ما توقعته للمصرفية الإسلامية لم يتحقق!
يحسب للأمير محمد الفيصل أنه واحد من الرجال الذين صنعوا تاريخ الصيرفة الإسلامية، وكسب رهان تجربتها مع الشيخ سعيد آل لوتاه مؤسس بنك دبي الإسلامي، والشيخ أحمد الياسين مؤسس بيت التمويل الكويتي، والشيخ صالح كامل مؤسس مجموعة دلة البركة المصرفية حتى أصبحت الصيرفة الإسلامية واقعاً عملياً ملموساً داخل البلاد العربية والإسلامية وخارجها .
سار مشوار المصرفية الإسلامية في القرن الماضي بداية من السعودية وبعض دول الخليج ومصر والسودان بمراحل تحدٍ كبيرة لكنها استطاعت خلال أكثر من عقد من الزمن أن تثبت حضورها في خارطة الاقتصاد العالمي حتى أن الكثير من المؤسسات المالية العالمية تبنتها مثل بنك HSBC والذي سارع بتطبيقها. ورغم أنها حضرت في زمن وجيز في خارطة الاقتصاد والصناعة البنكية إلا أن نجاح المصرفية الإسلامية لا يتوقف عند هذه الحدود في طموح الأمير محمد الفيصل بل إن آماله الوصول بها إلى مستوى أكبر في النظام العالمي.
يراهن الفيصل على نجاح النظام الاقتصادي الإسلامي، حيث عملت بهذا النظام أربع إمبراطوريات عالمية بعد الإسلام بدءاً من الدولة الأموية حتى الدولة العثمانية.
تشهد المصرفية الإسلامية جدلاً طويلاً بين الكثير من المصرفيين النافذين في الحضور الإعلامي وبين فريق يقف صامداً ومراهناً على نجاحها بعد انهيار العديد من البنوك العالمية وإفلاس الشركات الغربية، وهنا يؤكد الفيصل على أهم التحديات التي واجهت صناعة المصرفية الإسلامية، يأتي أبرزها التحدي الفكري..
في الحوار المطول الذي تنفرد به «المصرفية الإسلامية» مع الأمير محمد الفيصل يعترف الفيصل بفروق التطبيقات في الأنظمة المصرفية الإسلامية بين ما يطبق في ماليزيا عما يطبق في الخليج، مشيرا إلى أن تنازل المسلمين عن العقيدة وضع كل دولة على مذهب بخلاف المذاهب الإسلامية الأربعة مطالباً بالعودة إلى المجمعات الفقهية وأن أكثر ما تحتاجه المؤسسات المصرفية الإسلامية اليوم تأسيس فقه معاملات
ومعلوم أن المصرفية الإسلامية لا تسمح بأخذ أو دفع فوائدـ بل هي قائمة على مبدأ المشاركة في الأرباح. وتركز البنوك الإسلامية على تحقيق عوائد من خلال أدوات استثمارية تتوافق وأحكام الشريعة..
يشير السيد لاحم الناصر مستشار في المصرفية الإسلامية إلى مدى جسارة الفيصل ورفاقه فقد تحملوا مخاطر التجربة الأولى لصناعة وليدة في بيئة معادية غريبة. حيث كان الجميع ينظر إليها بأنها مغامرة ينفذها البعض على سبيل التجربة والتي سريعا ما ستفشل وتنسى في مجاهل التاريخ. في حين كان أصحابها مؤمنين بها وبنجاحها ومستعدين لبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك لإيمانهم بصحة دينهم وصلاحيته لكل زمان ومكان..
في تفاصيل الحوار مع الأمير محمد الفيصل رئيس دار المال الإسلامي وبنك فيصل الإسلامي يكشف مراحل ولادة المصرفية الإسلامية وما مرت به من تحديات، وقضايا الاتهامات الباطلة التي طالته بشأن تمويل الإرهاب وكسبها، وكذلك مشاريعه المستقبلية في صناعة المصرفية الإسلامية وفكره نحو الاقتصاد الإسلامي إلى تفاصيل الحوار..
