بعد تخفيض تصنيف أمريكا .. ماذا تعرف عن وكالات التصنيف الائتماني ؟

بعد تخفيض تصنيف أمريكا .. ماذا تعرف عن وكالات التصنيف الائتماني ؟

في خطوة لم تكن مفاجئة للمستثمرين وصناع القرار على حد سواء، خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لأمريكا مساء يوم الجمعة الماضي إلى "Aa1" من "Aaa"، لتحرم أكبر اقتصاد في العالم من آخر تصنيف ممتاز مُنح له من وكالات التصنيف الرئيسية.

قرار "موديز" الذي جاء بسبب عجز الإدارات المتعاقبة عن التعامل مع مستويات الديون المرتفعة وسط زيادة تكلفة خدمة الدين، صدر بعد ساعات فقط من فشل لجنة رئيسية في مجلس النواب في تمرير مشروع القانون الضريبي الضخم، بسبب قلق من تكلفته الضخمة.

هذه الخطوة دفعت "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ" لطرح تساؤل بشأن ما هي هذه الوكالات، وكيف اكتسبت هذه القوة ؟

ما هي وكالات التصنيف الائتماني ؟

تعمل هذه المؤسسات المالية على تقييم قدرة الحكومات والشركات على سداد ديونها، وتمنحها درجات تصنيف تبدأ من "Aaa" (أعلى جودة وأقل مستوى من مخاطر الائتمان) وتنتهي عند "C" (أدنى تصنيف وعادة ما يشير إلى التخلف عن السداد واحتمالات استرداد ضئيلة).

هناك عديد من وكالات التصنيف في العالم، ولكن "إس آند بي" و"موديز" و"فيتش" يعدون الأبرز في السوق، تقول وكالة "إس آند بي جلوبال ريتينجز" التي تأسست في 1860، إنها "توفر الشفافية للأسواق" من خلال "تقديم آراء مستقلة وعالية الجودة بشأن الجدارة الائتمانية"، وفق موقعها الإلكتروني.

من جهتها تقدم وكالة "فيتش" خدمات التصنيف الائتماني للدول والشركات منذ 1923، وتقول إنها "ملتزمة بتقديم قيمة تتجاوز التصنيف، من خلال آراء وأبحاث ائتمانية مستقلة ومستقبلية" وفق موقعها، كما تقدم "رؤى عالمية مصقولة بخبرة السوق المحلية، ومعلومات شفافة للمصدرين والمستثمرين".

أما "موديز" التي تأسست في 1909، فتقدم "رؤى شاملة حول المخاطر لأكثر من 15 ألف عميل في 165 دولة"، بما في ذلك 97% من شركات "فورتشن 100"، وهي قائمة تضم أكبر 100 شركة أمريكية من حيث الإيرادات، وفق موقعها الإلكتروني.

اكتسبت وكالات التصنيف قوتها من خلال الاعتراف الواسع بالتقارير والتصنيفات التي تصدرها في الأسواق، والاعتماد عليها من قبل المؤسسات والمستثمرين.

كيف يؤثر خفض التصنيف في الدول ؟

تتمتع وكالات التصنيف الائتماني تقليديا بقوة هائلة على المقترضين المحتملين. فالحصول على تصنيف استثماري أو فقدانه، قد يكون حاسماً لأي دولة تحاول إقناع المستثمرين بتمويلها.

من شأن خفض التصنيف لأي دولة أن يزيد من تكلفة الديون، فكلما زادت المخاطر الاستثمارية، يطلب المستثمرون عائدات أعلى لإقراض الدول. وبعد بيان "موديز" مباشرة، انخفضت العقود الآجلة لسندات الخزانة إلى أدنى مستوياتها، ما دفع العائدات على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.475%.

لكن بالنسبة إلى أكبر اقتصاد في العالم، ليس من الواضح أن خفض تصنيف "موديز" له تأثير كبير. فقد أصدرت الوكالة "رأياً استند إلى معلومات عامة كان كثيرون يعلمونها ويحللونها مسبقاً"، وفق ما اعتبر جون أوثورز، محرر أول لشؤون الأسواق في "بلومبرغ".

ماذا يعني خفض التصنيف الائتماني ؟

خفض التصنيف يعني أن اللجنة المكونة من المحللين لدى الوكالة، قررت أن الوضع الائتماني للمقترض أصبح أضعف نسبياً، وأن احتمال سداد الديون في الوقت المحدد وبالكامل، تراجع عما كان متوقعا في السابق.

وتقوم وكالات التصنيف بمراقبة هذه المعايير باستمرار. ويمكن أن تخفض أو ترفع التصنيف نتيجة عوامل مختلفة، من بينها الوضع المالي للمقترض، أو ظروف الاقتصاد أو القطاع، أو بسبب أحداث معينة تؤثر في قدرة المقترض على السداد.

وتأخذ منهجيات "موديز" في الحسبان عوامل كمية ونوعية، لتقييم قدرة المقترض على الوفاء بالتزاماته في الوقت المحدد وبالكامل.

ما هي النظرة المستقبلية ؟

إضافة إلى التصنيفات الائتمانية، تصدر وكالات التصنيف الرئيسية توقعات مستقبلية تُعبّر فيها عن رأيها بشأن الاتجاه المحتمل للتصنيف الائتماني في الأجل المتوسط، وتنقسم هذه التوقعات إلى أربع فئات: إيجابية وسلبية ومستقرة وتحت المراجعة (متغير).

قالت "موديز" إن النظرة المستقبلية المستقرة لأمريكا تظهر توازن المخاطر عند مستوى" Aa1"، إذ يظل الاقتصاد الأمريكي فريدا من نوعه بين الدول المصنفة، بفضل حجمه الكبير، ومستوى الدخل المرتفع، وإمكانات النمو القوية، وسجل الابتكار الذي يدعم الإنتاجية والنمو.

