معركة يائسة ضد المنشطات مع ترقب ظهور عقاقير غير قابلة للاكتشاف

معركة يائسة ضد المنشطات مع ترقب ظهور عقاقير غير قابلة للاكتشاف

في ظل العيوب التي يعاني منها نظام مكافحة المنشطات في جوانب كثيرة مهمة، تُطرح تساؤلات جادة حول إمكانية السماح للرياضيين بتعاطي المنشطات لتعزيز أدائهم الرياضي.

لدي سر ممزوج بالإحساس بالذنب وهو اعتقادي بأن "فوز" بين جونسون بسباق الـ 100 متر (جري رجال) في أولمبياد سيؤول 1988 كان يمثل بالنسبة لي أكثر عشر ثوان إثارة ومتعة في منافسة رياضية شاهدتها على الإطلاق.
أنا لست كندياً، رغم أنني كنت موجودا في كندا عندما حدث ذلك. وكنت أشعر بالسعادة من أن كارل لويس "الفائز في المركز الثاني" وأفضل رياضي أمريكي، والذي كنت لسبب ما أقف ضده، لم يفز بالسباق ولكن ما ظهر لي جليا في الغالب هي القوة الهائلة التي يملكها جونسون في سباق جري المسافات القصيرة.
وفي ضوء ذلك، فمن غير المستغرب حتما أنني احتفظت لمدة طويلة برؤى متناقضة الأحاسيس بشكل غير ملائم حول العقاقير المنشطة المستخدمة في الرياضة فلو كانت العقاقير المنشطة يمكن أن تسهم في رسم مثل هذه اللوحة الرائعة، وبالتالي أرى أنه يجب علينا التفكير مليا وبعمق شديد بشأن ما إذا كان من المفيد بالفعل بالنسبة إلى الرياضة حظر تعاطي هذه المنشطات. وعلى وجه التحديد ما إذا كان نتاج رياضة "نظيفة" هو ذلك الحدث الهادئ الذي ارتبط بسباق أقيم في أثينا في 2004 وفازت به يوليا نيستر ينكو من روسيا البيضاء بزمن عادي قدره 10:93 ثانية، بعد مسابقة تحمل كل الإغراء العالمي لسباق البيض والملاعق (سباق يحمل فيه العداؤون بيضا في ملاعق).
إن نيتي ليست الدفاع عن جونسون فإنه قد خرق القوانين حتى ولو ادعى أخيرا أنه وقع ضحية "لتخريب" في سيئول زاعما أن طعامه وشرابه مزج بعقاقير منشطة.
والأدهى من ذلك أن العقار الذي جاءت نتائج الاختبارات التي أجريت عليه إيجابية وهو "ستانوزولول" Stanozolol ، مركبات البناء "سترويدات" مثل الهرمونات والفيتامينات التي تنتج طبيعيا داخل الجسم ـ مرتبط بأعراض جانبية خطيرة. وأشار أحد مواقع الإنترنت الذي قمت باستشارته، أنه في حالات نادرة، تنشأ مشاكل خطيرة وحتى قاتلة للكبد، أثناء العلاج بعقار "ستانوزولول". وبالتالي فهي مادة من النوع الذي، على الأقل يود المرء أن تتم دراستها بدقة فائقة قبل التفكير في المطالبة بتخفيف القيود الحالية على استخدامها من قبل الرياضيين.
ومع ذلك لدي شكوك جادة بشأن نظام المنشطات بالغ القسوة الذي يحظر تعاطي مجموعة كبيرة من المواد والذي يعتبر الرياضيين مسؤولين عن أي شيء يدخل أجسامهم. ولم تخف هذه الشكوك رغم عملي المستمر منذ خمسة أعوام كصحافي رياضي متخصص. في الحقيقة وصلت إلى استنتاج أن النظام مثقل بالعيوب في العديد من الجوانب المهمة للغاية.