بعد هذه التجربة الثرية في مشوار تاريخ المصرفية الإسلامية .. هل توقعت بأن تصل المصرفية الإسلامية لما وصلت إليه اليوم، أم أن طموحك كان يتعدى هذا الحد ؟
- من وجهة نظري نعم نجحت المصرفية الإسلامية في الوقت الحالي، وأعتقد أنها المستقبل لكن برأيي أنها لم تصل للمستوى الذي توقعته لها، والسبب الرئيسي في ذلك أن الناس لم يكونوا مصدقين الدعوة إلى هذه الفكرة، لأن الكثير خصوصاً في منطقتنا منبهرين بالغرب وبوسائله، كما كنا ننظر إلى أنفسنا بازدراء، لم يكن أحد يصدق أننا قادرون على عرض شيء للمجتمع العالمي، هذا الأمر جعل حركة المصرفية الإسلامية ـ رغم استخدامي لكلمة «مصرفية» بحذر ـ لأن المسألة ليست مصرفية فقط، المسألة مسألة نظام متكامل، لكننا اخترنا التركيز على المصرفية في البداية لأنها المؤسسة الحساسة التي تبين الفرق الحقيقي بين الفلسفتين، فالحقيقة ما وصلنا إليه وإن كان بكل الموازيين شيء نحمد الله عليه، إلا أنه ليس كما كنا نتطلع.
ولكن الدول العربية عاشت بعد سقوط الدول العثمانية حقبة زمنية قاسية تخللها الفقر والجهل الذي خيّم على معظمها، هل ترى أن العرب يلامون لاستيرادهم الثقافة المالية من الغرب ؟
- لا ألوم من ناحية الاستيراد، النقطة التي ألوم فيها العرب هو الحكم على ما يتم استيراده، ألا تأخذ كل شيء دون تفكير، فمثلاً أن أستورد وسائل الإدارة الحديثة من الغرب لا بأس، أستورد ما أديره بها هنا مكمن الخطأ، ليس فقط النظام، الأمر يشمل القواعد والقيم، علينا أن ننتقي ما نستورد ونفهمه.
لماذا لجأت البنوك المركزية للنظام المالي الغربي ؟
- لجهلها، أي مصرف إسلامي إذا ما أراد ممارسة نشاطه في السعودية مثلاً فإن هناك قوانين ولوائح تجعل هذا المصرف مرتبطاً بالموازين الغربية وليس الإسلامية.
#2#
ما هو الحل من وجهة نظرك ؟
- الحل بأن نرجع إلى مصادرنا، ليس فقط القرآن، نظام الاقتصاد الإسلامي عملت به أربع إمبراطوريات عالمية بعد الإسلام بدءا من الدولة الأموية حتى الدولة العثمانية وكانت في أوج قيادة العالم في ذلك الوقت.
هل اختلف الوضع اليوم ؟
- طبعاً نحن اليوم في الحضيض، في وقت من الأوقات كنا الإمبراطورية الوحيدة في العالم كأمة إسلامية، الفلسفة الإسلامية كانت الحاكمة ونحن من أضاعها.
لدينا اليوم الغرف الإسلامية والعديد من المؤسسات القادرة على لعب دور هام في هذا المجال، من وجهة نظرك هل يمكننا تقديم الاقتصاد الإسلامي من خلال هذه المؤسسات، أم يمكن تأسيس ذلك عن طريق مراحل التعليم وغيره ؟
- في الواقع المسألة واسعة جداً وليست شيئاً واحداً، فمثلاً عندما نتحدث عن المصرفية الإسلامية، وما هو النظام الذي يحكمها، انتشرت اليوم المصرفية الإسلامية في كافة أرجاء العالم وتساوي موجوداتها قيمة اقتصاد إنجلترا بالكامل، إذاً أصبح لها وزن كبير لكنها جميعها تعمل باستثناءات من نظام البنوك، لأن كل البنوك المركزية في الدول الإسلامية أنظمتها مبينة على النظام الغربي أي (الربوي)، وعندما تأتي لتأسيس مصرف إسلامي فإنه مقيد بنظام البنك المركزي وهذا يختلف اختلافاً فلسفياً مع نظام الاقتصاد الإسلامي.
