية جديدة, منها الصكوك الإسلامية بعد تعزيز وتقوية خبرتها ومكانتها في سوق الصكوك الإسلامية.

إن انتشار الصكوك الإسلامية لم يقتصر على البلاد الإسلامية فقط, بل شهدت الصكوك الإسلامية إقبالا كبيرا في الدول الغربية، وإن الصكوك الإسلامية تعتبر من أفضل وسائل اجتذاب المدخرات وتجميع الأموال لتمويل مشروعات التنمية خاصة مشروعات البنية التحتية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية. كما يمكن الاتجار بها وبيعها بسهولة، ولا يقتصر الإقبال على شرائها على المستثمرين المسلمين فقط، بل يشمل كافة المستثمرين. إن إجازة الصكوك الإسلامية كان لها ما يبررها وربما أنها كانت بهدف دفع هذه الأدوات المالية إلى الأمام وزيادة الإقبال عليها. إن بعض العلماء يرون أن الوقت قد حان لمراجعة الفتوى الخاصة بإجازة الصكوك الإسلامية, إلا أن كثيرا من المؤسسات المالية العالمية ترى أن المصرفية الإسلامية باتت بحاجة إلى وضع معايير واضحة وصريحة يمكن الرجوع إليها وأن مثل هذا التوجه يؤدي بالتالي إلى الاستقرار في هذه الصناعة.

ويعتقد كثير من المصرفيين وجود تقارب بشأن بعض المعايير الخاصة بهذه الصناعة التي نمت بسرعة فائقة في الأعوام الأخيرة والتي يتوقع أن تواصل توسعها في المستقبل. ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق مما يجعله أداة ممتازة لعمليات الاستثمار وعمليات المبادلة، والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية. إن تطوير سوق الصكوك الإسلامية لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من علماء المسلمين كافة في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمعين الإسلامي والغربي.

ولعل دخول السندات والصكوك الإسلامية في أسواق الأوراق المالية لبعض الدول الإسلامية يشكل منعطفاً جديداً في مسيرة تطويرها كما حصل في سوق المملكة العربية السعودية أخيراً بإطلاق التداول الإلكتروني المباشر للسندات والصكوك الإسلامية التي نتمنى أن تكون سوقاً واعدة ومتميزة للصكوك الإسلامية بعيدة عن الأعمال الربوية المحرمة.

ونتطلع إلى أن تحذو الدول الإسلامية الأخرى حذوها للعمل على نمو وازدهار أسواق الصكوك الإسلامية في المنطقة العربية والإسلامية والعالمية وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها لتلعب دوراً مهماً في استقرار هذا السوق، لذا على المصارف الإسلامية إيجاد قاعدة فقهية مشتركة للاجتهاد الجماعي والمطالبة بإيجاد هيئة شرعية عليا تضم متخصصين مصرفيين وماليين وشرعيين وعلماء في الفقه, يتم التنسيق بينهم لتوحيد الفتاوى وتقديمها عند الحاجة، وكذلك تراقب المصرفية الإسلامية وتدعمها بقوانين إسلامية تتلاءم مع طبيعة أعمالها المصرفية. إن عدم التعاون والتنسيق بين المصارف الإسلامية لا يخدم سير العمل المصرفي الإسلامي ولا يدعم التعاون في اقتناص الفرص الاستثمارية وتمويل المشاريع الكبرى, مما يفقدها القدرة على المنافسة.

وكي تتمكن المصارف الإسلامية من تحقيق أهدافها لا بد لها من التعاون والتنسيق مع بعضها بعضا وتوحيد الجهود بينها، فلا يحق لمصرف إسلامي أن يعمل بمفرده دون الآخر ويتخذ قراراً يخصه دون الرجوع إلى المصارف الإسلامية الأخرى, مما يؤدي إلى الاختلال في سير العمل المصرفي الإسلامي. إن وجود جهات ومؤسسات تنسق بين المصارف الإسلامية يتم بموجبها توحيد الجهود والعمل المصرفي المشترك وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها, سوف يلعب دورا مهماً في استقرار العمل المصرفي الإسلامي ويشجع على تكوين كيانات مصرفية إسلامية عملاقة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية ومواجهة التحديات المستقبلية الصعبة والسعي إلى إيجاد سوق إسلامية حرة للعالم الإسلامي تنافس أسواق البنوك التقليدية .

الأكثر قراءة