نوع مختلف من الركود
نوع مختلف من الركود
في المرة الأخيرة التي عانت فيها المكسيك من الركود الاقتصادي، عام 1995، لجأت إلى جارتها في الشمال للحصول على المساعدة. ونظمت الولايات المتحدة عملية إنقاذ بقيمة 50 مليار دولار. وساعد هذا، بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية التي تمت المصادقة عليها قبل ذلك بفترة وجيزة، المكسيك على الانتعاش من تخفيض قيمة العملة والركود. إلا أن الولايات المتحدة هي المشكلة هذه المرة، وليست الحل. فتأثير الركود الناتج عن انفجار فقاعة الإسكان في أمريكا كان أكثر حدة جنوب نهر Rio Grand: على الرغم من أنه من المفترض أن تؤكد البيانات للربع الثالث، التي من المقرر أن يتم نشرها في الـ 20 من تشرين الثاني (نوفمبر)، أن المكسيك خرجت أخيرا من الركود، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي تقلص بنسبة 9.7 في المائة خلال العام حتى حزيران (يونيو). وهذا رقم مروع، وأسوأ بكثير من أداء دول مثل كندا أو جمهورية الدومينيكان التي لاقتصاداتها أيضا صلات وثيقة مع الولايات المتحدة. ولكن هذا الركود مختلف جدا، من نواح أخرى، عن عام 1995. فتأثيره في الحياة اليومية أقل وضوحا بكثير. ولا تزال المطاعم في مكسيكو سيتي مليئة ولا تزال حركة المرور في ساعات الذروة مزعجة. ويعود ذلك إلى كون الأشخاص الذين لديهم وظائف لم يتأثروا تقريبا، في حين أنه في عام 1995، تم سحق القوة الشرائية لأجورهم جراء التضخم. وتم تخفيف ارتفاع البطالة بسبب الدعم الحكومي الذي ساعد الشركات على تأجيل تسريح العمال. ويمكن لأولئك الذين فقدوا وظائفهم الاستفادة من حسابات التقاعد الخاصة بهم، أو الاعتماد على مدخرات غير رسمية. ويقول Samuel Sanchez، عامل البناء الذي ينتظر في سوق العمال في مكسيكو سيتي، إن زوجته تبيع حيوانات المزرعة كل أسبوعين لإطعام عائلتهم. ولم يتأثر عموما أشد المكسيكيين فقرا، نظرا لكونهم يتركزون في الجنوب ويعملون أساسا في الزراعة التي لا يزال فيها الإنتاج ثابتا.
إلا أن هذا لا يوفر شعورا كبيرا بالراحة. فقد كشف الركود عن نقاط الضعف الهيكلية في اقتصاد المكسيك. وأدت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية إلى جلب سيل من الاستثمارات الأمريكية، حيث كان المصنعون يؤسسون مصانع جنوبي الحدود للاستفادة من انخفاض تكاليف اليد العاملة. وأدى هذا التدفق إلى التحديث والتكنولوجيا الجديدة، وعزز النمو الاقتصادي السريع في أواخر التسعينيات.
إلا أن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية جعلت المكسيك معتمدة بصورة كبيرة على صحة الاقتصاد الأمريكي، وعلى بعض الأعمال التجارية العابرة للحدود على وجه الخصوص، والتي تشمل تصنيع السيارات، وصناعة البناء، والسياحة. وكانت هذه القطاعات من بين الأكثر تضررا جراء هذا الركود. ودفعت ندرة الائتمان وضعف الثقة المستهلكين الأمريكيين إلى تأخير أكبر عدد ممكن من عمليات الشراء، خاصة شراء السلع الغالية المعمرة التي تنتجها المكسيك. ومع تراجع الصادرات، قفزت نسبة البطالة في المدن الصناعية الشمالية، مثل Saltillo، إلى مستوى مرتفع جدا.