ما هي العثرات التي واجهتكم، قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعد هذا التاريخ ؟
- الحادي عشر من سبتمبر ليس له علاقة لا بالاقتصاد الإسلامي ولا بأشياء أخرى، نحن نعتبر هذا التاريخ مفصلا تاريخيا بالنسبة للأمريكان، لكن بالنسبة لنا هو مجرد حدث، وهذه إحدى النقاط الأساسية التي تبين انبهارنا بالغرب ومتابعتنا له، 11 سبتمبر لنا حدث إجرامي يتولاه الأمن وانتهى الموضوع، لكن بالنسبة لنا الحدث الأساسي هو ذلك الذي يؤثر بشكل حقيقي في مجتمعاتنا، وبالنسبة لي الحدث هو بروز تطبيق المبادئ الشرعية في الاقتصاد والحياة، فمن الملاحظ في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انحسار الاستعمار المباشر، كان هنالك تكتيك ممتاز من خلال تبديل الاستعمار المباشر بغير المباشر وهذا الأخطر علينا، لأن الاستعمار الأول عسكري، أما الآن علينا النظر إلى الموضوع بشمولية أوسع، عندما انحسر الاستعمار استبدل ذلك باستعمار فكري، فتجد أن أغلب المجتمعات الإسلامية هي من كانت مستعمرة في الغالب، فوضع مكانها الاستعمار المباشر (العسكري) غير المباشر (الفكري) ولذلك أصبحت كل القوانين مستقاة من الغرب وعلى أسس فلسفة غربية، أصبحت وسائل الإدارة كلها من الغرب، ونسي التاريخ الإسلامي، حتى أتذكر عندما كنا صغاراً في المدرسة، كان أغلب التدريس هو المنهاج المصري الذي يحوي التاريخ الإنجليزي في معظمه، وأصبح هنالك نوعاً من الهيمنة وبذلك انحسر التقيد بالفكر الإسلامي مع المحافظة على القيم الإسلامية, نحن مسلمون إلى حد التطرف ربما، لكن في حياتنا اليومية تجد أن ما يحكمنا أغلبه مستورد.
أعود لتجربتك في صناعة المصرفية الإسلامية، ما هي التحديات التي تواجهها هذه الصناعة اليوم ؟
- التحدي الأساسي هو التحدي الفكري، عندما بدأنا في تأسيس المصرفية الإسلامية وتأسيس البنوك الإسلامية في نهاية الستينات وبداية السبعينات الميلادية ما قبل ذلك كان هناك كتابات عبارة عن مطالبات لكتاب ومفكرين لتطبيق الاقتصاد الإسلامي، لكن لم يكن هناك أي شيء ملموس، وعندما بدأنا كان هناك ثلاثة أشخاص سعيد لوتاه من الإمارات وهو رجل عصامي أول من فتح بنكاً إسلامياً، وأحمد بديع الياسين من الكويت، وقتها كنت أنا قدمت طلباً للوالد الملك فيصل ــ رحمه الله ــ كمذكرة أقترح فيه إنشاء بنك إسلامي وكان ذلك قبل تقديم الطلب الرسمي، وما حدث أن الوالد ـ رحمه الله ـ كان يعمل ويحضِّر لتأسيس البنك الإسلامي للتنمية، وكان يتبع سياسة بأن نعتمد على أنفسنا في كل شؤوننا فعندما قدمت له الطلب، قال لي اذهب إلى عمك مساعد (وزير المالية في ذلك الوقت) وتفاهم معه، في هذه الأثناء أنشئ بنك دبي الإسلامي، ثم جاء بنك بيت التمويل الكويتي، في ذلك الوقت كنت قدمت ثلاثة طلبات رسمية لوزارة المالية في المملكة، وطلبا في مصر، وآخر في السودان، استغرقت منا عملية الإقناع ثماني سنوات تقريباً، حينها تم إعلان تأسيس البنك الإسلامي للتنمية في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الشهيرة في باكستان، وأنا منذ 1972م وحتى 1979م لم يلق طلبي القبول لا في المملكة ولا في مصر ولا في السودان، في عام 1979م جاءتني الموافقة في يوم واحد من مصر والسودان، فيما في المملكة شكلت لجنة لدراسة الأشخاص ثم قيل لي إن الموضوع رفض.
