ليس هناك غصن زيتون
يقول محمد أبو عوض، مدرس الزراعة المتقاعد وأب لـ 14 طفلا، وهو ينظر بكآبة إلى الحقل المدمّر: ''ما الذنب الذي اقترفته الأشجار؟'' فلم يكن قد تبقى من البستان الخصب الذي كان يوفر في السابق كثيرا من حبات الزيتون الكبيرة كل عام سوى جذوع فضية ملتوية.
وجاء المخربون في الليل من مستوطنة Adei Ad، المستوطنة اليهودية التي تعد ''غير قانونية'' حتى من قبل الحكومة الإسرائيلية، بالقرب من مستوطنة شفوت راحيل في الضفة الغربية التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي ولكن ليس بموجب القانون الإسرائيلي. وعمل المستوطنون بسرعة دون أن ينتبه إليهم أحد من أصحاب الأراضي الفلسطينيين في قرية المغير العربية القريبة، وقطعوا نحو 200 شجرة زيتون، يملك أبو عوض 70 منها. ونتيجة لذلك، يعتقد أنه خسر دخلا بقيمة تقارب 3400 دولار كان يمكن أن يجنيها من محصول هذا العام. إلا أن هذا ليس كل شيء، فهو يقول وهو يتلمس الجذوع بحزن، والتي تم لفها بالخيش الآن لحمايتها من الشمس: ''لقد زرعت هذه الأشجار بيدي قبل 35 عاما''. ويأمل أبو عوض أن تتعافى أشجاره وتحمل ثمارا مرة أخرى يوما ما. وكما هي العادة في وقت الحصاد، زادت حدة التوتر بين المزارعين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود. فأشجار الزيتون تحرك مشاعر الفلسطينيين بعمق، حيث إنها رمز نضالهم وجزء حيوي من اقتصادهم الريفي. ووفقا لوزارة الزراعة الفلسطينية، تم قطع أو حرق أو اقتلاع 500 ألف شجرة زيتون في المنطقة منذ بدء الانتفاضة الثانية عام 2000. وقد قطع الجيش الإسرائيلي الأشجار في مساحات شاسعة من البساتين لإنشاء مناطق مفتوحة في قطاع غزة وعلى طول الجدار الأمني الذي يتم بناؤه في الجانب الغربي من الضفة الغربية، الذي يأخذ أجزاء كبيرة غالبا من الأراضي الفلسطينية. وقطع الإسرائيليون أيضا آلاف الأشجار بالقرب من المستوطنات اليهودية. وانتقد الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان مرارا الجيش الإسرائيلي بسبب فشله في إيقاف مثل هذا التدمير, ويقول المستوطنون إن الإرهابيين يختبئون بين الأشجار.
وفي السنوات الأخيرة، تمكن الفلسطينيون على غير العادة من قطف الزيتون تحت حماية الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية. وتقول الجمعيات الخيرية التي تساعد المزارعين إن الجيش يأخذ هذه المهمة على محمل الجد، حيث يسمح للفلسطينيين بالحصاد دون التعرض لمضايقات المستوطنين. ولكنها تنتقد الجنود الذين يضايقون المزارعين لكي يسرعوا في القطف وتقول إن بإمكان الجنود بذل مزيد من الجهود لحماية الأشجار قبل بدء موسم الحصاد، خاصة في مناطق التوتر بالقرب من المستوطنات المتطرفة أيديولوجيا. وينتهج كثير من المستوطنين ''سياسة بطاقات الأسعار'' (الانتقام لأجل كل عملية إخلاء عن طريق مهاجمة الفلسطينيين و/أو الجنود)، حيث يحرضون عن عمد على العنف والفوضى بحيث يتردد الجيش الإسرائيلي والمؤسسة السياسية في اتخاذ إجراءات، مثل إخلاء المستوطنات ''غير القانونية'' التي يزيد عددها على 100، خوفا من تصاعد العنف. ومع تزايد الانتقادات الدولية، حتى في أمريكا، وعد عديد من الحكومات الإسرائيلية بتفكيك البؤر الاستيطانية ولكنها لم تفعل كثيرا حتى الآن. ويعارض المستوطنون بشكل عام عملية السلام، لأنها قد تعني طردهم. لذا كلما ظهرت دلائل على المفاوضات يزيدون هجماتهم على أشجار الزيتون، وأشياء أخرى. فهم يريدون أن يثبتوا أنهم يسيطرون على الأرض.
وشجعت الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو المستوطنين بصورة واضحة. ويقول أحد القرويين الفلسطينيين في قرية المغير: ''إنهم الآن لا يخشون أحدا''. وحين يدعم السياسيون الذين يتولون الحكم المستوطنين، لا يشعر الجنود الإسرائيليون بأنهم ملزمون بحماية المزارعين الفلسطينيين. ويقول أبو عوض إنه عازم على القتال من أجل الحفاظ على أرضه. ويضيف: ''سأنام في أرضي لحمايتها. وسأطلب من أطفالي أن يدفنوني، إذا لقيت حتفي، في البقعة التي تمت فيها إراقة دمائي. فأنا أعشق أرضي''