مسجد البيعة .. علامة فارقة تحكي إرثاً إسلامياً قديماً
مسجد البيعة .. علامة فارقة تحكي إرثاً إسلامياً قديماً
بين الحداثة والتطور التي تشهدها المشاعر المقدسة، ويقف شاهداً عليها جسر الجمرات الذي تحول إلى منشأة مستقلة بذاتها، يظل مسجد البيعة ذا المساحة الصغيرة، علامة فارقة تحكي إرثا إسلامياً قديماً، وتعبق حوله أنفاس الماضي التليد، الذي سك ملامحه رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام. المسجد العتيق الذي يقع تحت منشأة الجمرات من جهتها الغربية شهد ملمحاً تاريخياً غير مجرى الدعوة الإسلامية، حيث شهد الموضع أولى خرائط الطريق النوعية، وهي بيعة العقبة الثانية.
وما زال الموقع يحتفظ بذكرى هذه البيعة التي نتج عنها هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى المدينة (يثرب)، وتأسيس الدولة الإسلامية، وانتشار الإسلام في أرجاء المعمورة. ويظل هذا الأثر يستجدي في أفئدة الحجاج قبل مغادرتهم منى حس التاريخ وعمق الدعوة واستشعار نواة الشراكة التي ولدت وقتها بين المهاجرين والأنصار، وفضل كثير من الحجاج زيارته وهو يقف بارزاً لم يتأثر بمفاهيم التطور ويسرد ماضياً قديماً يعزز نظرية بناء نسيج المجتمع الواحد.
وأوضح سعد الشريف الباحث التاريخي، أن المسجد بني في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور سنة 144 هـ، ويقع أسفل جبل «ثبير» على يمين النازل من منى لمكة، ويبعد عن الجمرة الكبرى حاليا بكيلو متر تقريباً، وتبلغ مساحته 500 متر مربع، حيث يبلغ طول الجهة الشمالية للمسجد 27.90 متر وعرض الجهة الشرقية بمقدار 17 متراً، وهو على شكل مستطيل.
وتابع: «يلاحظ ارتفاع جدار رواق القبلة عن باقي الجدران حيث يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار»، مفيداً أن المسجد عبارة عن بناء قديم مكشوف لا سقف له، وهو مبني من الحجارة والآجر وليس له مآذن أو شبابيك، وقد كان مغلقاً حيث لا يستخدم في الصلاة بسبب عدم وجود طريق للمارة عليه سوى أيام الحج، ويتوسط جدار القبلة محراب عميق مكون من ثلاث انحناءات، وهي تبرز عن جدار القبلة وتكتنف هذا المحراب انحناءتان عميقتان تعلوهما عقود مدببة، ويعلو جدار القبلة 15 عقدة، وعلى جدار القبلة نص منقوش غير مؤرخ يتألف من 15 سطراً مكتوب بالخط الحجازي المزوي ومحفور حفراً غائراً، يشير إلى أن الذي بنا المسجد الخليفة أبو جعفر المنصور ليظهر أثر عمه العباس بن عبد المطلب في البيعة.
وزاد الشريف: «يوجد في الجهة الجنوبية نص آخر عدد أسطره تسعة ومؤرخ عام 144هـ، وهو مكتوب بالخط نفسه، وقد استفيد من هذا النص في معرفة الغرض من بناء المسجد، وهو أن يعرف الحجاج وأبناء السبيل المكان الذي كانت فيه البيعة مع الأنصار، التي كانت نقطة تحول في تاريخ الإسلام، وقد تم بناء المسجد أثناء ولاية السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب على مكة المكرمة الذي كان أحد أفراد الأسرة العباسية»، لافتاً إلى أن المسجد يشتمل على رواقين الأول منهما للقبلة الموازي لجدار المحراب، الذي تبلغ مساحته أكثر من أربعة أمتار ونصف وتعلوه خمسة عقود مدببة، فيما يقع الرواق الثاني في نهايته موازياً للجدار الشمالي، أما محراب الصلاة فهو في وسط جدار الجهة الغربية.
وأشار الشريف إلى أن المسجد يستهوي الحجاج والزائرين في كل موسم، إذ لا تزال قصة بيعة العقبة الثانية التي حضرها الرسول الكريم وبايع فيها الأنصار على مناصرة الدعوة الإسلامية حاضرة في جوانب المسجد المختلفة. يذكر أن المسجد لم تتضح ملامحه إلا في وقت متأخر من السنوات الماضية بعد أن كانت تحيط به مبان سكنية قبل إزالتها وكان من المزمع إنشاء حديقة كبيرة تحمل اسم «حديقة البيعة».