بدء الصراع.. الجولة الثانية
> نادرا ما يصرح أحد الزعماء الوطنيين تصريحا على مضض أو غريبا مثل إقرار حميد كرزاي بضرورة إجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في أفغانستان. واستغرق الأمر أياما من التهويل من جانب الدبلوماسيين الغربيين- وجولة طارئة في اللحظة الأخيرة حول حدائق القصر الرئاسي مع عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، جون كيري، لإقناعه بقبول هذه النتيجة للجولة الأولى المتنازع عليها.
وقد زادت حدة الضغوط الأجنبية عليه بعد أن أمرت هيئة مراقبة انتخابية بتخفيض نسبة الأصوات الأولية التي حصل عليها، البالغة 55 في المائة، بسبب الغش الهائل في الانتخابات لصالحه. فقد كانت نحو ثلث الأصوات التي حصل عليها كرزاي، البالغ عددها 3.1 مليون صوت، مزورة، وفقا لتحليل منظمة Democracy International، وهي هيئة أمريكية لمراقبة الانتخابات. إلا أن كرزاي لم يقبل هذا أمام شاشات التلفزيون قبل أسبوع. ولم يكتف بعدم الاعتراف بحجم التزوير، بل زعم أيضا أنه تم ''التشهير'' بالانتخابات بصورة غير عادلة، ولمّح إلى أن لجنة الشكاوى الانتخابية، الهيئة المعينة من قبل الأمم المتحدة للتحقيق في التزوير، ستواجه في النهاية التحقيق بشأنها.
يذكر أن استعداده للموافقة على جولة إعادة ضد أقرب منافسيه، عبد الله عبد الله، وزير الخارجية السابق، كان جيدا بما فيه الكفاية بالنسبة لأمريكا وحلفائها. فقد بدأوا على الفور بإغداق الثناء على ما وصفه جوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني، ''بيان من قبل رجل دولة محنك''. وجاء هذا الارتياح بعد أيام من القلق من أن يثير كرزاي أزمة كارثية إذا رفض نتائج لجنة الشكاوى الانتخابية. إلا أن البعض في كابول لم يفهم أسباب الثناء على كرزاي لمجرد أنه وافق على اللعب حسب قواعد اللعبة- قال أحد الدبلوماسيين إن ''الأمر أشبه بتهنئة شخص لأنه ذهب للسجن''. إلا أن القادة الغربيين استنتجوا أن النفاق ثمن زهيد لا بد من دفعه، وإلا سيكون جنودهم يقاتلون من أجل رئيس مارق يتجاهل القانون ويسرق الانتخابات.
وأشاد جون كيري، الذي يتولى تشجيعه في كابول، ''بالقيادة الحقيقية'' لكرزاي. وكان كيري في كابول بوصفه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. وقد أمضى معظم وقته مع كرزاي، الذي ظل على قناعة تامة بأنه فاز بالانتخابات في 20 آب (أغسطس) بصورة عادلة ونزيهة. وقد سد السيناتور الفجوة التي تركها ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص للرئيس باراك أوباما إلى أفغانستان وباكستان، والذي لم تتم رؤيته في كابول منذ الخلاف مع كرزاي بعد الانتخابات مباشرة. وأثار ذلك شائعات أنه تم إبلاغ هولبروك, المعروف بفظاظته, أنه ليس مرحبا به في أفغانستان. ومع ذلك، أوصل كيري وغيره لكرزاي أيضا رسالة صارمة. فقد حذروه أنه قد يحول أمريكا إلى عدو له.
