عبء كبير
عبء كبير
إنه أحد أكثر العروض حماسا في البلدة، حيث يصطف الناس ويستبدلون أحذيتهم بالنعال، ويدخلون إلى صالة الألعاب الرياضية التي تصور فيها كاميرات التلفزيون. وما جاءوا لرؤيته هو البيروقراطيون، وليس رجال الأعمال، الذين يستجدون المال لتمويل مشاريعهم المفضلة، في حين يعطي السياسيون موافقتهم أو رفضهم.
هذا هو موازنة الميزانية على الطريقة اليابانية فقد جاءت إدارة يوكيو هاتوياما الجديدة إلى السلطة وهي مسلحة بخطط إنفاق كبيرة، والتي تنوي تسديد تكلفتها عن طريق إلغاء النفقات المبذرة من النوع الذي ساعد، كما تقول، على إبقاء خصومها في السلطة لمدة نصف قرن. وبالحكم من الجماهير التلفزيونية، فإن الجمهور منبهر. ولكن المشكلة هي أن العجز المالي في اليابان قد يقترب من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، أو نحو 50 تريليون ين (500 مليار دولار). وهذه المبادرات أشبه باستخدام عود الأسنان لملء الفجوة أو العجز.
يعني هذا أن الحكومة قد تضطر إلى إصدار المزيد من السندات العام المقبل لتضييق الفجوة، إلا إذا حدث انتعاش قوي في النمو أو تخلت الحكومة عن بعض وعودها الإنفاقية. وقد أخافت احتمالية الاضطرار إلى المزيد من الاقتراض سوق الديون الحكومية في الآونة الأخيرة. ويعكس التوتر الحجم الهائل لديون القطاع العام في اليابان، الذي من المتوقع أن يكون ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل على أساس إجمالي. وعلى أساس صاف (موازنة الأصول المالية للحكومة)، فهو أصغر ولكنه لا يزال الأعلى من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ومع ارتفاع عائدات السندات أخيرا، أصدرت العديد من بنوك وول ستريت تحذيرات بشأن احتمالية نشوء تكاليف هائلة لخدمة الدين. وما أكد تحذيراتها هو وجود أدلة على تصاعد الضغوط الانكماشية والتوقعات بأن اليابان التي يتقلص عدد سكانها، لن تكون قادرة على النمو بسرعة كافية لسداد ديونها.
فعلى سبيل المثال، تشير حسابات JPMorgan إلى أنه حتى لو ارتفعت عائدات سندات الحكومة اليابانية لمدة عشر سنوات بواقع نقطة مئوية واحدة فقط خلال العقد المقبل (وزاد العجز المالي كل عام نتيجة للضمان الاجتماعي ومدفوعات أخرى)، ستزيد تكاليف خدمة الدين للحكومة ثلاثة أضعاف بسبب الارتفاع المطرد لمخزون الدين. وقال أيضا إن انخفاض المدخرات العائلية المرتبط بالشيخوخة قد يؤدي إلى عجز في الحساب الجاري بحلول عام 2014. وقد يجعل هذا اليابان أكثر اعتمادا على الأجانب لتلبية احتياجاتها من القروض.
ويعترف حتى الذين يتوقعون انخفاض الأسعار أن احتمالية زوال الانكماش في اليابان ضعيفة على المدى القصير. وهناك عدة أسباب تدعو للشعور بالهدوء، خاصة الولاء المذهل لحاملي الديون اليابانيين خلال الـ 15 عاما الماضية. ووفقا لبعض التقديرات، فإن 93 في المائة من ديون اليابان محلية، مما يعني أن الحكومة لن تضطر أبدا للتخلف عن السداد لأنه بإمكانها ببساطة طبع المال لسداد الديون.