أولا: رغم أنه موفق في الإمساك بمتعاطي المنشطات في الحالات غير المعقدة أو حادثة التعاطي "لمرة واحدة"، فإنني أشك أن النظم الحالية أقل نجاحا في اكتشاف حالات الغش الانتكاسية والمتكررة. وبالرغم من أن هناك أوقاتا تشهد اكتشاف السلطات المبكر لمتعاطي المنشطات- مثل اكتشافهم في 2003 لمادة THG Tetrahydrogestrinone أو رباعي الهدروجستريينون، ما يسمى بسترويد "المصمم" التي أدت إلى الاختبار الإيجابي للعداء البريطاني دوين تشامبرو وما تبعه من حظر مشاركته في المسابقات- إنني أعتقد أن هناك دائما مجالا متاحا لكي ينشط فيه متعاطو المنشطات ولا سيما إذا تسلحوا بكيميائي جيد ومحام ضليع.
وكما قال العالم دون كاتلين من جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس، الذي تولى مهمة إجراء الاختبارات الخاصة بالألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة سولت ليك سيتي في ولاية يوتا الأمريكية، ذات مرة: "أي شيء نقوم به يتم على افتراض أن الرياضيين مذنبون، فيما هناك فرصة دائما للرياضيين الأذكياء الإفلات بطريقة ما".
النظام الحالي أيضا يوقع في فخه غير المبالي وغير المحظوظ. وخير مثال لذلك المتزلج الاسكتلندي الايان باكستير الذي خسر ميدالية برونزية أولمبية في 2002 بسبب استخدامه مادة منشطة مذابة في مستنشق "فيكس". ولديه فرصة ثانية للفوز بميدالية في الألعاب الأولمبية الشتوية التي بدأت أخيرا في تورين بعد أن اختير مرة ثانية ضمن المنتخب البريطاني".
وتنطبق صفة "غير محظوظ" على أي رياضي تعود النتيجة الإيجابية للاختبارات التي تجرى عليه كونه لوث عن طريق مادة غذائية تكميلية غير مصرح بها. وفي الواقع فالرياضيون ليسوا ملزمين لتناول هذه المواد التكميلية. ولكن طالما يتم السماح بذلك، بالكاد يمكنك أن تلقي باللائمة عليهم وعلى مدربيهم، بسبب القلق من أنهم ربما يصبحون عاجزين عن المنافسة مع نظرائهم من اللاعبين الذين يعتمدون على تعاطي المنشطات من دون تناول هذه المواد الغذائية التكميلية.
علاوة على ذلك، يضع النظام شروطا دائمة ومرهقة على الرياضيين، فإنهم بجلاء ينصحون بالامتناع تقريبا عن أي شيء يمكن هضمه داخل أجسامهم. وفي العديد من الحالات يجب عليهم إخطار السلطات بتحركاتهم في حالة وجود جدول زمني محدد لإجراء الاختبارات اللازمة للمنشطات. وتشترط المنظمة الدولية للاتحادات الرياضية IAAF، الجهاز المنظم للنشاط الرياضي، على الرياضيين "تسجيل التفاصيل المتعلقة بتحركاتهم في ملف خاص على أساس ربع سنوي" و"إبلاغ المنظمة فورا في حالة إجراء أي تعديل على هذه اللائحة". وبالنسبة إلى الرياضيين المرموقين في الوقت الحاضر، فإن العفوية متعة من الأفضل تجنبها.
يصعب على أن أتصور أن أولئك الساعين إلى استئصال شأفة حالات الغش بتعاطي المنشطات سوف يندهشون، لأن ميزة أن تكون الأفضل هي الآن مسألة عظيمة في العديد من الألعاب الرياضية، إلى درجة أن الدافع إلى تأمين تفوق قانوني على منافسيك بات أكثر صعوبة من أي وقت مضى. وبدلا من استئصال ظاهرة تعاطي المنشطات، أشك أن النتيجة الأساسية للعبة القط والفأر الحالية يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تطويرها تحت الأرض. وبالتالي يجب على الأقل التأكد مما إذا كان الإنجاز للنظام الحالي لمنع تعاطي المنشطات يستحق الثمن الذي ندفعه في شكل حالات غير عادلة من تشويه السمعة ومستويات أداء وقيمة ترفيهية متدنية.