وقد أبقت هذه الدفعة الدبلوماسية كرزاي كاحتياط، وأنقذت في الوقت الراهن الانتخابات المشوهة بصورة كبيرة بحيث إن البعض يقول إنه يجب إلغاءها تماما. ومكّن تراجع كرزاي Kai Eide، الذي يترأس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، والذي تم انتقاده بسبب نهجه المتساهل حيال التزوير، بالقول إن النتيجة ''أثبتت أن المؤسسات ناجحة''. وهذه صحيح جزئيا - تمكنت لجنة الشكاوى الانتخابية، التي تضم عددا كبيرا من المفوضين الأجانب والخارجة عن سيطرة كرزاي، من كشف التزوير واسع النطاق وتقليل أغلبية الرئيس (مع أن البعض يعتقد أن الحجم الفعلي للغش أكبر من ذلك). إلا أنها واجهت معارضة شديدة من جانب كرزاي واللجنة الانتخابية المستقلة. فقد تجاهلت هذه اللجنة، المليئة بأشخاص معينين من قبل كرزاي، الإجراءات الوقائية التي نشرتها حول القضاء على صناديق الاقتراع المشبوهة، من أجل رفع نسبة الأصوات الأولية للرئيس إلى أعلى من 50 في المائة. وهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن موظفي اللجنة الانتخابية المستقلة الذين يعملون في مراكز الاقتراع كانوا متواطئين في حشو صناديق الاقتراع. ولا تزال المنظمة، التي ستحتفظ بسيطرتها الكاملة على الجولة الثانية، تنفي حجم التزوير. ويقول رئيسها، Azizullah Ludin، إن مشكلات الجولة الأولى كانت ناتجة عن سوء الأوضاع الأمنية، حيث لم يعترف إلا بحدوث ''بعض التزوير''.
وحسب واقع الأمور، ستحدث الجولة الثانية مع المشكلات الأساسية نفسها. والسجل الانتخابي مليء بملايين البطاقات الانتخابية غير القانونية، ومن المرجح أن يؤدي التمرد المنتشر في أجزاء كبيرة من الجنوب إلى تخفيض نسبة الإقبال بصورة أكبر. علاوة على ذلك، فإن المواطنين الآن متشائمين بشكل كبير بشأن حجم التزوير، ويعتقد الكثيرون أن الانتخابات لا تستحق التصويت. وسلطت العنف الذي مارسته طالبان خلال الجولة الأولى الضوء على مدى خطورة الذهاب إلى مراكز الاقتراع. ولن يكون هناك أيضا، كما في الجولة الأولى، انتخابات محافظات في اليوم نفسه لزيادة الأعداد.
ووفقا لمنظمة Democracy International، تم الإدلاء بـ 4.3 مليون صوت صحيح فقط (من أصل نحو 15 مليون ناخب مؤهل) في الجولة الأولى. وإذا انخفضت نسبة المشاركة ولو قليلا، قد يكافح الرئيس المقبل للحصول على أكثر من مليوني صوت. وقد يعرقل الشتاء المبكر التصويت إذا أدت الثلوج إلى قطع طريق الوديان في المناطق الجبلية في الدولة.
ولعل أكبر مشكلة هي اللجنة الانتخابية المستقلة نفسها، الهيئة التي تعتبر متحيزة جدا لكرزاي ومتواطئة في عملية التزوير بحيث إن بعض المحللين يقولون ألا جدوى من إجراء انتخابات أخرى تحت رعايتها. ويقول Martine van Bijlert، من شبكة المحللين الأفغان الفكرية، إنه دون إحداث تغييرات كبيرة، سيشعر الناخبون أن اللجنة الانتخابية المستقلة، وليس أصواتهم، هي التي ستحدد النتيجة. ودعا موظفو الأمم المتحدة إلى إقالة آلاف المسؤولين في اللجنة الانتخابية المستقلة، خاصة أولئك الذين غضوا الطرف عن التزوير. إلا أن اللجنة الانتخابية المستقلة هي فقط التي تستطيع اتخاذ مثل هذا القرار. وبما أنه لم يتبق سوى أسبوعين على الانتخابات، من المستحيل إجراء إصلاح مناسب، خاصة بما أن الرجل الوحيد الذي يملك صلاحية تعيين وطرد مفوضيها هو كرزاي نفسه.
إن التوقعات لإجراء جولة ثانية ناجحة قاتمة للغاية بحيث إن معظم المحللين يعتقدون أنها لن تحدث على الإطلاق. ولا يزال بعضهم متشبثا بالأمل بأن يتصالح كرزاي وعبد الله ويشكلان حكومة ائتلاف، مع أن كلا الرجلين استبعدا هذا الاحتمال. أو قد ينسحب عبد الله مقابل وعود من كرزاي بإقرار الإصلاحات الدستورية التي يريدها، والتي ستأخذ السلطة من الرئاسة. وربما يستدعي هذا الثناء باعتباره حنكة سياسية >