أمريكا على حافة انهيار ديموغرافي يهدد مستقبل الاقتصاد والتعليم
أمريكا على حافة انهيار ديموغرافي يهدد مستقبل الاقتصاد والتعليم
تقترب الولايات المتحدة من تحول ديموغرافي كبير، حيث تبدأ آثار انخفاض معدل المواليد في الظهور بوضوح، ورغم بلوغه ذروته في 2007، بأكثر من 4.3 مليون طفل، إلا أن هذا العدد بدأ يتراجع تقريبًا كل عام.
عدد المواليد بلغ 3.8 مليون في 2017، ثم إلى 3.6 مليون فقط في 2023، وهو أدنى مستوى في 30 عامًا، والآن، أولئك المواليد على مشارف مرحلة البلوغ، وهذا ينذر بواقع جديد، يضع الجامعات، وسوق العمل، والاقتصاد الأمريكي أمام تحديات طويلة الأمد.
وبحسب موقع "بزنس إنسايدر"، قد تواجه القطاعات التي تعاني أصلا نقص العمالة، مثل الرعاية الصحية والزراعة، أزمات حقيقية. ووفقًا لتقرير من شركة لايت كاست المتخصصة بتحليل سوق العمل، فإن تقاعد جيل طفرة المواليد مع انخفاض عدد السكان سيؤديان إلى عجز يبلغ 6 ملايين عامل بحلول 2032.
كما سيتقلص عدد دافعي الضرائب الذين يمولون الضمان الاجتماعي، بينما يزداد عدد المستفيدين منه. ومع جهود الحكومات في سياسات تعزز معدلات الإنجاب، بدأت الجامعات وأرباب العمل في محاولة سد الفجوة. يقول ناثان جراوي، أستاذ الاقتصاد في كلية كارلتون، إن المشكلة "لن تُحل بحل سحري واحد".
حلول سياسية ومحاولات دعم الإنجاب
أصبح التشجيع على الإنجاب موضوعًا سياسيًا بارزًا. فقد وضع ترمب خطة "مشروع واحد جميل وكبير"، يمنح الآباء ألف دولار في حساب استثماري لكل طفل يُولد بين 2024 و2028.
لكن انخفاض عدد السكان ليس مقتصرا على هذه البقعة الجغرافية من العالم فحسب. وفقًا لتقرير صادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة، أصبحت معدلات الخصوبة في العالم دون المعدل المطلوب، وهو 2.1 مولود لكل امرأة، لتعويض نقص السكان. ويعود ذلك في الدول الغنية إلى توفر وسائل منع الحمل، والتعليم العالي، والفرص الوظيفية للنساء. لكن حتى في الدول النامية مثل الهند، ينجبن النساء أيضًا أقل رغم الزواج المبكر وانتشار الإنجاب المبكر.
تقول وفاء أورمان، خبيرة اقتصاديات العمل في جامعة ألاباما في هانتسفيل: "لا أعتقد أن بإمكان الأدوات السياسية إحداث فرق كبير هنا". وتضيف أن الحوافز الاجتماعية، مثل مكافآت المواليد الجدد وإجازات الأمومة والأبوة، تُساعد، لكنها لن تعكس المسار.
الأرقام المعلنة تدفع الكليات والجامعات في البلاد، والتي يبلغ عددها 4 آلاف كلية وجامعة تقريبا، إلى التفكير باستراتيجيات كي لا تندثر.
فالشمال الشرقي من البلاد يعيش أصلا هذا التراجع بسبب الهجرة السلبية وانخفاض الخصوبة. في 2024، أُغلِقت 11 جامعة من أصل 31 في هذه المنطقة. ويتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا أن يصل عدد الإغلاقات إلى 80 بحلول 2029.
ويخلف إغلاق الجامعات اضطرابًا كبيرًا؛ فقد وجدت دراسة حديثة أن أقل من 47% من الطلاب الذين تأثرت دراستهم بسبب إغلاق المؤسسة التعليمية سجلوا في أخرى، ومن هؤلاء، فقط 37% أكملوا دراستهم.
حتى الجامعات التي تصمد قد تواجه ضعفا في الموارد. فالكليات الريفية الصغيرة بدأت تقلص برامجها، ما يقلل من فرص التعليم. في المقابل، تشير توقعات مركز جورجتاون للتعليم وسوق العمل إلى أن 72% من وظائف 2031 ستتطلب تعليمًا بعد الثانوي، بزيادة عن 68% في 2021.
وفي المدن الصغيرة، يعد إغلاق الكليات بمثابة ضربة اقتصادية كبيرة. فعندما أغلقت كلية ويلز، فقدت بلدة أورورا في نيويورك 25% من رجال الإطفاء المتطوعين، واضطرت لدفع 200 ألف دولار لتشغيل محطة مياه كانت تديرها الكلية.
والتأثير يتجاوز التعليم. فقد أظهر تحليل من "إمبلان" عام 2024 أن كل إغلاق جامعي يؤدي في المتوسط إلى فقدان 265 وظيفة، و14 مليون دولار من دخل العمال، و21 مليونًا من الناتج المحلي الإجمالي، و32 مليونًا من النشاط الاقتصادي العام.
مستقبل الاقتصاد الأمريكي
بحسب تقرير جديد لمكتب الميزانية في الكونجرس، سيتجاوز عدد الوفيات عدد المواليد بحلول 2033، ما يعني انخفاضًا سكانيًا عامًا وشيخوخة متزايدة. سيؤدي هذا إلى تراجع نمو القوة العاملة، وبالتالي بطء في النمو الاقتصادي، كما حدث في اليابان.
في اليابان، أدى التراجع في معدل الخصوبة إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي، ودفعت الدولة الثمن بهبوطها من المركز الثالث إلى الرابع اقتصاديًا خلف ألمانيا.
لو كان الانحدار في عدد السكان يحدث في الولايات المتحدة دون غيرها، لكانت مهددة بخسارة مكانتها بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم. لكن التراجع السكاني يؤثر على غالبية دول العالم.
لكن الشيخوخة السكانية تعني بطء الابتكار، فكما تقول أورمان: "غالبية الابتكارات تنبع من عقول الشباب".
الأمل في التكيف
الخبر المشؤوم: العودة إلى المستويات السابقة في معدل المواليد مستحيلة، ولا توجد سياسة تستطيع قلب هذا المسار. وحدها الهجرة قادرة على تعويض الانخفاض السكاني، لكنها خيار سياسي صعب.
الخبر السار: بدأت سياسات بعض المؤسسات تظهر بوادر نجاح، إذ نجحت جامعة مونتانا، التي فقدت 40% من طلابها بين 2011 و2019، في التكيف باستهداف فئات طلاب أخرى، وتحسين معدل استمرار الطلاب في الدراسة، والتعاون مع الشركات المحلية. والنتيجة: 8 فصول من النمو المتتالي في معدل الالتحاق، ومعدل استمرار الطلاب وصل إلى 74.8%، وهو أعلى من المتوسط الوطني البالغ 68.2%.