ومن المفيد أيضا الإشارة إلى أن طريقة إجراءات الاختبار الحالية تفرض بعض الإهانات اللافتة للنظر على أولئك الذين ننظر إليهم كأبطال قوميين. وتوضح الإرشادات الإجرائية الخاصة بمنظمة IAAF أن على مسؤولي مراقبة المنشطات الذين يتولون جمع عينات البول مأخوذة منه فعلا وليس من أي شخص آخر".
ويقول الدليل: "يعني ذك غالبا كشف الجسم من منتصف الظهر حتى أسفل الركبتين". وإلى حد ما فالغاية تبرر الوسيلة. ولكن مثل هذا التطفل في الشؤون الشخصية يحملك فعلا على التساؤل حول الاتجاه الذي تسير فيه الرياضية في الوقت الراهن.
بالتالي، هذا هو ملخص الرأي الذي كونته على مدى الأعوام السابقة، غالبا كمشجع والسنوات القليلة الأخيرة كمحرر رياضي. ولكن المشكلة تكمن في الصعوبة التي واجهتني في ابتكار اقتراحات سياسات عملية في هذا الصدد. فمن الصعوبة بمكان أن أتجاوز الرؤية المحزنة التي تتمثل في أن الجماهير الرياضية المتناقصة، نتيجة لخيبة الأمل بسبب العدد المتزايد من حالات تعاطي المنشطات التي يتم الكشف عنها، ما أدى إلى موت الألعاب الرياضية الأكثر ابتلاء بهذه الظاهرة بما فيها ألعاب القوى التي تعد من نواح كثيرة الرياضة الأبسط والأكثر طبيعية من الجميع.
مكثت على هذا الحال حتى كان أحد الأيام الذي كنت انتظر فيه عقد اجتماع في المقر الرئيسي في لندن "انجلاند سبورت" وجدت نفسي أتصفح بعض المجلات الأكاديمية، وجذب انتباهي أحد المقالات التي كتبها أكاديميون بريطانيون وآخرون مقيمون في أستراليا، وعندما فرغت من قراءتها، أدركت أنه لم يورد ألفاظا واضحة للغاية، بعض التحفظات نفسها حول نظام المنشطات التي خطرت ببالي فحسب بل أيضا تضمن بعض المقترحات التي توضح الأساليب التي يجب أن يتصرف المسؤولون على ضوئها.
ويوجد ملخص للفكرة الواسعة للمقال الذي يمكنك الاطلاع عليها في موقع www.bisportned.com والتي يدل عليها عنوانه "لماذا يجب علينا السماح بالمنشطات في الرياضة". إن الحجة الحقيقية ليست راديكالية تماما بالقدر الذي تدل عليه هذه المقترحات مع أنها راديكالية بما فيه الكفاية. ففي الوقت الذي يجب فيه استمرار حظر تعاطي المنشطات غير الآمنة، يجب أن يتركز الاهتمام الأساسي للسلطات الرياضية على صحة الرياضيين". وبالتالي إذا كان العقار المنشط لا يعرض الرياضي إلى مخاطر إضافية فإن علينا السماح بتعاطيه حتى ولو أدى إلى تحسين أداء الرياضيين".
وبمقتضى القانون الدولي الحالي لمكافحة المنشطات، يمكن وضع العقاقير على لائحة الحظر إذا كانت تفي باثنين من المعايير الثلاثة التالية: أنها تحسن أو لديها إمكانية تحسين الأداء الرياضي، أنها تمثل خطرا صحيا حقيقيا أو محتملا للرياضي، أو أنها تخالف ما يسميه القانون "الروح الرياضية". وقدم هذا القانون تعليقات تفسيرية حول لماذا أن لا أحد من هذه المعايير الثلاثة لوحده يعتبر كافيا لإضافة عقار ما إلى اللائحة. "إن استخدام الإمكانية لتحسين الأداء كمعيار وحيد سوف يشمل, على سبيل المثال, التدريب البدني والعقلي، اللحم الأحمر، مكونات الكاربوهايدارت، والتدريب في مناطق مرتفعة".
