لماذا تتراجع أعداد نحل العسل في الولايات المتحدة بينما تزدهر في الصين؟

لماذا تتراجع أعداد نحل العسل في الولايات المتحدة بينما تزدهر في الصين؟

لماذا تتراجع أعداد نحل العسل في الولايات المتحدة بينما تزدهر في الصين؟
GETTY IMAGE

تشهد الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة في مستعمرات نحل العسل، إذ فقدت نحو 62% من مستعمراتها المُدارة بين يونيو 2024 ويناير 2025، وهو أكبر انهيار مسجل في تاريخ البلاد.

في المقابل، حققت الصين زيادة قياسية 25% لتصل إلى15 مليون مستعمرة، ما عزز مكانتها كأكبر منتج عالمي لمنتجات المناحل.

الباحثون في وزارة الزراعة الأمريكية أرجعوا الكارثة إلى فيروسات ينقلها طُفيلي يُعرف بـ"عثة الفاروا"، التي طورت مقاومة لمبيد أميتراز المستخدم منذ عقود.

هذا التطور جعل المستعمرات الأمريكية بلا دفاع، ما أثار قلقاً بالغاً لدى المزارعين الذين يعتمد ثلث محاصيلهم على التلقيح بواسطة النحل، حسب "ساوث تشاينا مورنينج بوست".

في المقابل، يفسر علماء من الأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية الفجوة الكبيرة بين البلدين بأن السبب يكمن في أسلوب الإدارة. ففي الولايات المتحدة يعتمد مربو النحل على مزارع ضخمة تضم آلاف الخلايا، تُنقل لمسافات طويلة وتُترك لفترات طويلة دون متابعة دقيقة. بينما تميل الصين إلى مناحل صغيرة لا يتجاوز عددها عادة 50، يديرها مربون يقدمون رعاية دقيقة يومية للنحل.

يقول البروفيسور شو شوفا إن المربين الصينيين يراقبون صحة النحل باستمرار، ويبدون حساسية شديدة تجاه أي ضرر، حتى لو أصاب نحلتين فقط. هذا الاهتمام المباشر يحافظ على حيوية المستعمرات.

اختلاف استراتيجيات المكافحة

تختلف استراتيجيات مكافحة الطفيليات بين دولة وأخرى، ففي أمريكا، أظهرت العينات أن جميع العثات صارت مقاومة لمادة أميتراز، مما أعاق السيطرة على الآفة. ووفقا لشو، فإن مربي النحل الصينيين، الذين تعتمد سبل عيشهم بشكل مباشر على صحة الخلية، يستخدمون أساليب متنوعة وتكيفية، حيث يتدخلون مبكرا ويتناوبون على أساليب المكافحة.

وتشمل هذه الأساليب المبيدات العضوية، مثل حمضي الفورميك والأكساليك، بالإضافة إلى البيرثرويدات والأميتراز. وقال الباحثون إن مربي النحل الصينيين يبدّلون أساليبهم بسرعة في حال فشل أحدها، وهو نهج حماية متبادلة يُكبح تكاثر العث ويُبطئ تطور المقاومة.

لكن هذه المبيدات ليست بلا مخاطر، فالاستخدام المفرط أو غير السليم قد يُضعف النحل أو يترك بقايا سامة. لذلك يشدد الباحثون الصينيون على أن تطوير مبيدات فعّالة وآمنة يظل تحديا كبيرا.

في الولايات المتحدة، تسعى وكالة حماية البيئة للموافقة على مبيد جديد قائم على تقنية RNA طورته شركة جرين لايت بايوساينس هذا المنتج يستهدف جينا أساسيا في العثة، ما يسبب شللا سريعا وموتها، مع تحلل مكوناته سريعا في التربة والمياه، ما يقلل المخاطر على النحل والبشر.

التحدي الاقتصادي
بينما يلعب النحل دورا حاسما في الأمن الغذائي، فإن حمايته قد تتراجع أحيانا أمام الأولويات الاقتصادية، كما أشار شو، مستشهدا بمثال إنتاج الصنوبر - فالمبيدات الحشرية التي تُرش ضد آفات أشجار الصنوبر تضر النحل، لكن عوائد الصنوبر تفوق عائدات العسل بأكثر من 100 مرة.

في شهر فبراير من كل عام، يتم نقل 2.5 مليون خلية نحل - أي ما يقرب من 70% من مستعمرات النحل الأمريكية - بالشاحنات إلى كاليفورنيا لتلقيح اللوز - وهو دخل شهري قدره 40 ألف دولار أمريكي لعملية نموذجية تضم 2,000 خلية، بمعدل 200 دولار أمريكي للخلية.

هذا النظام القائم على الترحال يعرّض النحل لمبيدات سامة تُستخدم على نطاق واسع، وغالبا ما تؤدي إلى تسمم غير مقصود للنحل.

يؤكد العلماء أن القضاء الكامل على عثة الفاروا أمر غير واقعي، وأن الهدف يجب أن يكون إبقاء مستويات الإصابة تحت السيطرة لضمان بقاء المستعمرات قوية. غير أن إدخال مبيدات جديدة إلى السوق يواجه عقبات تقنية ومالية وتنظيمية.

وبينما تراهن الولايات المتحدة على الابتكار في التكنولوجيا الحيوية لمواجهة الأزمة، تواصل الصين الاعتماد على الرعاية الدقيقة والتنوع في أساليب الإدارة للحفاظ على حيوية نحلها. وهكذا، تكشف التجربتان عن معضلة عالمية: كيف يمكن التوفيق بين الزراعة التجارية الضخمة وحماية هذا الكائن الصغير الذي يشكل أساس منظومة الأمن الغذائي العالمي.

الأكثر قراءة