لماذا لا نكون رواد صناعة المكيفات الصحراوية؟
لا أعتقد أن هناك دولة في العالم تستهلك إنتاج المكيفات الصحراوية أكثر منا, فنحن نستعملها في منازلنا ومصانعنا وخيامنا, نظرا لمميزاتها الاقتصادية في التوفير في فاتورة الكهرباء مقارنة بالمكيفات المركزية التي تعمل بنظام ضغط الهواء أو الفريون, إضافة إلى أنها تساعد على ترطيب الجو ما يخفف من بعض الأمراض الصدرية. ومعروف أنها أنسب نظام لبيئتنا الصحراوية, ولكن على الرغم من أهميتها البالغة لنا إلا أنها صناعة نائمة ولم تشهد أي تغير أو ابتكار طوال السنوات الماضية مثلها مثل بقية مواد البناء والأنظمة الكهربائية والميكانيكية التي لم نطورها لتتلاءم مع ظروفنا الجوية والاجتماعية. إضافة إلى أننا لم نر أي تشجيع أو تبرعات من أصحاب تلك المصانع للإسهام في البحث العلمي لتطوير تلك الصناعة.
وعلى الرغم من حجم الطلب الشديد عليها وأنها مجدية اقتصاديا ولا غنى لنا عنها إلا أنها صناعة مازالت متأخرة ومتخلفة, وهي صناعة ما زال ينقصها كثير من التطوير في عديد من الاتجاهات. وهناك أوجه كثيرة لتطويرها, فعلى سبيل المثال يمكن محاولة تقليل كميات الغبار والأتربة التي تجلبها إلى منازلنا, والتحكم في ممرات الهواء ليمكن إغلاقها بإحكام في فصل الشتاء حتى لا تمرر تيار الهواء البارد إلى بيوتنا, وإلى تصغير حجمها وتقليصه قدر الإمكان لتكون مضغوطة مثل المكيفات الفريون وذلك باستعمال تقنية مبتكرة لصف ألواح القش الحالية بطريقة مزدوجة لتصبح مثل راديتر السيارات, وإمكانية التخفيف من كميات المياه التي تستعملها حاليا لتوفير استهلاك المياه. وما الذي يمنع أن تكون داخل المنزل بدلا من وجودها خارجه فهي حاليا تركب خارج المبنى ما يجعلها وسيلة لدخول اللصوص على منازلنا ومحالنا وما يسببه ذلك من إمكانية استعمالها كمنفذ للسرقات. فهي يمكن أن تكون داخل الغرفة لتعيد استعمال الهواء من داخل الغرفة مرة أخرى. من المؤكد أن هناك تحسينات كثيرة يمكن إدخالها على تلك الصناعة, وأننا لو نتحرك في هذا الاتجاه من التطوير لأصبحنا من الرواد في هذه الصناعة ليس لأسواقنا فقط بل لأسواق العالم.
اليوم وبعد أكثر من 50 سنة من بدء تلك الصناعة ما زلنا بدائيين في صناعتها, ولا يزال دور الدولة وتجار تلك الصناعة مفقودا فهم لا يساعدون أو يقومون بدعم مراكز الأبحاث لتطويرها وبحيث يصغر حجمها باستعمال قطع غيار حديثة وأكثر قدرة على امتصاص الماء وتمرير الهواء مثل راديتر السيارات. وبحيث يتم استبدال الأوجه الثلاثة الحالية للصندوق القديم بوضع شرائح مترادفة خلف بعضها بعضا, واستحداث صمامات أو أبواب يمكن غلقها لكيلا يدخل الهواء والغبار إلى المنزل أثناء استعمال الجهاز أو حتى وهو لا يعمل. والأهم أن تتم دراسة نظام جيد لتنقية الهواء الخارج أو الداخل من الجهاز من الغبار الذي أصبح يملأ منازلنا. ولا ننسى في هذا المجال تطوير الملاقف التي كانت من الأنظمة أو الرموز التراثية التي كانت تستعمل فوق المنازل للتبريد عبر تلقفها الهواء وتمريره إلى داخل المبنى, وكذلك فكرة الفناء الداخلي للتهوية الطبيعية, وكلها أفكار نستطيع تطويرها لو أخلصنا النية وتركنا الكسل الفكري.