ويبرر مؤلفو المقالة موقفهم بعدة طرق. أولا: يقولون إن الحرب ضد المنشطات لا يمكن كسبها "خلال بضع سنوات ستكون هناك عدة عقاقير غير قابلة للاكتشاف". ثانيا: تحسين الأداء الرياضي لا يعتبر مخالفا للروح الرياضية بل هو الروح الرياضية نفسها. إن فتح الباب أمام ما يسمونه "التلاعب البيولوجي" سيجعل الرياضة نشاطا "ليس أكثر من مجرد سباق جيني". ثالثا: في بعض الأحيان يصبح السماح بتناول العقاقير المنشطة فعلا أكثر إنصافا. ويستشهدون في ذلك، بمثال مادة "إيرثوبروتين" erythropoietin أو EPO، معززا تكون خلايا الدم الحمراء وهو هرمون طبيعي يحفز إنتاج خلايا الدم الحمراء، وبالتالي يساعد على نقل الأكسجين إلى العضلات، العائق الرئيسي لقدرة الفرد على الأداء الأفضل في مجال الألعاب الرياضية. ويعتبر تعاطي EPO محظوراً في الوقت الحاضر عندما تزيد على النسب العادية التي توجد عادة داخل جسم الإنسان.
ويجادل المؤلفون أن هرمون EPO ليس خطيرا في حد ذاته بالنسبة إلى الرياضيين ولكن رفع عدد خلايا الدم الحمراء في الدم إلى معدلات أكثر من الطبيعي وهذا هو الجانب الذي يجب على المسؤولين إيلاء أهمية أكثر. وتحظر قوانين رياضة ركوب الدراجات على اشتراك الدراجين في المنافسات، في حالة زيادة عدد الخلايا الحمراء لديهم، ومن بينها التدرب في الأماكن الشاهقة واستخدام جهاز نقص الأكسجين الذي يخفض كمية الأكسجين المستنشق بواسطة مستخدم الجهاز.
غير أن ذلك عادة أكثر تكلفة من استخدام هرمون EPO، إلا إذا تصادف أن الرياضي يعيش في منطقة مرتفعة. وفي هذه الحالة يحاج المؤلفون "من خلال السماح للجميع بتناول العقاقير المنشطة، فإننا نساوي بينهم". رابعا: النظام الحالي عادة ما يحفز على تطوير عقاقير غير قابلة للاكتشاف بدلا عن أخرى تتميز بالأمان وبالتالي فإن أي نظام مؤسس على مراقبة صحة الرياضيين سوف يؤدي إلى تغيير هذه الأولويات. وخامساً: نعم، يكون مستوى الأداء قد تحسن.
ويشير المؤلفون إلى أن الموسيقيين الكلاسيكيين عادة ما يستخدمون صنفا من العقاقير يعرف بـ Beta Blockers للتغلب على رهبة المسرح "على الرغم من أن نخبة الموسيقي الكلاسيكية لديهم تقريبا القدر نفسه من المنافسة لدى الرياضيين النخبة. لا توجد وصمة عار مرتبطة باستخدام هذا العقار". وحتى الآن يحظر استخدام هذا العقار في المنافسات الرياضية بما فيها البلياردو، البريدج والجمباز.
لم يرق لي بعض الأفكار الواردة في الورقة التي أعدها أوليفر راين المدير العلمي للوكالة العالمية لمحاربة المنشطات ومقرها مونتريال إلا أن ذلك لم ينتقص من احترامي للمقال، رغم أنها بجلاء لم تتفق مع الفكرة الأساسية التي طرحها.
ولدى سؤاله مثلا، هل من السهولة فقط حظر العقاقير إذا كانت مضرة بالصحة؟ أجاب قائلا: إن الحكومات وسلطات الرياضة الذين اعتبرهم أناسا أذكياء وصلوا للاستنتاج أن حظر مادة ما على أساس معيار وحيد فقط سيكون "محدودا للغاية. وهذا هو السبب لما نرى اليوم ما أظن أنها توليفة ممتازة تم إدراجها ضمن القانون الدولي لمكافحة المنشطات".
