التمويل بالمرابحة والمضاربة ينتشر في المؤسسات الأوروبية
ظهر في السنوات الأخيرة نوع من التمويل بين مؤسسات الإقراض والمستثمرين في أوروبا، ألا وهو التمويل الإسلامي، أي التمويل المستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية. ففي أوروبا يعيش حاليا أكثر من 15 مليون مسلم ، كما أن تعاظم الثراء في بعض الدول العربية ، وما يقترن بذلك من رغبة في التوفيق بين الثروة ومبادئ الدين الإسلامي الأساسية التي تشمل كافة مناحي الحياة من روحية ودينية واجتماعية وأخلاقية، مكنا البنوك الإسلامية من تحقيق معدلات نمو كبيرة . وفي مطلع عام 2005 افتتح بنك الاستثمار الإسلامي الأوروبي في لندن كأول مؤسسة مالية غربية تقوم على قاعدة مبادئ الاقتصاد والشريعة الإسلامية المرتكزة على القرآن الكريم. وفي تموز (يوليو) 2005 طرحت ولاية زاكسن- أنهالت الألمانية ولأول مرة في أوروبا سندات قرض أيضاً وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية بقيمة اسمية قدرها 100 مليون يورو، وقد سبق ذلك ، في آذار (مارس) 2000 أن دشن البنك التجاري الألماني كوميرس بنك ما سماه "صندوق الصقور" الأوروبي للأسهم من خلال شركة كوم أنست لإدارة الأصول المالية لأول صندوق مالي يدار وفقاً للمبادئ الإسلامية.
إن القاعدة الأساسية المعروفة للنموذج المالي الإسلامي هي حظر التعامل بالربا، والربا مرادف لسعر الفائدة ، حيث إن نمط التمويل الوحيد المسموح به إسلاميا هو التمويل بلا فوائد، وبالتالي فإن منح القروض يتم على أساس تراكم المخاطر ، ويرتبط بذلك أيضاً تحريم الميسر، والمضاربة والمراهنة وألعاب الحظ، كما يطول التحريم كذلك المشتقات المالية والعقود الآجلة وعقود المستقبل. وأما ضمان مطابقة الإجراءات في ذلك كان مع ما تنص عليه الشريعة فيخضع لرقابة مجلس يتكون من ثلاثة أعضاء على الأقل ممن تنطبق عليهم صفة الخبراء أو العلماء.
إن تراكم المخاطر المسموح به ينعكس على شكل ربح أو بالأحرى نموذج مشاركة ، يستند إلى مبدأ " المضاربة" وهو عبارة عن عقد بين طرفين، يضع صاحب رأس المال المبلغ المطلوب بصفته ممولاً تحت تصرف المضارب كصاحب للمشروع. ليستثمره في الوجه المتفق عليه، وليعيد بعد انتهاء فترة التمويل وبموجب الحصص المتفق عليها في العقد، الربح المتحقق للممول. أما إذا لم يحقق المضارب أي ربح أو إذا لحقت به خسارة فعلى ( صاحب رأس المال ) أن يتحملها وفي حدود لا تزيد على رأس المال المقرض. ومن الأساليب التمويلية المتبعة إسلاميا أسلوب ( المشاركة) الذي يأخذ شكل الجهد المشترك لتمويل مشروع قائم أو مشروع جديد. وفي هذا النوع من التمويل تشترك الأطراف المعنية في الأرباح كما في الخسائر، بما يتناسب والمعادلة المتفق عليها، وغالباً ما يكون ذلك على أساس نسبة حصص كل من المشاركين.
وهناك أيضاً أسلوب المرابحة حيث ينقل البنك وعلى حسابه الخاص ملكية المشروع العائد أصلاً لطالب القرض ليصبح ملكاً للبنك ثم يعود البنك فيبيع المشروع لطالب القرض بمبلغ متفق عليه يضاف إليه هامش محدد، وهو ما يعرف باسم كلفة التمويل مضافاً لها هذا الهامش. ويمكن أن يأخذ هذا الأسلوب من أساليب التمويل صوراً مختلفة – حسب برنامج تسديد الأقساط ومواعيد استحقاقها.
إن استغلال المشروع في المدى البعيد ، كنوع من أنواع الاستئجار والمعروف باسم الإجارة و(الإجارة والاقتناء) يتيح فرصة إعادة الشراء بعد انتهاء فترة الاستئجار . أما موضوع الاستثمار (المشروع) واستخداماته فيجب أن ينسجم مع تعاليم الشريعة وينبغي ألا تكون له أية علاقة بالمنتجات الكحولية أو أي منتجات أخري تتعارض مع الشريعة الإسلامية .
إن النية في تحقيق الأرباح أمر مسموح به وجائز، ولكن الأطراف المشتركة في التمويل يجب أن تتقاسم المخاطر بطريقة سليمة، وبالعكس فإن توزيع الحصص باتفاق مسبق وعلى أسس أنصبة معلومة سلفاً هو أمر غير جائز إسلاميا. إن التمويل الإسلامي معني قبل كل شيء بالنهوض بالمشروعات وليس بمجرد المشاركة الرأسمالية الصرفة في المشاريع الاستثمارية.
- محام ومستشار ضريبي وشريك في مكتب استشارات في مدينة فرانكفورت الألمانية.