وما زال هناك كثير من الأفكار للإبداع في صناعة المكيفات الصحراوية وربطها بالتشغيل عن طريق الطاقة الشمسية, فاليوم يمكن وضع ألواح لشرائح فولتية على أسطح المكيف نفسه أو على أي سطح قريب منه ليقوم بتشغيل مراوح التبريد وضخ المياه للمكيف وبذلك يمكن الاستغناء والتقليل من استعمال الطاقة الكهربائية, كما أنه يمكن استبدال طريقة رش الماء الحالية من فوق القش بطريقة صمامات أو رشاشات مركزية تبخ رذاذ الماء بدلا من الإسراف فيه.
نحن في أشد الحاجة إلى النظر في موضوع تكيف الهواء لمناطقنا المختلفة سواء الصحراوية أو الساحلية الرطبة وإلى البحث عن وسائل تكييف تخفف من استعمال الطاقة. لذلك تظهر صناعة المكيفات الصحراوية كبديل وخيار واعد. ولكن من الأفضل أن نحاول تطويره والبحث عن وسائل وابتكارات جديدة للتكييف الاقتصادي والميسر. وكما أشرت في مقالات سابقة عن انتصار خبراء ومؤيدي البيئة بعد مؤتمر البيئة الدولي الأخير. حيث أصبح الجميع مقتنعين ويستمعون أخيرا إلى ما كان هؤلاء الخبراء ينادون به ومنذ عقود. من الاحتباس الحراري إلى سيارات الطاقة الشمسية والإلكترونية والنتروجينية إلى التوجه إلى بدائل الطاقة والوقود للتحول إلى توليد الطاقة بالمراوح أو التوربينات الهوائية ونفق الهواء والطاقة الشمسية. وكل ما هو ممكن للتخلص من زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو. وأخيرا أصبح العالم مجبرا على الانصياع لاحترام البيئة بعد أن تأزم الموقف وزادت خطورته على حياة الإنسان وبقائه على هذه الأرض. وهذا التأثير كان واضحا فسواء في مجالات العمارة والتخطيط والبناء. أو في مدى تأهلنا لتطوير استخدامات الطاقة قبل أن نجبر على ذلك وتفرض علينا ضرائب وعقوبات لكمية ما نلوث به الجو من غاز ثاني أكسيد الكربون. فهل نرى نوعا من التحالف بين مؤسساتنا, خاصة المجلس الأعلى الاقتصادي ومجلس أبحاث البترول لتبني رؤية واضحة لوضعنا على مسار الاقتصاد الأخضر؟
يبدو أن التركيز على البدائل الجديدة للطاقة التي لا تؤثر في الاحتباس الحراري هي في تطوير الطاقة الطبيعية من الشمس والهواء والرياح والمياه والمواد العضوية الطبيعية مثل الكحول والسكر والحبوب الزراعية. وهو توجه قد تكون له منافسة اقتصادية هائلة وقد يكون مرتكزا لاقتصادات معظم الدول, وهو توجه في طريقين متوازيين, الأول لتطوير بدائل الطاقة بأنواعها المختلفة, والآخر لتوفير صرف أو إهدار الطاقة, خاصة في الآليات والمكائن والسيارات والشاحنات والطائرات. وكذلك في المباني الخضراء, حيث توصل بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء التي توفر 25 في المائة من طاقة التكييف. وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح بعمق نحو عشرة سنتيمترات وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح وتتم عادة سقياها من مياه المطر وشبكة ري احتياطية في حالة قلة المطر. وبذلك فإن الحدبقة من الرمل والنباتات تعمل كعازل حراري جيد في الصيف وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء.
