صناديق «بيتكوين» المتداولة .. خطر جاذب لا إثبات للمفهوم

صناديق «بيتكوين» المتداولة .. خطر جاذب لا إثبات للمفهوم
لن يسهل حماس إصدار صناديق بيتكوين الاستخدام الأوسع لمعاملات العملات المشفرة في الاقتصادات العالمية.

عادة ما يدل إثبات المفهوم على دلائل بأن فكرة تصميم ما مجدية. أشار هواة العملات المشفرة إلى أن موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على صناديق بيتكوين المتداولة في البورصة هذا الأسبوع هو إثبات أساس للمفهوم بأن العملات المشفرة قابلة للنجاح وتمثل خطوة كبيرة نحو إدماجها في النظام المالي. لكن السؤال هو أنها مجدية وقابلة للنجاح على أنها ماذا؟
كان الغرض الرئيس للعملات عبر التاريخ الاقتصادي هو تسهيل الاستهلاك والتعاملات التجارية والاستثمار الرأسمالي. يحدث التداول والمضاربة والتحوط بعد أن يبدأ استخدام العملة على نطاق واسع ورسوخ الغرض الاقتصادي لمعاملاتها.
لم يتم التداول أو المضاربة بالدولار أو الجنيه أو الين أو العملات العالمية الرئيسة الأخرى قبل استخدامها في المعاملات الاقتصادية. والإثبات المطلوب لمفهومها هو استخدامها الاقتصادي. لا تحقق كل العملات ذلك بالطبع. إن معدلات التضخم في بعض الدول الناشئة مرتفعة للغاية لدرجة أن السكان المحليين يفضلون استخدام العملات الراسخة، مثل الدولار الأمريكي، في المعاملات اليومية. اقترح معززو العملات المشفرة أن بيتكوين قد تكون خيارا مفضلا.
تشتهر السلفادور بمحاولة الربط بين مضاربة بيتكوين والواقع الاقتصادي، لكن النتائج موضع شك حتى الآن. رغم الادعاءات بأن تدفق الأموال إلى السلفادور باستخدام بيتكوين سيكون أرخص وأسهل من استخدام الدولار الأمريكي، إلا أن البنك المركزي السلفادوري يقدر أن نحو 1 في المائة فقط من التحويلات المستلمة في الأشهر الستة الأولى من 2023 كانت ببيتكوين.
إذا كانت العملات المشفرة عملات بالفعل، وليست بدعا قابلة للتجميع مثل بطاقات البيسبول أو دمى بيني بيبيز المحشوة، فستكون أول عملة متداولة في العالم دون أي غرض اقتصادي. بعيدا عن الاستخدامات الهادفة الصغيرة نسبيا في بعض الاقتصادات الناشئة، قد يتمكن المرء من دفع ثمن شحنات الفينتانيل أو الأسلحة سرا أو إخفاء الثروة أو تمويل الإرهابيين، لكنها ليست ذات قيمة تذكر للمعاملات اليومية مثل شراء حاجيات البقالة أو دفع معظم الفواتير.
ورغم الحماس المحيط بإصدار صناديق بيتكوين المتداولة في البورصة، فإن هذا لا يسهل الاستخدام الأوسع لمعاملات العملات المشفرة في الولايات المتحدة أو الاقتصادات العالمية. سيظل من الصعب شراء كوب من القهوة بها.
مع ذلك، إذا كان الغرض من بيتكوين هو مجرد وسيلة للتداول والمضاربة، فقد تكون هذه الصناديق المتداولة في البورصة بالفعل إثباتا للمفهوم. من المحتمل أن تشجع المشاركة بين المستثمرين الأفراد الذين يشعرون أن التداول التقليدي في البورصة عبر المؤسسات المالية المعروفة أكثر أمانا من وسائل تداول العملات المشفرة الموجودة سابقا.
قد تود المؤسسات المالية الراسخة توخي الحذر. كشف انكماش كل من فقاعتي التكنولوجيا والإسكان عن التزامات قانونية ومالية لم تتوقعها. انتشار المضاربة على بيتكوين وأي انكماش لاحق يمكن أن يكشف عن أخطار مماثلة.
إن إتاحة السوق للجميع سمة مشتركة للفقاعات المالية. كانت فكرة تسوية ساحة اللعب وأن بإمكان الجميع الآن الوصول إلى أحد الأصول بمنزلة صفارات تجذب المستثمرين للمشاركة في الفقاعات المالية على مر التاريخ. يبدو أن صناديق بيتكوين المتداولة هي طعم هذه الفقاعة.
بل قد تشكل عائقا أمام مكافحة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للتضخم. الفقاعات تضخمية بطبيعتها لأن الاقتصاد يحول رأس المال إلى أصول فقاعية بدلا من موارد إنتاجية.
بعبارة أبسط، تتدفق الأموال إلى أشياء لا يحتاج إليها الاقتصاد على حساب الأشياء التي يحتاج إليها. وإذا لم يتمكن نقص المعروض من السلع والخدمات الناتج عن ذلك من مواكبة الطلب الكلي، أو لم تتحسن الإنتاجية بشكل كبير، فإن سوء تخصيص رأس المال الناجم عن الفقاعة سيشعل ضغوطا تضخمية.
ومع تزايد الأدلة على أن العولمة بدأت تتقلص، أصبحت الولايات المتحدة في موقف هش إلى حد ما بسبب عجزها التجاري الضخم. لذلك قد يتوقع المرء أن تتحول تدفقات رأس المال نحو تحسين البنية التحتية وقاعدة رأس المال غير الملائمتين على الإطلاق في الدولة. يمكن أن يؤدي ظهور صناديق بيتكوين المتداولة إلى إبعاد رأس المال أكثر نحو المضاربة غير المنتجة.
يقول بعض الناس: إن بيتكوين نسخة رقمية من الذهب. يبدو أن هذا القول يغفل عن حقيقة أن هذه المعادن والسلع الثمينة لها استخدامات اقتصادية وليست مجرد وسيلة للمضاربة أو مخزن للقيمة. الحشوات في فمي أو خاتم زواجي لن تكون مصنوعة من بيتكوين.
في الواقع هي تشبه زهور التوليب الرقمية أكثر، وتكرر فقاعة التوليب الهولندية في أواخر القرن الـ16. أصبح هذا الجنون مستشريا لدرجة أن بورصة أمستردام بدأت في تداول أبصال التوليب بانتظام إلى جانب الأسهم. أصبحت صيحة العملات المشفرة الآن متطرفة جدا لدرجة أن البورصات القائمة بما فيها بورصة نيويورك وناسداك ستبدأ في تداول صناديق بيتكوين المتداولة. من المحتمل أن يحفز هذا مزيدا من الاهتمام العام، لكن لأسباب خاطئة.
يجب على أولئك الذين يتطلعون إلى التزاحم عليها أن يتذكروا أن بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى لا تزال تبدو أداة للمضاربة، وليست عملات ذات جدارة اقتصادية مثبتة. إن الإجراءات الحديثة ستوسع ببساطة هذه التكهنات لتشمل جمهورا أوسع، وربما غير مرتاب منها.
* الرئيس التنفيذي وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة ريتشارد بيرنستين أدفايزرز