فبدأنا في مصر والسودان بعدها بعامين بدأنا طلب تأسيس مجموعة شبه وقفية سجلناها في البهاما وهو دار المال الإسلامي وهي عبارة عن وقف لغرض إنشاء مصارف إسلامية ومؤسسات مالية إسلامية، (بنوك، شركات تكافل وتأمين، وشركات إدارة أموال) ووضعنا البنوك في مصر والسودان ضمن إطار دار المال الإسلامي ثم أسسنا في الشارقة ما يسمى بالشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي في 1982م، وعلى أساس افتتاح هاتين الشركتين فتحنا في المملكة وكالة لهذه الشركة وهي شركة إدارة أموال لأن غرضنا التنويع، وبدأنا نعمل في السعودية كوكالة باسمي الشخصي إلى أن صدرت الأنظمة الجديدة للشركات وقدمنا طلباً لتأسيس شركة إدارة أموال لهيئة سوق المال، ونحن في انتظار الحصول على الترخيص حالياً.
لديكم تجربة مهمة في شركات التكافل والتأمين، بعد التوسع الأخير في هذا المجال هل فكرتم في تأسيس شركات في السعودية ؟
- لدينا الآن شركتا تكافل مسجلتان في سوق المال مع شركاء، وستطرح قريبا للاكتتاب، أيضا هناك شركة إدارة أموال أخذنا ترخيصها بخلاف الشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي والتي نفكر في تغيير اسمها ومن ثم تسجيلها.
هل نظام مجلس التعاون يسمح لكم بنقل أعمال مؤسساتكم التي في الشارقة مثلاً إلى السعودية ؟
- النظام الشمولي حتى الآن لم ينفذ، إنما فتح الباب في السعودية للمؤسسات الخارجية والبنوك الخليجية للعمل في المملكة، من المفترض حسب نظام مجلس التعاون أن كل المؤسسات الخليجية تعامل كسعودية ولي الحق بأن أطلب فتح فروع لنا.
هل فكرتم فعلياً في فتح فروع ؟
- لم نفكر حتى الآن، نحن حالياً نريد أن نصل إلى ما يسمى توفيق وضع الشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي التي كانت تعمل كوكالة باسمي، سنحولها الآن إلى شركة مساهمة سعودية تعمل وفقاً لنظام هيئة سوق المال مع شركاء آخرين ومن ثم ستطرح للاكتتاب العام ونحن في انتظار الترخيص، بعد ذلك لنا حديث آخر.
دائماً ينتقد البعض التفاصيل الدقيقة في النظام المصرفي الإسلامي, ما مدى صحة ذلك ؟
- من لا يجد شيئاً يوافق مزاجه وهواه يخلق المبررات لأعماله، بمعنى أن هنالك أناسا لهم تأثير كبير في القرار في القطاع الاقتصادي لا يرغبون في تأسيس بنوك إسلامية في المملكة العربية السعودية منذ بدايتها، وحتى اليوم وليسوا لوحدهم فمنهم من قضى بالموت وآخرون انضموا حديثاً، هذه المجموعة للأسف الشديد تصور حركة البنوك الإسلامية كنصب، وهو فكر متأثر بالنظريات الغربية ليست الرأسمالية فقط بل اليسارية كذلك.
ولكن قرأنا وتابعنا عن مؤسسات توظيف الأموال الإسلامية والتي انطلقت من مصر؟
- من قال إنها إسلامية، هذه مؤسسات لبست عباءة الإسلام واكتشفت وتم القضاء عليها، هل النظام الربوي لا يوجد فيه من يسرقون، لماذا يتم التركيز على ما يحدث في النظام الإسلامي فقط، خذ مثلاُ ما يحدث في الاقتصاد العالمي اليوم كارثة بكل المعايير ما هي أسبابها؟ من الواضح أن هنالك تلاعباً من مؤسسات الاقتصاد العالمي.
