السياسة المالية الصارمة تولد مخاوف من إحداث أي تعديلات
إذا كان هناك من مستثمرين فشلوا في تحقيق أرباح كبيرة خلال الأشهر الماضية فهؤلاء هم سيئو الحظ فها هي بعض الأسواق تنزلق حالياً نحو الكساد وبخاصةّ تلك الأسواق التي حققت تقدّما ملحوظا عام 2005 وهي أسواق اليابان و بعض بورصات الأسهم في الدول النامية الواعدة وكل ما يتعلّق بأسواق المواد الخام والذهب و النفط. وهنا لابد من طرح السؤال التالي: في أي مرحلة يقف سباق السوق اليوم فعلياً، وهل يُفترض بالمستثمرين الخوف من بعض التعديلات في هذه اللحظة؟! في النهاية تبذل كل البنوك المركزية الكبرى في العالم جهودها للإمساك بلجام فائض السيولة النقدية و هي السيولة التي سبق و أن استعجلتها الأسواق من قبل.
وتحاول الأسواق المالية التظاهر بعدم القلق، وتحلّيها بالصبر و الهدوء قدر الإمكان. فقد أشار بن بيرنانكيه الرئيس الجديد للبنك المركزي الأمريكي، أمام الكونجرس الأمريكي أن سياسة البنك ستبقى قابلة لإعادة النظر فيها وهو غالبا ما سيحدث مع بيرنانكيه بشكل أكبر مما كان يحدث مع سلفه ألان جرينسبان حيث لا يدع بيرنانكيه الأسواق تغرق في التساؤلات و الشكوك بعد أن بات انتظار الرفع الثاني للفائدة الأساسية حتى فصل الصيف أمراً حتمياً. بالإضافة إلى أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي يزدهر دون الاضطرار لمعاودة التفكير في اتخاذ سياسة مالية صارمة أخرى.
ومن المحتمل أن يعمل البنك المركزي الأوروبي على رفع سعر الفائدة الأساسية على الأقل مرة أخرى في شهر آذار (مارس)، حسب ما أشارت إليه تصريحات رئيس البنك الاحتياطي، جان كلود تريشيه أمام البرلمان الأوروبي. ويدعو الخبر القائل بأن النمو الاقتصادي في اليابان ارتفع فعلياً خلال العام الماضي بمعدل سنوي يُقدّر بنحو 5.5 في المائة، إلى طرد الشك الأخير حول النهاية الوشيكة لسياسة الفائدة الُصفّرية في اليابان.
ولكن متى تتجاوب الأسواق مع مثل هذا الوضع؟ وهل تواجه الأسواق اليوم احتمالية حدوث تعديل حادة عليها؟ يمكن لهذا أن يُعلن لاحقاً عن "قابلية التقلّب" -volatility - الحادة في بعض الأسواق، حيث قامت مجموعة "سيتي-جروب" البنكية بدراسة "قابلية التقلّب" لمختلف أصناف المخاطر العالمية، وعليه فإن "قابلية التقلّب" في سوق الذهب بالتحديد تتخطى المعدل التاريخي، وتشابه "قابلية التقلّب" لدى تداول أسعار المعادن. وأشار بنك "جولدمان زاكس" إلى أن أسعار المواد الخام، وخاصةّ منها المعادن، تطوّرت منذ نصف عام تقريباً على نحو ضعيف باقترانها مع أسعار الأسهم. ويحذر البنك من وجود قائمته للمواد الخام "GSCI" مباشرةً في المرحلة الابتدائية من الازدهار، وأن لا تتمكّن سوق المواد الخام من أن تعايش سوى تعديلات بينية على نطاق أسواق "مصارعة الثيران". وانخفضت أسعار المعادن خلال الأسبوع الماضي بناء على أسعار التداول القياسية الأسبوعية. وأغلق سعر الذهب الأسبوع الماضي عند 552.40 دولار للأوقية أي أقل من المعدل القياسي الأخير الذي حققه عقب 25 عاماً، والذي بلغ نحو 574.60 دولار للأوقية.
