كاليفورنيا الأمريكية تتفوق اقتصاديا على اليابان .. هل انتهت قصة صعود الساموراي؟
كثيرا ما تتصدر ولاية كاليفورنيا الأمريكية عناوين الأخبار لأسباب سلبية، من حرائق الغابات المدمرة، وأزمات التأمين التي تعصف بالشركات، إلى تفاقم أزمة المشردين والارتفاع الجنوني في تكاليف المعيشة.
رغم كل ذلك، سجلت الولاية أخيرا إنجازا اقتصاديا غير مسبوق، دق ناقوس الخطر في طوكيو، فقد تفوقت كاليفورنيا على اليابان، وأصبحت رابع أكبر اقتصاد في العالم، بإجمالي ناتج محلي بلغ 4.1 تريليون دولار، مقارنة بـ4.02 تريليون دولار لثاني أكبر اقتصاد آسيوي.
الفارق بين القيمتين لا يبدو كبيرا، وقد يعزى لتقلبات في أسعار العملات بين الين الياباني والدولار الأمريكي أو إلى عوامل سوقية مؤقتة، لكن كثيرا من الخبراء يرون أن ما حدث يحمل رمزية عميقة.
يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور ليما بيرن، أستاذ الاقتصاد المقارن: "كاليفورنيا مجرد ولاية أمريكية، بينما اليابان كانت ذات يوم نموذجا عالميا للانتعاش الاقتصادي. تفوق كاليفورنيا ليس فقط مؤشرا على صعودها، بل هو أيضا انعكاس للركود طويل الأمد الذي يعانيه الاقتصاد الياباني، فضلا عن التحديات الديمغرافية الخطيرة المرتبطة بشيخوخة السكان".
عوامل أعمق وأطول أمدا
يؤكد عدد من المحللين أن تراجع اليابان في التصنيفات الاقتصادية العالمية لا يعود فقط إلى ضعف الين، بل إلى عوامل أعمق وأطول أمدا.
لـ"الاقتصادية" يقول جيسون بيرك، الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي الآسيوي: "على مدى العقود الثلاثة الماضية، عانى الاقتصاد الياباني تباطؤا مزمنا في النمو، وضغوطا انكماشية، وتراجعا ديموغرافيا حادا، فقد انخفض عدد سكان اليابان العام الماضي بنحو 900 ألف نسمة، ليصل إلى 120 مليون نسمة، في حين واصل اقتصاد كاليفورنيا، المدعوم بقطاع تكنولوجي ضخم وبنية تحتية تشجع على الابتكار، نموه وتأثيره العالمي. الفارق هنا ليس مسألة مالية بحتة، بل يمثل انعكاسا حقيقيا لتباين المسارات طويلة الأجل".
ما يعزز مكانة كاليفورنيا كذلك، هو حيويتها السكانية مقارنة باليابان، فمتوسط أعمار سكانها أصغر، والمجتمع أكثر تنوعا.
ورغم التحديات المتعددة التي تواجهها، من تكاليف سكن مرتفعة وتفاوت طبقي ضاغط، فإنها تظل جاذبة للمواهب من مختلف أنحاء العالم. فالمهاجرون يشكلون ربع السكان، ويؤدون دورا أساسيا في قطاع التكنولوجيا، حيث إن نحو ثلثي العاملين فيه من أصول أجنبية.
وعلى النقيض من ذلك، تفتقر اليابان إلى هذه الديناميكية. فالمجتمع الياباني لا يزال يواجه صعوبات في دمج العمالة الأجنبية، ويتبنى سياسات هجرة متحفظة، ما جعل اقتصاد البلاد يعاني الجمود ويخسر كثيرا من الحيوية التي ميزته في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تبني المخاطرة الاستثمارية
الدكتورة سونيا كومار، أستاذة النظم الاقتصادية، تلفت النظر إلى بعد آخر لهذا التفوق يكمن في ثقافة الابتكار التي تسود كاليفورنيا.
وتقول لـ"الاقتصادية": إن "النجاح في كاليفورنيا ينبع من جرأة في تبني المخاطرة الاستثمارية، وتنظر الشركات والأفراد إلى الفشل كمقدمة ضرورية للنجاح. الشركات الناشئة في ازدهار، وحتى الشركات الكبرى تعيد ابتكار نفسها باستمرار للحفاظ على تنافسيتها. على العكس، تهيمن ثقافة المحافظة على قطاع الأعمال الياباني، حيث تفضل الاستمرارية والاستقرار الوظيفي على التغيير والابتكار، والتوظيف مدى الحياة لا يزال هو القاعدة".
رغم كل ما سبق، لا يمكن القول إن قصة النجاح اليابانية قد انتهت. لكن من الواضح أن اليابان تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم.
تفوق ولاية أمريكية واحدة عليها اقتصاديا يحمل دلالة قوية، والدرس الأهم الذي يمكن لليابان أن تتعلمه هو أن القيادة في القرن الـ21 تتطلب شجاعة كسر الأنماط التقليدية، وفتح الباب أمام أفكار جديدة، وقبول المخاطرة، وتحقيق المرونة الهيكلية التي تبقي الاقتصاد حيا ومزدهرا.