أعود للخلاف بين المؤسسات الإسلامية، من ماليزيا إلى دول الخليج دائماً ما نجد خلافات مستمرة هل يفسر ذلك على أنه عجز في النظام الشمولي ؟
- على العكس تماماً برأيي أن ذلك ظاهرة صحية، أنت تحاسبني كنظام مع الأخذ في الاعتبار أن عمري 20 عاماً مع نظام موجود من 500 سنة وهو يتطور دون منافس وتطالبني بأن أكون على نفس المستوى، المسألة ستأخذ وقتاً ولها أسبابها، هناك بعض الأشياء ونحن أول من يشتكي منها، هناك فروق بين التطبيقات فما يطبق في ماليزيا يفرق في بعض الأشياء عما يطبق في الخليج، وعما يطبق في الخارج وهذا يرجع إلى أننا كمتجمع إسلامي لم نخدم عقيدتنا وتركناها، وأصبح هنالك مذاهب، المسألة اليوم لم تعد أربعة مذاهب، بل المذهب السعودي، المذهب المصري، المذهب السوري، الباكستاني، الإندونيسي وغيره، أصبحت المذاهب عبارة عن دول مما زاد من الهوة بيننا، لذلك لابد من وجود الفروقات، ولابد من وجود آلية يجب العودة إليها المتمثلة في المجمعات الفقهية ونستمد الفتاوى منهم عوضاً عن ظهور كل شخص بمذهب بمفرده، وعليه فإن البنوك الإسلامية تطالب بتوحيد النظم ومنها أسسنا هيئة المعايير والمقاييس وبكل أسف وجدنا أن إخواننا في إندونيسيا عملوا نفس الأمر وأصبح هنالك تنافس بين الهيئتين، وهذا نتاج لمشاكل مجتمعاتنا.
#3#
أعود لتجربتك وأنت متابع للبنوك السعودية، وحركة الأموال المدورة فيها كبيرة جداً كيف تقيمها من وجهة نظرك ؟
- إذا ما أخذنا على أساس حجم الاقتصاد السعودي اليوم أصبح في حاجة إلى مؤسسات مالية، برأيي وجود 11 بنكاً فقط في السعودية التي أصبحت ضمن مجموعة العشرين الكبار ولها وزنها هذه البنوك لا تكفي ولا 100 بنك حتى تكفي، يجب أن يكون هناك مؤسسات مالية وليس فقط بنوك، هنالك مؤسسات خدمية كثيرة ونرى اليوم أنهم بدءوا موضوع الصكوك والسندات إلا أن دخول السندات يزعجني بالتأكيد لأنها ربوية، دعنا نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية طالما أننا خالفنا ولم نخاف الله لماذا نخاف الناس، نحن نتعامل بالربا سواء سميت فائدة أو غيرها، فتح هذه النافذة للصكوك سيخدم السوق بشكل أفضل والسوق السعودي عموما يحتاج إلى مؤسسات مالية أكثر مما هو موجود اليوم، ولذلك تجد أن هناك نوعاً من الاحتكار لأن المنافسة معدومة والطلب أكبر من المعروض.
تتوقع مع استكمال منظمة التجارة العالمية سيطرة على المؤسسات المالية بنظام مالي؟
- برأيي أن منظمة التجارة العالمية في طريقها للزوال وسينهيها من بدأها وأتوقع ذلك خلال السنوات العشر القادمة، لأنها بدأت ليست لوجه الله وإنما لكي تكون أداة للسيطرة، فوجدوا أن هناك أناسا على استعداد للمنافسة طبعاً أتحدث عن الغرب وعندما وجدوا ذلك لم تعد التجارة الحرة هي المطلب الذي كان قبل عشر سنوات من الآن، وليس خفياً أنهم ينفذون عكس ما يدعون إليه، التناقضات بين الكلام والفعل ستنهي هذه المنظمة.
انهيار النظام المالي الغربي وعودة سيطرة الحكومات على المصارف، دفع بمشروع الاقتصاد الإسلامي للظهور إعلامياً لكن بحق لم يستفد من هذا السقوط بل أصبح هو والنظام الشيوعي أصبحا يتحدثان عن مساوئ النظام الغربي وعيوبه؟
- أولاً الاقتصاد الغربي لم ينهار ومن يظن ذلك مخطئ، الاقتصاد الغربي يمر بأزمة شديدة وأكبر مما يقولون ويحاولون تغطيتها كما يتلاعبون بالأنظمة لصالح إنقاذ ما يمكن إنقاذه دون عمل المطلوب بالفعل، النظام الغربي يحتاج إلى تغيير كبير عما كان عليه، فهم ليس لديهم الشجاعة السياسية الكافية للقيام بعمل ما يجب عمله وإصلاح الوضع في النظام الرأسمالي، الاقتصاد الغربي لم ينهار لكن النظام الرأسمالي هو الذي تأثر كما يحدث اليوم بالفعل واضطروا لعمل أشياء في ذلك الوقت أسياسية وغيروا النظام بالكامل.