وفيما يتعلق بهرمون EPO، أقر راين، كما أكد مؤلفو الورقة، أن أثره على الدم يضاهي الآثار التي تنجم عن استخدام الوسائل القانونية المباحة لحفز إنتاج خلايا الدم الحمراء، ولكنهم ذكروا أن هرمون EPO هو "الأقوى تأثيرا". كما أن استخدام جهاز التنفس يزيد الإنتاج العادي لهرمون EPO لدى الرياضيين "بنسبة طفيفة". ولكن، "عند تناول جرعات من EPO فإن ذلك يؤدي إلى مضاعفة معدل تدوير هرمون EPO الموجود داخل الجسم مرتين أو ثلاث مرات ". وبالتالي من المفترض أنه في حالة تقيد الرياضيين بحد أقصى من عدد خلايا الدم الحمراء في أجسامهم، فإن قوة تأثير هرمون EPO التي أوصلتهم إلى هذا السقف لن تكون ذات أهمية".
وفي غضون ذلك يبدو أن مشاداتنا حول مادة رباعي الهيدروجسترينون THG تعزز الفائدة العظيمة للنظام الذي ورد وصفه في المقال "عندما تتحدث مع الرياضيين الذين يتعاطون عقار THG.. تجدهم لا يعيرون أي اهتمام بصحتهم". ويؤكد رابين ذلك مضيفا: " ومن ثم علينا أن نهتم بها بالإنابة عنهم". ولكن هل عقار THG مضر بالصحة؟ طرحت هذا السؤال فأجابني قائلا: "حسنا ، إنه عبارة عن سترويد بنائي لم يتم اختياره بطريقة سليمة بتاتا". ومن ثم لا نعرف إذا كان مضرا بالصحة، كما لم يتم إثبات سلامته أيضا؟
"نعم ما نعرفه هو أن تلك المنتجات التي تتناقلها الألسن ـ عقاقير المصمم ـ ليست مواد نقية وإنما تحتوي مجموعة كاملة من المنتجات الجانبية التي يمكن أن تكون سامة بالفعل".
بعد مرور بضعة أيام كنت أجلس في مكتب شديد البرودة في أكسفورد تابع لجوليان سافوليسكو المؤلف الرئيسي لورقة المنشطات وهو بشعره الداكن وعمره الأربعيني أستاذ للأخلاقيات العملية في الجامعة. وبعد تناول الغذاء في صالة الطعام في مبنى كلية سينت كروس كوليدج، جلسنا سويا للتحقيق في أي مدى يفكر في التجربة التي يجب أن يتمتع بها نظام مكافحة المنشطات ومناقشة المشاكل المرتبطة بالمنشطات الجينية.
وحسب اعتقاده فإن النظام المتزمت للرياضة فيما يتعلق بالعقاقير المنشطة إنما هو نتاج تفكير بال. ويقول: "تطور علم العقاقير وبالتالي بوسعنا اختراع عقاقير آمنة وإعطائها بجرعات آمنة ومراقبتها بطريقة لم تكن متاحة لنا في الماضي". ويضيف: "إن عالم الرياضة لم يواكب حتى الآن التقدم الحادث في مجال علم العقاقير خلال الأعوام الأخيرة، ولدى عدد ضئيل جدا في العالم ثقافة المواد والعقاقير الطبية، وتنشأ المشكلة عندما يكون لديك تجهيزات مخفية لا تخضع للاختبار".
ولكن إلى أي مدى يمكننا أن نمضي بمسؤولية في السماح بتعاطي المواد التي حظرت في السابق؟ هل يجب أن نسمح للرياضيين بتناول المواد الأكثر ضررا من جميع العقاقير المنشطة ـ سترويدات البناء؟
ويجيب بحذر شديد "إن مخاطر سترويدات البناء على الرغم من أنها حقيقية، إلا أن العديد منها في بعض الأحيان مبالغ فيها ويجب أن توضع في سياق الأشكال الجريئة المختلفة للتدريب وخطورة السماح للناس باستخدامها كل يوم من أيام حياتهم" ولكن لدى إثارتي للموضوع مرة ثانية، بدا أكثر صراحة من ذي قبل. حيث يقول: "أفضل أن يتناول طفلي سترويد البناء وهرمون النمو بدلا عن لعب الرجبي". ويضيف: "يعتبر هرمون النمو أكثر أمانا من الرجبي وعلى الأقل لا أعرف حتى الآن أي حالات للشلل الرباعي نجم عن تعاطي هرمون النمو".
