سوق الإسكان تتحول إلى ماكينة لصنع المال في الصين.. بائعون يائسون وسياسات تشجع الشراء
عندما قررت تشينج لي بيع شقتها في مدينة جويلين جنوب الصين، قدم لها وكيل العقارات عرضا مغريا: بيع سريع وضمان استلام 900 ألف يوان (125 ألف دولار)، دون أي متاعب. كل ما عليها فعله هو الموافقة على بعض الشروط غير العادية.
طلب منها الوكيل توقيع عقدي بيع منفصلين، والسماح للمشتري بتسجيل أي شخص يريده في وثائق الرهن العقاري - المشتري الاسمي ومقدم طلب القرض.
سرعان ما أخذت الصفقة، التي تمت في أواخر سبتمبر، منحنى غريبا. لم يزر المشتري العقار قط، وتأجل البيع عدة مرات بسبب أعذار واهية. في النهاية، علمت "لي" أن المشتري قد لجأ إلى ثلاثة أشخاص مختلفين لأن البنك رفض أول اثنين منهما بسبب ضعف تصنيفهما الائتماني، بحسب ما نقلته "نيكاي آسيا" عن تقرير نشر على موقع كايشين.
وعندما تم نقل الملكية أخيرا في مارس التالي، بدأت ملامح الخطة تتضح. العقد العلني يُظهر سعر بيع قدره 1.5 مليون يوان، بينما العقد الخاص يظهر السعر الفعلي 900 ألف يوان. هذا السعر المرتفع في العقد الرسمي مكن المشتري من الحصول على قرض عقاري بقيمة 1.3 مليون يوان من البنك.
بعد خصم الرسوم والضرائب، حصل المشتري ليس فقط على العقار، بل أيضا على أكثر من 300 ألف يوان نقدا من القرض العقاري. أدركت "لي" حينها أنها كانت جزءا، دون علمها، من عملية احتيال مالي واسعة تجتاح قطاع العقارات المتعثر في الصين.
مع انهيار أسعار المنازل، تستغل موجة جديدة من المضاربين التفاوت المتزايد بين أسعار البيع المنخفضة والتقييمات الرسمية المرتفعة.
يستغل هؤلاء بائعي العقارات اليائسين والمقترضين الوهميين، للحصول على قروض ضخمة وسحب فرق الأموال نقدا - وهي ممارسة تشوه بيانات السوق، وتقصي المشترين الجادين، كما تحمل البنوك ديونا خطرة قد تتحول لاحقا إلى خسائر مالية كبيرة.
سوق معرضة للاستغلال
سوق العقارات في الصين، التي كانت أحد ركائز الاقتصاد، شهدت تصحيحا منذ أواخر 2021، اتسم بانخفاض الأسعار وضعف المبيعات. هذا التدهور دفع كثير من البائعين إلى تقديم تخفيضات كبيرة لتسريع البيع، ما فتح الباب أمام المضاربين لاستغلال هذه العروض المغرية وتحقيق مكاسب من خلال التلاعب في الصفقات العقارية.
يبحث المشترون في مثل هذه الحالات عن سيولة لدعم أعمال أخرى أو لسداد قروض قديمة. ويستعينون بشركات مالية أو مقرضين لاكتساب المال من قروض عقارية تفوق قيمة العقار الحقيقي.
شيانج لي ، وكيل مخضرم في قوانغتشو، أوضح أن بعض الشركات المالية تُدير هذه المعاملات لمساعدة العملاء على تجنب التخلف عن السداد.
أضاف: "إنهم يبحثون عن منازل بأسعار منخفضة، ويُرشدون العملاء إلى الحصول على قروض ضخمة، تستخدم بعد ذلك لسداد ديونهم.. هذا النوع من "الخداع المالي" تغذيه قوتان: بائعون يائسون، وسياسات حكومية لتشجيع الشراء.
خفضت بكين متطلبات الرهن العقاري لإنعاش الطلب، وفي مايو 2024 خفضت الجهات التنظيمية الحد الأدنى للدفعة الأولى للمشترين لأول مرة إلى 15%، ثم توسع القرار في سبتمبر ليشمل جميع المشترين، ما أدى إلى خفض رأس المال اللازم للحصول على قرض ضخم.
وبموجب القواعد السابقة، كان الحصول على قرض بقيمة مليوني يوان يتطلب عقارا قيمته 2.86 مليون يوان، أما الآن، فيكفي أن يقيم العقار بـ 2.36 مليون يوان فقط، والنقطة الأساسية هي اتساع الفجوة بين تقييم العقار وقيمة بيعه الفعلية.
قال مدير في شركة مالية صغيرة بمدينة شنجن: "كثير من البائعين يحتاجون إلى سيولة سريعة ويبيعون بأسعار مخفضة بشكل كبير. من الشائع أن تُباع العقارات أقل 15% من قيمتها التقديرية، وأحيانا 30%".
عادة ما تقيم البنوك العقارات بناء على متوسط الأسعار في مجمعات السكنية. ولكن في ظل تراجع السوق، تبقى هذه التقديرات مرتفعة، خاصة للوحدات غير المرغوبة، ما يفتح الباب لاستخدام عقود وهمية.
الجانب الأكثر ظلمة في هذا المخطط هو استخدام مقترضين بديلين - أفراد يتمتعون بتصنيف ائتماني جيد ويتقاضون رواتب لتوقيع المستندات والتظاهر بأنهم مشترين.
وفقا لأحد العاملين في شركة في مدينة هويتشو، تحتفظ شركة مالية محلية بمجموعة تضم نحو 50 فردا، معظمهم من المهاجرين الريفيين من مقاطعة فوجيان. تزور هوياتهم من خلال سجلات وهمية للتوظيف والتاريخ المصرفي. بمجرد اختياره، يوقع المقترض على وثائق القرض ويحصل على ما يصل إلى 30% من فائض القرض كتعويض.
قال مدير الشركة المالية في شنجن: "كثير منهم شباب وفقراء، ويعتبرون هذا كنزا لا يفوت. حتى لو أُدرجوا لاحقا في القوائم السوداء، فإنهم يعتقدون أن الأمر يستحق المجازفة".
غالبا ما يلتزم المشترون بسداد أقساط القروض لبضعة أشهر لتجنب المسؤولية الجنائية، ثم يتخلون عمدا عن السداد بينما يتحمل المقترض بالنيابة العواقب وحده.
تتجاوز التداعيات حالات التخلف الفردية عن السداد. صرح أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد البنوك بأن هذه الممارسة تقوض مصداقية بيانات العقارات، التي تستخدمها البنوك لتقييم مخاطر الإقراض. أضاف: "عندما تُصبح العقارات أدوات لاستخراج القروض، ينهار نموذج تقييم المخاطر بأكمله".