المطلوب الآن هو تغيير النظام والانفكاك من العقدية الرأسمالية المستشرية في الغرب لكنهم لا يملكون الشجاعة لذلك لأن النظام هناك (ديمقراطي) الأمر الذي يجعل صاحب القرار أن يتخذ أقل القرارات تأثيراً ولذلك دائما تجد أن حلولهم شكلية وليست أساسية، النظام الرأسمالي المستشري في الغرب الآن لابد من إعادة النظر فيه ولا يكفي ما يعملونه فهو ليس إلا هباء ومضيعة للوقت وزيادة في المشاكل لأنهم اليوم يخترعون مصادر مالية ليست موجودة، من أين أتوا بكل هذه المبالغ التي يدعمون بها بنوكهم؟ لا توجد مصادر! معنى ذلك أنها من الهواء، إذاً هم زادوا المشكلة ولم يحلوها، اليوم مجموع الإنتاج في العالم ما بين 55 إلى 56 تريليون دولار، يعني ذلك أن كل المصادر قيمتها هذه، الورق يساوي 650 تريليون زادوا عليها 12 تريليون الآن، يعني ذلك أن هناك مطلوبات بقيمة 600 إلى 700 تريليون دولار، بينما مصادري قيمتها لا تتعدى 56 تريليون فيها معاشي ومأكلي وسكني وكل شيء للعالم أجمع، إذاً كيف أستطيع سد هذه الثغرة؟ هناك من ينظر ويتفلسف بقوله إن هذه الخطط على 30 سنة مثلاً وحتى لو ضربنا 56×30 سنة مفصولاً منها ما يعيش الناس، الحلول التي أتوا بها زادت المطلوبات.
هل يمكننا القول بأنه خطة استعمار جديد؟
- بعض المحللين يرجحون قيام حرب عالمية لتصحيح الوضع، مشاكل اقتصادية من هذا النوع حدثت أربع مرات تاريخياً دائماَ ما كان يتبعها حرب عالمية، فهناك أناس يتوقعون ذلك، المشكلة أن هناك محاولات لتغطية مشاكل الاقتصاد الرأسمالي أنتج زيادة في المشاكل المتوقعة.
تعتقد أن هناك كذباً ؟
- طبعاً هناك كذب كبير على العالم، وليس من اليوم بل من زمان يكذبون علينا لكننا نحن نصدقهم، للأسف نحن مصدقين كذبهم ومكذبين صدقنا، لأن ما يقال عندنا لا نصدقه بينما ما يقال عندهم مسلم به، لابد أن نعي هذه النقطة ونحن إلى الآن ولله الحمد في بر الأمان ولم ندخل في المشكلة.
ردد الإعلام كثيراً الأزمة وظهرت الكثير من التحليلات إلا أننا لم نجد من يتحدث عن الخسائر والفوائد من هذه الأزمة بالنسبة لنا ؟
- هل رأيت أحدا ظهر في الإعلام وحلل ما يحدث وربطه بما يجب أن يعمل، ما وجدناه هو ترديد لآراء خارجية يتم إعادة تنميقها وطرحها في الإعلام المحلي، يجب أن نبدأ وأن يكون لنا رأي ولاسيما أننا أصبحنا من الدول المؤثرة اقتصادياً.
هل نحتاج إلى تأسيس فقه معاملات ؟
- هذا بالضبط ما نحتاج إليه اليوم، أنا لست مهتما بالمصرفية الإسلامية في الوقت الراهن بقدر اهتمامي بتأسيس نظام اقتصاد إسلامي، ولابد من التنظير له، ما هي النظرية الاقتصادية الإسلامية، وأهل العلم هم من يضعوها، أنا أحاول رمي بعض الكلام ليبحث العلماء حتى لو بينوا أن كلامي خطأ.