ولو كان التراجع مقتصرا على التصنيع، لكان التأثير في الاقتصاد ككل متواضعا. إلا أن كثيرا من الخدمات، مثل النقل واللوجستيات، مرتبطة بتدفقات التجارة. والعقبة الأخرى هي اندلاع إنفلونزا الخنازير في نيسان (أبريل)، التي أدت إلى إغلاق مكسيكو سيتي لمدة أسبوع وإلى ابتعاد السياح لأشهر عديدة بسبب الخوف. وخلافا لكندا، فإن النظام المصرفي في المكسيك مملوك إلى حد كبير لأجانب؛ وقد تقلص الائتمان قبل عام حين أمرت المكاتب الرئيسية فروعها في الخارج بتقليل النفقات. ونتيجة لكل هذا، انخفض ناتج الخدمات بنسبة 6 في المائة في الربع الثاني مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.
ومثلما يختلف هذا الركود بصورة حادة عن عام 1995، سيختلف الانتعاش أيضا. ويرتبط نمو الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك بصورة وثيقة بالإنتاج الصناعي شمال الحدود. ومن المتوقع أن يزيد هذا الإنتاج بنسبة 3 - 4 في المائة فقط العام المقبل، على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي بدأ بالانتعاش. لذا على المكسيك البحث في أماكن أخرى لتعزيز نموها.
وعلى الرغم من أن المكسيك وقعت اتفاقيات التجارة مع دول أخرى، إلا أن دخولها التفضيلي إلى أكبر سوق في العالم أدى إلى إهمالها لتلك الاتفاقيات. ويقول Alejandro Werner، نائب وزير المالية: ''لم نضطر تعلم كيفية التعامل مع ثقافات الشركات الأخرى. فقد كان من السهل جدا التصدير فقط إلى الولايات المتحدة''.
وكانت فوائد اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية محصورة إلى حد كبير بصناعة التصدير في شمال المكسيك، ويعود ذلك جزئيا إلى كون صلات النقل في أقصى الجنوب سيئة. فلم تحدث تغييرا كبيرا في الاقتصاد المحلي، الذي لم يكن محركا للنمو لمدة عقود عديدة، والذي استمر فيه التنظيم المرهق والاحتكارات المحمية واحتكارات القلة والنقابات المتعنتة.
وبدلا من المساهمة في الانتعاش، تزيد الحكومة الأمور سوءا. وبفضل العائدات من صناعة النفط التي تم تأميمها، لم تجمع الحكومات المكسيكية كثيرا من الضرائب. وعلى الرغم من الإصلاحات المالية الأخيرة، إلا أن عائدات الضرائب الفيدرالية تبلغ 11 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أكثر النسب انخفاضا في العالم. إلا أن إنتاج النفط آخذ في الانخفاض بسرعة، ويرجع ذلك أساسا إلى الحظر الدستوري على الاستثمارات الخاصة في الطاقة. وقامت وزارة المالية بذكاء بحماية معظم إنتاج النفط للمكسيك هذا العام في عام 2008، حين كانت الأسعار قريبة من ذروتها. إلا أن الدخل المتأتي من النفط سينخفض عام 2010. ونتيجة لذلك، قد يتم تخفيض درجة التصنيف الائتماني للمكسيك، على الرغم من أن الدين العام يبلغ 43 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وفي محاولة لمنع هذا، تشدد ميزانية العام المقبل الأحزمة، حيث زادت الضرائب بنسبة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وقللت الإنفاق. وسيشكل هذا عائقا إضافيا أمام الانتعاش. وتشير تقديرات Werner إلى أن الدخل الفردي لن يعود إلى مستوياته لعام 2008 إلا في عام 2010. وخلافا لما حدث عام 1995، ليس للمكسيك يد في هذا الركود. إلا أن السياسيين فيها لن يلوموا إلا أنفسهم إذا فشلوا في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية - في مجال الطاقة وأسواق العمل وسياسة المنافسة - اللازمة لتسريع الركود