وفي الوقت الذي تحولنا فيه إلى الحديث عن المنشطات الجينية، باتت الغرفة أكثر برودة إلى درجة أن سافوليسكو بدأ ينحني بين الفينة والأخرى لإصلاح مدفأة لا تعمل بصورة جيدة. الرياضيون الذين يلجأون إلى مثل هذا النوع من التنشيط يتم حقنهم بجين معين يهدف إلى تحسين وظيفة الخلايا العادية وتنشيط أدائها.
ووفقا للوكالة الدولية لمكافحة المنشطات WADA، أجرى العلماء اختبارات على الجينات المنتجة لمادة معينة وهي - Insulin-Growth Factor 1 - التي تساعد العضلات على النمو وترميم نفسها. والفكرة هي أن هذه الجينات التي تحمل إلى داخل الجسم بواسطة فيروسات غير ضارة، تنتج كمية أكبر من المواد مما ينتجه الجسم بصورة طبيعية، ما يحفز على نمو العضلات، وبالقدر نفسه يستطيع مستخدمو هرمون EPO حقن الجين الذي ينتج الهرمون كبديل لحقن EPO داخل الجسم مباشرة.
لا تعتقد الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات WADA حتى الآن أن الرياضيين يلجأون إلى المنشط الجيني، مع استحالة التأكد من ذلك ولكن ربما لن يمضي وقت طويل قبل أن يفلحوا في ذلك. في الحقيقة كشفت التقارير تثبت أن اللجوء إلى المنشطات الجينية قد يكون أمرا واقعا الآن في مجال الرياضة. وفي هذه الأثناء تنفق الوكالة ما يصل إلى ثلاثة ملايين دولار على الأبحاث التي تهدف إلى التأكد من قدرة المسؤولين عن إجراء اختبارات المنشطات الجينية مع بداية الظهور العلني.
ونظمت الوكالة أخيرا مؤتمرها الثاني حول هذا الموضوع في ستوكهولم، ومن الجلي الآن أنها عازمة بشدة على محاربة هذه الظاهرة بلا هوادة كما تفعل تماما مع المنشطات التقليدية. وكتب ريتشارد باوند رئيس الوكالة في العام الماضي قائلا إنه: "من الصعوبة بمكان تصور العواقب التي يمكن أن تنجم عن تغيير البنية الجينية لشخص ما لجعلهم أفضل أداء للألعاب الرياضية". وأضاف: " هذا منحدر زلق لا نريد سلوكه".
هناك سببان يوضحان لماذا أجد من السهولة التعاطف مع هذه المشكلة بدرجة أكبر من المنشطات التقليدية. الأول: في الوقت الذي فيه المواد الكيماوية رغم ضررها استطاعت التحايل بسرعة على النظام، فإنني افترض أن عواقب التلاعب الجيني من المحتمل أن تستمر فترة أطول، إن لم تكن دائمة. والثاني: أن الفرق بين البطل والمشارك في المنافسة دون إحراز الفوز دائما ما يكون في الرأس. إن فكرة الرياضي الذي يستخدم علاجا جينيا لتقليل الخوف أو زيادة الجرأة يجعلني غير مرتاح بدرجة كبيرة تفوق فكرة استخدامه لبناء عضلات أضخم.
وبدأ واضحا أن سافوليسكو يشاطر القليل من هذه الحيرة ويقول: "إذا كان لديك دليل قاطع بسلامته فإنني أميل إلى القول إن عليك أن تسمح بتعاطيه". ولا يبدو أن مثل هذا الدليل متوافر في الوقت الحاضر، رغم أنه حتى باوند نفسه يقول إنه: "واثق من أن العلم سيوصلنا إلى نقطة يصبح عندها استخدام تقنية التحويل الجيني ممكنة الاستخدام بأمان وفاعلية". وتصف نشرة صادرة عن WADA محاولة فرنسية لاستخدام العلاج الجيني لتصحيح خلل وراثي نادر كان يعاني منه طفل وكانت النتيجة النهائية هي أنه رغم نجاح العلاج، فقد أبان التقرير أن ثلاثة أطفال من ضمن المجموعة أصيبوا بمرض اللوكيميا أو سرطان الدم نتيجة لذلك.