من المتوقع أن نرى في القريب العاجل تطويرا لاستعمالات أكثر ابتكارا للطاقة الطبيعية وخروج أنظمة ومتطلبات إجبارية للتخلص من الطاقة المضرة بالبيئة. وفي مجال استعمالات المباني يعد المجلس الأمريكي للمباني الخضراء هو الذي يقود العالم حاليا للطاقة ومواصفات المباني الخضراء القياسية. تحت اسم ليد LEED لدرجة أن معظم المدن الأمريكية مثل مدينة بوسطن وسياتل ونيويورك وشيكاغو مجبرة على الحصول على شهادة من المجلس قبل بناء أي مبان متعددة الأدوار. وهي مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل. والتأكد من إحكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تبعث على رفع الحرارة مثل السبوت لايت للحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة. وكل المباني القادمة لا بد أن تخضع لهذه إلا.. ويبدو أننا في المملكة والشرق الأوسط أصبحنا أمام الواقع وأننا مجبرون على السير خلف القافلة, فالأمور تزداد سوءا والعالم من حولنا لن يقف كالمشاهد دون أن يوقع علينا العقوبات تباعا. والتوجه لتوفير الطاقة في المباني يعد فكرة قديمة بدأت في ألمانيا ليبلغ عدد تلك المباني فيها ما يقارب ثلاثة آلاف فدان من المباني عام 2003, وأخيرا قام مجلس مدينة تورنتو الكندية بالأخذ على عاتقه أن تغطي الأسطح الخضراء 50 إلى 70 في المائة من أسطح مدينة تورونتو.
وأخيرا بدأ المجلس الأمريكي للمباني الخضراء في التوجه إلى ترخيص للمباني السكنية (منازل وشقق) وفق مواصفات واعتبارات تمس مدى التوفير في الطاقة وطول عمر المبنى وتقليل مدى ما يبعثه للهواء الخارجي من تلوث. ومدى تنقيته الجو الداخلي لسكان المنزل.
قد تكون هذه الظاهر في بدايتها وما زالت تحت البحث العلمي لمعرفة مدى جدواها واستمراريتها, ولكن يبدو لي أننا لا بد أن نفكر من الآن في تسخير بعض البحوث والجهود للدخول في هذا المضمار. الاحتباس الحراري يبدو لي أنه شر لا بد منه, ونحن نعاني الحرارة الحالية .. فماذا يحمل لنا المستقبل؟ هل نعود إلى المباني الطينية والملاقف أم نطورها أم نسخر بعض الدعم المالي لتطوير صناعة المكيفات الصحراوية التي ما زالت بدائية التي توفر كثيرا من الطاقة مقارنة بأنظمة التكييف الأخرى؟ حري بنا ومن خلال المجلس الجديد لأبحاث البترول أن نولي جزءا من ذلك لتطوير البحث في البدائل الحديثة والصديقة للبيئة قبل أن نضطر إلى استيرادها, خاصة الطاقة الشمسية, التي نملك ثروة لا يستهان بها من طباخ التمر إلى الرمال التي يمكن الاستفادة من مادة السليكون لصناعة الخلايا الضوئية. دعوة إلى المجلس الاقتصادي الأعلى ليضع يده مع مجلس أبحاث النفط لبلورة اقتصاد أخضر. ولتمهيد كود البناء السعودي الذي لم ير النور بعد ليتأقلم مع أنظمة البناء والعزل العالمية التي أحدثت بعد مؤتمر البيئة. فهل نكون روادا في صناعة الطاقة والمباني الخضراء؟ وهل نعيد حدائق بابل المعلقة؟ موضوع يستحق التفكير فيه لمستقبلنا ومستفبل أبنائنا. وأن تتضافر الجهود لتطوير طرق تبريد تناسبنا سواء مكيفات صحراوية أو مكيفات عالية التقنية وقليلة التكلفة وصديقة للبيئة. ودعوة إلى المسؤولين عن مدننا ومراكز البحث للحاق بالقافلة قبل أن تفوتنا.