هل يسمح لك الغرب أن تمتلك الأدوات الفنية للنظام ؟
- ولم لا يسمح لي؟ لا تؤخذ الدنيا إلا غلابا، لن يعطيك أحد شيئاً وهذه مشكلتنا أننا دائماً نطلب من الغير، في حياتنا لم نفكر بأن نضع نحن لأنفسنا ما نريد، ونتميز في السعودية بتوفر الإمكانيات التي تجعلنا نعمل ونكون إيجابيين ونكون قياديين وليس تابعين.
لكننا دول فقيرة اقتصادياً ؟
- لسنا فقراء، لدينا مصادر وهناك عدة برامج أخرى، لكن لا يكفي أن نقول إننا فقراء ولماذا لا نحاول تحسين وضعنا، وتجربة الصين خير مثال لأنهم يسيرون بشكل صحيح هم اليوم مؤثرون في الاقتصاد العالمي ومستقبلاً سيكون لهم سيطرة دون شك خلال 10 سنوات الصين ستضاهي أمريكا وسيكون لها صوت يساوي صوت الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً.
#4#
لك وجهة نظر بخصوص نظام التورق ؟
- التورق في الأصل ليس فيه مشكلة، وإنما الطريقة، الفرق بين الحلال والحرام شعرة، يجب أن يكون هناك رأي فاصل وهو لا يأتي من جهة واحدة لابد أن يأتي من الإجماع الذي يخرج من هيئات الفقه المتخصصة لأنها ممثلة بكل الدول الإسلامية، ويجب أن نتقبل كل ما يخرج منها من قرارات.
هل ترى أن البنوك قصرت في تشجيع البحوث العلمية الإسلامية ؟
- بدون شك هناك تقصير كبير، نحن نحتاج إلى الثقة في النفس، لدينا علماء، أساتذة، فقهاء، خبراء ماليون، ما نحتاجه النتاج الفكري، المسألة ليست تطبيقاً فقط بل يجب أن نكون مبدعين، وهذا ما نحتاجه في الاقتصاد الإسلامي.
هل تعتقد أن الإعلام قصَّر في خدمة الاقتصاد الإسلامي ؟
- الإعلام لا يمكن أن يخدم شيئا من لا شيء، لابد أن يكون هنالك شيء ملموس حتى يتناوله الإعلام، أنا لا أصدق إعلام «المدح» لابد أن يكون هناك إعلام تحليلي ونقدي، أما أن توافقني في رأيي فهو تحصيل حاصل، أما عندما تنتقدني حتى وإن وافقتني في النهاية هناك مجال للنقاش وفرصة لتحسين الوضع، وللأسف الشديد على جميع المستويات سواء الإعلامي أو غيره نجد أننا لا نملك الثقة في النفس.
هل يعود ذلك إلى المؤسسات التعليمية ؟
- ما هي المؤسسات التعليمية؟ هي مؤسسات تنبثق من المجتمع الذي أقنع وبكل أسف أنه لا يستطيع أن يفكر.
ولما لا نستفد من تجارب الصين واليابان ؟
- لا يوجد أحد ضد الاستفادة من تجارب الآخرين، ولكن استفد بما يناسبك، لا يمكن استيراد النظام الاقتصادي الياباني برمته لتطبيقه هنا لأننا لسنا يابانيين، ببساطة الأمر برأيي أنهم امتلكوا الشجاعة ليقولوا إننا نستطيع التفكير.
هل استطعتم مواجهة غياب بعض الأدوات عن المصرفية الإسلامية سواء كانت الإدارية أو المحاسبية ؟
- ليس هنالك شيء يمنع الخسارة أو المشاكل، لابد من ذلك طالما أن هناك عملاً لكن لا يمنع ذلك الشخص أن يحتاط من الأشياء الأساسية لنا هو التعرف على المخاطر ثم نحللها ثم نقيمها ثم نأخذ الإجراءات اللازمة لتلافي الأخطاء فيها، ونصطدم ببعض المتطلبات التي تطلبها الهيئات الرقابية التي تسير وفقاً للنظام الربوي، فعندما نحلل مخاطرنا ونقرر عمل أمر ما نفاجأ بأن نظام الهيئات الرقابية لا يسمح بذلك، ولذلك نحاول أن نجد طريقة للالتواء عليها وهذه من الأشياء المعطلة لنا في عمل المصرفية الإسلامية، ومن الأمور التي تنتج عن ذلك انتقادنا لكيفية بحثنا عن مخرج من هذا المأزق، المنتقد دائماً سيجد ما ينتقده، نحن في رأينا أن التركيز على الحماية أكثر من اللازم قد توقف عن العمل.