ويساعد هذا التحيز للوطن على تفسير السبب في كون تكاليف خدمة الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبيا على الرغم من مخزون الدين الهائل، وذلك مقارنة بنظراء اليابان في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وحتى في ذروة الزيادة الكبيرة الأخيرة، لم تنتج سندات الحكومة اليابانية لمدة عشر سنوات سوى 1.4 في المائة، ولكنها في البيئة الانكماشية كانت لا تزال جذابة بالنسبة للمستثمرين اليابانيين من حيث القيمة الحقيقية. والأهم من ذلك هو أن الحكومة هي أكبر دائن في العالم، حيث لديها الكثير من الأصول الأجنبية لبيعها. ولدى المواطنين اليابانيين 1.410 تريليون ين أخرى من الأصول المالية. وتتجاوز هذه المبالغ ديون الحكومة بكثير. ويمكن كملاذ أخير فرض ضرائب كبيرة عليها إذا واجهت الحكومة المشكلات.
وفي الواقع، قد تصبح اليابان أكثر عرضة للدائنين الأجانب إذا انزلق الحساب الجاري إلى العجز، إلا أن هذا غير محتمل إلا إذ ساء الاقتصاد العالمي أكثر وارتفعت أسعار النفط - وهما أمران من المستبعد حدوثهما في الوقت نفسه. والمرجح هو أن يؤدي تدهور رصيد الحساب الجاري إلى إضعاف الين، الذي بلغ أكبر مستوى له منذ 14 عاما مقابل الدولار في الـ 26 من تشرين الثاني (نوفمبر).
والمشكلة أنه حتى أولئك الذين لا يزالون غير قلقين من ديون اليابان يشعرون بتشاؤم كبير فيما يتعلق بجوانب أخرى من الاقتصاد. فبنك Deutsche Bank يتحدث عن ''شكل سداسي حديدي'' يشمل العجز المالي وفائض الحساب الجاري ورفع قيمة الين وانخفاض الأسعار وانخفاض أسعار الفائدة الاسمية والركود الاقتصادي. وكتب Mikihiro Matsuoka، كبير الاقتصاديين في اليابان: ''الطريق الأكثر واقعية للاقتصاد الياباني ليس الانهيار بل الاضمحلال المستمر أو السبات''.
والسبات ليس شيئا جديدا. فالناتج المحلي الإجمالي الاسمي يزيد بمعدل سنوي يبلغ 0.1 في المائة منذ عام 1991. وفي الربع الثالث، نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل فصلي بلغ 1.2 في المائة من حيث القيمة الحقيقية، وهو أسرع نمو في مجموعة السبع، ولكن من حيث القيمة الاسمية، ونتيجة للآثار الضارة للانكماش، انخفض بنسبة 0.1 في المائة. ويؤدي الانكماش إلى إيجاد رياح معاكسة أخرى. فهو يعني أن أسعار الفائدة الحقيقية عالية بشكل غير عادي بالنسبة لدولة خرجت للتو من الركود الطاحن. وطالما ظل الركود، ستسوء نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطرد.
ويوحي هذا بأن على السلطات اتخاذ خطوات جذرية لإعادة نفخ الاقتصاد، لإخراجه من سباته وضعف عملته. ولكن الغريب هو أن بنك اليابان يعتقد، كما يبدو، أن مصداقيته معرضة للخطر من إشعال التضخم أكثر مما هي معرضة للخطر بسبب وصمة الانكماش المعتدل. وتعتقد السلطات أنه إذا لم تحدث دوامة هبوط للأسعار، سيشفي الاقتصاد نفسه في نهاية المطاف.
ولم تبدأ إدارة هاتوياما بالنظر في كيفية إطالة الانتعاش، ناهيك عن سداد الديون على المدى الطويل. وقد أدخلت ''استراتيجية للنمو الاقتصادي'' في برنامجها الانتخابي في وقت متأخر. ويعتقد المحللون أنها قلقة جدا بشأن الفوز بانتخابات مجلس الشيوخ الصيف المقبل بحيث لا تفكر في فعل أي شيء آخر سوى المعالجة السطحية للسياسة الاقتصادية. وتحتاج اليابان إلى حافز على المدى القصير وخطط موثوقة لخفض الإنفاق المالي على المدى الطويل. وليس لديها أي منهما في الوقت الحالي