وفي حالة توجّه الازدهار الاقتصادي العالمي إلى التراجع نظراً لرفع سعر الفائدة، واستمرار ارتفاع أسعار النفط على المدى البعيد، فإن أسهم الدول النامية الواعدة هي أول من سيصيبها هذا الضعف. ويتجه نحو أكثر من نصف أرباح تلك الأسواق إلى حساب أسهم المواد الخام، برغم أن هذه الأسهم وحدها تشكّل نحو ربع رأسمال الأسواق في بورصات الدول الناشئة، حسب تقديرات البنك الألماني. وتكتمل دائرة رأس المال السوقية بسرعة في الدول النامية الواعدة تلك و أولاها أسواق روسيا، وأمريكا اللاتينية وخاصةً البرازيل، وجنوب إفريقيا، وكذلك تركيا، وإلى حدٍ ما الهند، والصين. وعلى أية حال، فإنه يُنصح على الدوام بأسواق البرازيل، وروسيا فيما يتعلّق بالاستثمارات المالية، ففي الحقيقة تستفيد السوق الروسية مباشرةً من ارتفاع سعر برميل النفط الأخير إلى نحو 59.20 دولار من خام "وست تكساس" . وأدت التطورات السياسية و اشتعال الخلاف مع إيران و أحداث العنف في نيجيريا إلى وضع نهاية لاتجاه انخفاض أسعار النفط. إلا أن أسواق الدول النامية الواعدة تبدو مهددة إلى حدٍ ما ببعض التعديلات عليها، حيث تسجّل قابليتها للتقلّب دوماً أقل من المعدل التاريخي بوضوح، ولهذا فإن على المرء ألا يعتريه الخوف والقلق، حسب استنتاجات بنك "سيتي-جروب". ومن يريد حماية نفسه أكثر، يمكنه أن يتحوّل إلى الأسواق الأقل تعلّقاً بالوضع الاقتصادي في الشرق الأقصى من بين أسواق الدول النامية الواعدة .
وتُعد أسواق الأسهم الأوروبية بالأخص الأقل عُرضةً للتعديلات الحادة بصورةً عامة، حيث يمكث حجم قابليتها للتقلّب باستمرار أقل بوضوح من المعدل التاريخي. وبناء عليه، تجد أسواق الأسهم الأوروبية نفسها على الأرجح و كأنها وسط حلبة لمصارعة الثيران، كما كانت الحال في فترة التسعينيات. وفي المقابل: تشير "قابلية التقلّب" المتدنية إلى أن أرباح أسعار الأسهم في أوروبا تعود إلى معطيات أساسية جيدة، ولم يتم العمل على تضخمها عن طريق السيولة النقدية الفائضة.
وبرغم أن أسواق بورصات الأسهم الأوروبية، وكذلك سوق الأسهم الأمريكية، وصلت إلى أعلى معدل سعري جديد منذ حدوث مراكز فقاعات التكنولوجيا الحديثة، فإن هذا يستدعي توطيد الشعور بالثقة. ومن الممكن مع إعلان الكثير من المؤشرات الاقتصادية هذا الأسبوع في أوروبا، ومنها قائمة مؤسسة بحث السوق ومناخ الشركات، أن يشير ذلك إلى استمرار الانتعاش الاقتصادي. وإلى جانب تأثير ذلك على المتداولين و المستثمرين بالحماس، فهو ذات التأثير، أو بالأصح أكثر على نشاطات استحواذ الشركات القوية في أوروبا. وبالتالي فإنها المرة الأولى منذ فترة طويلة، التي يعتمد بها مديرو الصناديق المالية الدوليون على بورصات الأسهم الأوروبية من جديد أكثر من الاعتماد على سوق الأسهم اليابانية، حسب ما أشارت إليه نتائج دراسة قامت بها مؤسسة، ميريل لونش.