كيف تصنف السندات الحكومية ؟

تصنف هذه المؤسسات حجم القوة المالية للجهات التي تُصدر السندات، بما فيها الحكومات، وتمنحها درجات ائتمانية تحدد مدى قدرتها على الوفاء بمدفوعات الديون.

يعتمد المستثمرون عادة على هذه التصنيفات الائتمانية عند اتخاذ قرار بشراء أي سندات، كما يمكن أن تؤثر هذه التصنيفات بشدة في مقدار العوائد التي تدفعها الجهات المقترضة لجمع الأموال في أسواق رأس المال.

مع ذلك، فإن عوائد السندات الأمريكية منخفضة بفضل الطلب على كل من الدولار (العملة الاحتياطية العالمية) وسندات الخزانة الأمريكية، التي يُنظر إليها باعتبارها معياراً عالمياً للأصول منخفضة المخاطر.

تطور التصنيف الائتماني لأمريكا

لطالما تمتعت أمريكا بتصنيف ائتماني ممتاز يظهر مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، وكون الدولار هو عملة الاحتياطيات العالمية، إلا أن الأمور بدأت تتغير منذ 2011، وأصبحت "إس آند بي" أول وكالة تخفض تصنيف أمريكا من "AAA" إلى "AA+" منذ منحها إياه في عام 1941، وفق" رويترز".

في أغسطس 2023، اتخذت "فيتش" خطوة مماثلة، وخفضت التصنيف الائتماني لأمريكا درجة واحدة من " AAA" إلى "+AA"، وقالت حينذاك إن التخفيضات الضريبية ومبادرات الإنفاق الجديدة إلى جانب الصدمات الاقتصادية المتعددة، أدت إلى تضخم عجز الميزانية، بينما لا تزال التحديات متوسطة الأجل المتعلقة بارتفاع تكاليف الاستحقاقات من دون معالجة إلى حد كبير.

كانت "موديز" آخر وكالات التصنيف الثلاث الكبرى التي خفضت التصنيف الائتماني لأمريكا، وذلك للمرة الأولى منذ 1949. ولا تزال أمريكا تحتفظ بثاني أعلى تصنيف ائتماني.

تداعيات خفض التصنيف

دفع تخفيض تصنيف أمريكا من قبل "موديز" عوائد السندات لأجل 10 سنوات، التي تُعد المعيار العالمي لتحديد تكاليف الاقتراض للحكومة والشركات والمستهلكين، إلى أعلى مستوى لها منذ فبراير، متجاوزة المستويات التي دفعت الرئيس دونالد ترمب في أوائل أبريل إلى التراجع عن خطته التعريفية المتشددة.

قال ترمب للصحفيين في ذلك الوقت "الأسواق خرجت قليلا عن السيطرة.. أصابها بعض التوتر، وبعض الخوف".

في مؤشر آخر على تبعات خفض التصنيف، تلقت سندات الخزانة الأربعاء، ضربة بعد مزايدة ضعيفة على السندات لأجل 20 عاما، التي بلغت نسبة قسيمة الفائدة التي تحملها 5%، وهو أعلى مستوى منذ إعادة طرح هذا الأجل في 2020.

ما جعل مزاد يوم الأربعاء مثيراً للقلق بشكل خاص، هو أن مزادات سندات الـ 20 عاما عادة ما تكون الأقل أهمية. فقد أعادت وزارة الخزانة طرح هذا الأجل في 2020 لأول مرة منذ الثمانينات، وهذه السندات لا تُتداول بكثرة كما هي الحال مع آجال أكثر شيوعاً مثل السندات لأجل سنتين أو 10 سنوات.

كتب بيتر بوكفار، إستراتيجي مستقل، في مذكرة للعملاء: "أنا لا أكتب عادة عن مزاد السندات لأجل 20 عاماً، لأنها تشبه الطفل الضائع في ملعب أدوات الدين، حيث لا ينخرط كثيرون بهذه الفئة".

لكن حتى مع ذلك، فإن النتائج الضعيفة لهذا المزاد فرضت ضغوطا على مزادات الأسبوع المقبل التي تشمل سندات لأجل سنتين و5 و7 سنوات، وهي آجال أكثر أهمية بكثير، وإذا جاءت نتائج تلك المزادات مشابهة، فذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم فكرة "بيع أمريكا" عالميا بشكل متزامن، وفق ما كتبه المحرر التنفيذي في قسم الرأي في "بلومبرغ" روبرت بورجيس في مقال.

بعد خروج أمريكا من اللائحة.. من يحمل التصنيف الممتاز ؟

مع فقدان أمريكا آخر تصنيف ائتماني من الدرجة الممتازة (AAA)، انخفض عدد الدول التي تحظى بأعلى تصنيف ائتماني من قبل وكالات التصنيف الثلاث الكبرى إلى 11 دولة، مقارنةً بأكثر من 15 دولة قبل الأزمة المالية في 2007-2008، وفق "رويترز". تشكل اقتصادات هذه الدول ما يزيد قليلاً على 10% من إجمالي الناتج العالمي.

في أوروبا تعد ألمانيا وسويسرا وهولندا أكبر الاقتصادات التي تحتفظ بأعلى تصنيف ائتماني. وفي مناطق أخرى من العالم، تشمل القائمة كلاً من كندا وسنغافورة وأستراليا.

في المقابل، التصنيف الائتماني لدين أمريكا أصبح أدنى من التصنيف الائتماني لدولة ليختنشتاين الأوروبية الصغيرة، التي تحظى بتصنيف ائتماني من الدرجة الممتازة (AAA) ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 7 مليارات دولار فقط، حسب البنك الدولي.

سمات

الأكثر قراءة