الأوروبيون خلافاً للأمريكيين يبتعدون عن الاستهلاك خوفاً من المستقبل

الأوروبيون خلافاً للأمريكيين يبتعدون عن الاستهلاك خوفاً من المستقبل

أجرى هانو بيك من صحيفة "فرانكفورتر ألجماينة" الألمانية حوارا مع جون ليويلاين الخبير والمدير الاقتصادي في مؤسسة ليهمان براذرز المالية العالمية، تحدث فيه عن نظرية "كِنز" الاقتصادية وتطبيقها في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

سيد ليويلاين، ما الدور الذي لعبته سياسة الأموال وخزائن الدول الحكومية عالمياً خلال الأعوام الماضية؟
شهدنا خلال الأعوام الماضية أحد أكبر البرامج الاقتصادية التابعة لنظرية كِنز، التي تُطبّق منذ فترة طويلة: لقد شهدت السياسة المالية للخزائن الحكومية خلال الأعوام الثلاثين الماضية اتساعاً لم يسبق له مثيل، وبدت السياسة المالية خلال الأعوام العشرين الماضية مرنة وغير صارمة إلى حدٍ كبير.

وماذا كانت النتائج؟
لا يمكنني ذكر النتائج بدقة تامة، ولكني أعتقد أنه يمكن للمرء أن يقول، إن سياسة نظرية كِنز الاقتصادية أسهمت في انفجار البورصات خلال تحوّل الألفية، مما أدى إلى إصابة العالم بأكمله بضربة قوية.

إلا أن هذا لم يكن دون دفع الثمن: أدت هذه السياسة إلى رفع حجم تضخّم أسعار الموجودات بصورة هائلة، وخاصةّ في قطاع أسواق المنازل.
صحيح. فعندما يرتفع حجم المال، عندها من الطبيعي أن يشهد الاقتصاد الوطني تضخّماً مالياً، ويعمل هذا التضخّم المالي على دفع حركة التصدير، وتحفيز الوضع الاقتصادي. ولكن بالطبع لا تسري هذه الآلية على هذا النحو في كافة أنحاء العالم، بالطبع تؤدي هنا إلى ارتفاع حجم المال المتزايد، والأسعار، وقيم الموجودات. ولكن في النهاية هذا ما أردناه باتخاذ هذه السياسة.

لماذا؟
خذ مثلاً المستهلك الأمريكي: لقد أصبح ثرياً بفضل ارتفاع أسعار العقارات، وحقق نحو 600 مليون دولار نتيجة الأرباح عن طريق الممتلكات العقارية، واستخدم جزء من تلك الأموال، بهدف تقليص حجم المديونية لديه، أي أنفق نحو ثلث تلك الأموال، وبالتالي ساعد على دعم الوضع الاقتصادي الأمريكي.

ولكن يبدو أن ما ينجح في الولايات المتحدة لا يشترط أن يحقق نجاحا مماثلا في أوروبا.
لقد كانت الشروط النقدية في أوروبا مرنة بصورة مماثلة، وكذلك ارتفاع أسعار العقارات الأوروبية نقطتين مقارنتين بالوضع الاقتصادي الأمريكي. ولكن الفرق الأساسي يكمن في تحفّظ المستهلكين الأوروبيين: بينما أنفق الأمريكيون جزءاً من ثروتهم العقارية الجديدة في الاستهلاك، ويبدو أن المستهلكين الأوروبيين لم يفعلوا بالمثل. إن الأوروبيين يخافون المستقبل بصورة كبيرة، لهذا يبتعدون عن الاستهلاك.

هل يعني هذا فشل نظرية (كنز) ؟
يمكن القول إننا توصّلنا إلى حقيقة أن هذه السياسة ليست متينة إلى حدٍ كبير، أو على الأقل كما تمنينا وتوقّعنا. وإذا لم يرِد الناس إنفاق المال، فإنه لا يمكن لأحد أن يجبرهم على فعل ذلك. فنحن نستطيع - على سبيل المثال- إجبار الحصان علي شرب الماء لكننا لا يمكن أن نجبرها على الإسراف في الشراب.

ولماذا يرفض المستهلك الأوروبي الإقبال على الاستهلاك؟
يذكر الخبراء الاقتصاديون معادلة النظرية التابعة للعالم رِكاردو: فعندما يرى المواطنون أن النفقات الحكومية متزامنة مع ارتفاع في حجم الضرائب، لا يجدون مخرجاً سوى تغيير سلوكياتهم، إضافة إلى أن الأوروبيين لديهم مشكلة في الثقة: فمن يخشى أن يفقد وظيفته، ويؤمن بصعوبة إيجاده وظيفة أخرى، حينها لن تكون لديه الرغبة في الاستهلاك. أنا أعتقد أن أوروبا لن تنجح إن لم يتم تطبيق خطط إعادة هيكلة في البنية التحتية.

وهل يمكن الاعتماد على تلك السياسة في تطبيق مثل تلك الخطط؟
هذه بالتأكيد مشكلة: تتصف خطط إعادة الهيكلة غالباً بمواصفات مربكة، بحيث تزداد سوءاً، قبل أن يتحسّن كل شيء، فمن من الساسة سينتقي مثل هذه السياسة لخليفته؟

كأنني أشعر أنك متشائم؟
ليس بالضبط، حيث اتفق الأوروبيون منذ فترة طويلة على إحدى أكبر خطط إعادة الهيكلة: وسيبدأ الاتحاد الأوروبي مع التوسعة التي تضم دول الشرق بـ "زمن الواقعية" في دول أوروبا. ومن الضروري إطلاق خطط إعادة الهيكلة بالنظر إلى مثل هذه الحركة المفاجئة.

لا بد أن هذه السياسة ستجتذب مظاهر حركة حماية الاقتصاد الداخلي.
ربما على مدار فترة قصيرة من الزمن، ولكن لن تنجح هذه الحركة على المدى الطويل: لا يمكن محاربة التضاريس الجغرافية الواقعية لمدة طويلة، أتباع هذه الحركة يتخذون وُجهة نظر قصيرة جداً.

الأكثر قراءة