طال بطاقات الائتمان ما طالها من خلاف، حتى أن هناك بطاقات صارت تصدر بنظام إسلامي ؟
- البطاقة الائتمانية ليست من العمل الإسلامي، لدينا credit card وهناك double card نحن لدينا بطاقاتنا الائتمانية الإسلامية ولكنها دبل، نعطيك الكرت ولكنني أخصم عليك، لكن الـ credit card تعطيك المال في حدود ما يسمح به الكرت وتضع عليك فائدة، البنوك الإسلامية لا تستطيع عمل ذلك، لا يوجد قروض في البنوك الإسلامية.
ما هو البديل للقروض إذاً ؟
- الشراكة، وهذا يتوقف على النظام الذي يجب أن يحمي هذه الشراكة، والعقود الإسلامية معظمها عبارة عن شراكة، إذاً لابد أن يكون النظام مصمماً لكي يحمي المنتج.
ألم يطلب منك تقديم محاضرات في مجال الاقتصاد الإسلامي في جامعات غربية؟
- نحن لدينا كرسي في جامعة هارفارد للاقتصاد الإسلامي، هو للعمل الدعائي أكثر من أي مردود آخر، لأن العالم الذي سيفكر في هارفارد بالتأكيد سيكون تفكيره (ربوياً)، نحن لا نفرض الإسلام على أحد، لكنهم يؤسسون نظاماً على أساس ربوي ثم يطلب منا التقيد به!.
لديكم قضايا عدة بعد أحداث سبتمبر أين وصلتم فيها ؟
- في الواقع هناك قضية شخصية ضدي، وقضية أخرى ضد بنك فيصل السودان ونفس القضية مرفوعة ضد دارة المال الإسلامي، يعتبرونني الممول الرئيسي للإرهاب، كسبنا كافة المراحل في قضايانا، وبالنسبة لي شخصياً الآن قضيتي منظورة أمام SPRAIN COURT في أمريكا، ما زال هناك قضية ضد دار المال الإسلامي وبنك فيصل السودان ما زالت تسير إجراءاتها، ورغم أننا نعتبر المحاكم الأمريكية مهنية بدرجة عالية إلا أن لي أكثر من 7 سنوات ولم يحكم حتى الآن، قضية دار المال وبنك فيصل السودان حتى الآن لم ينظر فيها.
كم عدد القضايا التي كسبتها ضد شخص الأمير محمد الفيصل ؟
- تتعدى الست قضايا.
هل لديك أمنية تريد تحقيقها في قطاع البنوك السعودية ؟
- رغم أن أمنياتي مع الزمن تقل، إلا أن الشيء الوحيد الذي أتمناه اليوم هو عدم التعامل بالربا أمام الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، دعونا نحترم مهبط الوحي.
مع فائض الأموال لدى السعودية هل تتوقع أن نكون قادرين على إيجاد استثمار لها ؟
- هو ما يحدث فعلاً اليوم، وقد حدث من زمان وسيحدث مستقبلاً، لكن الحمد الله اليوم يجب أن نقول كلمة حق بأن الملك عبدالله لم يترك أمام أي شخص للقول بأنني لا أجد مجالاً للاستثمار في بلدي، مشاريع المملكة تستوعب كل ما لدينا من ثروات وأموال، تنظيمات جديدة تطلع، الشيء الوحيد ـ عسى الله ـ أن يلهم البنوك وتتوقف عن الربا وتنهي التعامل به في بلادنا، الحق يقال إن الملك عبدالله رجل بكل ما تعنيه الكلمة، فما أنجزه في ثلاث سنوات يساوي 30 سنة، أنا أتحدث بمعزل عن أي مسؤولية وإنما كقيمة تاريخية أتمنى أن ينظر إلى أعماله العظيمة التي قام بها .