ويقول سافوليسكو إن بالإمكان استخدام قوانين الرياضة للحيلولة دون أن تتحول الرياضة إلى مجرد عرض شاذ أكثر مما هي عليه الآن، إذا رغب المسؤولون ذلك. ويعلق على ذلك بقوله: "الناس يشعرون أنه إذا تحركنا خطوة واحدة إلى الأمام فأمامنا منحدر زلق .. سيكون هناك أناس لديهم أرجل طولها ستة أقدام تساعدهم على أداء الوثبات العالية". ويضيف: "هذا افتراض خاطئ لأن بوسعنا رسم خطوط فاصلة أينما أردنا".
ويبدو أن لديه انفعالا إيجابيا بشأن الاحتمال الذي يثير قلقي بدرجة كبيرة وهو استخدام العلاج الجيني لتحسين القدرات العقلية لفرد ما، بدلا عن الوظائف الجسمانية. ويقول: "إن الوضع سيكون حتى أفضل من جهة تحسين جوانب مثل الذكاء أو الذاكرة التي تكون مفيدة حتى في الظروف غير التنافسية ناهيك عن تلك التي تتطلب القدرة التنافسية". ويضيف: "أنا لا أرى أي سبب لماذا لا يحصل الرياضيون على المزيد من المنشطات النفسية لتعزيز أدائهم البدني أو العكس بالعكس أننا نتطلع إلى التطور الراديكالي للجنس البشري".
ومثلي تماما، لديه تصورات مادية قليلة بشأن عمق الشكوك والمعارضة من أن هناك خطوات مهمة في هذا الطريق من المحتمل أن تبدأ. ويقول: "أعتقد أن ما نراه الآن هو مقاومة عولمة التكنولوجيا". ويضيف: "الناس يفضلون الكمبيوترات، ولكن القليل كذلك مع رقائق الكمبيوتر داخل العقل البشري، وما يثير قلقهم هو استخدام التكنولوجيا لتغيير أنفسنا".
من المشاكل العويصة القفز داخل المواضيع الشائكة التي تتعلق بهوية البشر. وإن عاجلا أم آجلا سوف تجعل هذه القضايا الجدل بشأن الجراحة التجميلية يبدو متخلفاً للغاية. ولكنها قضايا سوف يتعين على الرياضة- وهي ساحة للجهود البشرية نادرا ما تعرف بعمق أو سمو تفكيرها ـ أن تتصارع معها قريبا.
إذن ماذا تبقى لي كي أختم به؟ يجب على الرياضة أن تتخلى عن النظر إلى عقاقير وإجراءات تحسين الأداء الرياضي كطفل يرهب البعبع وكوحش ينبغي الاحتماء منه بشكل نستبدل حائط الصد المتصدع الحالي بنظام يركز على حماية الصحة ـ مع علمي أن ذلك في حد ذاته سوف يثير الكثير من الأسئلة وأن العقاقير الأكثر ضررا ما زالت بحاجة إلى حظر. يجب التفكير في حماية الطفل بعناية خاصة.
ولكن فضلا، دعونا لا نتظاهر أن الوضع الراهن مرض لنا أو أي شيء من هذا القبيل. وقبل فترة ليست بالقصيرة ذهبت إلى جامعة بوكينجهام للاستماع إلى محاضرة ألقاها محام يدعي جورجي لوانيديس والذي كان ينافح عن العداء اليوناني كوستاس كنيتري ضد الاتهامات التي وجهت إليه بمحاولة تفادي إجراءات الكشف عن المنشطات، وقال لواينيديس: "إن الرياضي الذي يفوز في وقتنا الحاضر هو الرياضي الذي يحظى بدعم أفضل كيميائي وأفضل محام". وأخشى كثيرا أنه ربما يكون محقا فيما ذهب إليه.

الأكثر قراءة