أقوى السلوكيات هي التي لا تتغير أبدا
قبل عقد، يقول مورجان هاوسل إنه وضع هدفا أدى إلى "واحد من أكثر التغييرات تنويرا في حياتي". لقد عقد العزم على قراءة التاريخ أكثر والتوقعات أقل، وكانت النتيجة أنه أصبح أكثر ارتياحا من أي وقت مضى بشأن الشكوك حول المستقبل.
قدم كتاب هاوسل السابق "سيكولوجية المال" حجة قوية مفادها أن القرارات المالية لا تعتمد على البيانات وجداول البيانات المشتقة من الرياضيات بقدر ما تعتمد على الخصائص والسلوكيات البشرية الذاتية، مثل الأنا والمبالغة.
يحاول كتابه الجديد تطوير هذه الفرضية عبر الإشارة إلى أنه من الأفضل وضع تنبؤات بناء على كيفية تصرف الناس وليس على محاولة توقع الأحداث. كما يدعي أن الجشع، والخوف، والفرص، والاستغلال، والمخاطر، وعدم اليقين، والانتماءات القبلية والإقناع الاجتماعي، كلها سمات مشتركة يتعين أخذها في الحسبان. وبينما يجذب التغيير الانتباه لأنه مفاجئ، فإنه يقول إن أقوى السلوكيات هي تلك التي لا تتغير أبدا، وتوفر مؤشرات للمستقبل.
هذه افتتاحية مغرية للكتاب، يوضحها بأمثلة مثل جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، الذي يقول إنه نجح عبر التركيز على طلبات العملاء التي تظل قائمة حتى مع تغير التكنولوجيا وعادات التسوق: الأسعار المنخفضة والشحن الأسرع. وقال بيزوس أيضا إنه عندما تختلف الروايات والبيانات، فإن الروايات عادة ما تكون صحيحة و"هناك خطأ ما في الطريقة التي تقيس بها ذلك".
يقول هاوسل إن العوامل الذاتية، وليس الأرقام، هي المفتاح لفهم أحداث مهمة كثيرة، من الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي وجائحة كوفيد- 19، إلى فقاعة التكنولوجيا والأزمة المالية العالمية.
كان بنك ليمان براذرز يتمتع بنسبة قوية من المستوى الأول لرأس المال (مقياس للقوة المالية) في سبتمبر 2008، لكنه فشل لأن المستثمرين لم يعودوا يؤمنون به. على النقيض من ذلك، كانت "جيم ستوب"، شركة بيع ألعاب الفيديو بالتجزئة، تكافح ماليا في 2020، لكن تم إنقاذها بعد ارتفاع السهم على خلفية "هوس ثقافي على موقع ريديت".
ربما كان إيمان روبرت ماكنمارا بالإحصاءات قد نجح عندما استخدمها، بصفته مديرا تنفيذيا ورئيسا لشركة فورد للسيارات، لتعزيز صناعة السيارات. لكن الفكرة فشلت بوضوح في تحقيق أهدافها عندما فشل هوسه بالمقاييس، عندما كان وزيرا للدفاع الأمريكي أثناء حرب فيتنام، في الأخذ في الحسبان ردود الفعل العاطفية للناس في الصراع.
بين صفحات الكتاب، كانت هناك إشادة ضمنية (وغير حاسمة بما فيه الكفاية) لقوة "سرد القصص": نسخة وادي السيليكون من الكتابة الرائعة والعرض التقديمي الجيد المتجسدين في محاضرات تيد الرائعة وعروض رأس المال المغامر. استنتاج هاوسل هو: "إذا كانت لديك الإجابة الخاطئة لكنك راو جيد للقصص، فمن المحتمل أن تتقدم (لفترة من الوقت)".
وفي 24 فصلا موجزا، يقفز بين مجموعة من الأمثلة المستمدة من التاريخ، والعلوم والتمويل لاستخلاص سلسلة من الاستنتاجات. بعضها منطقي إلى حد كبير: فنحن بارعون للغاية في التنبؤ بالمستقبل باستثناء المفاجآت، التي تميل إلى أن تكون كل ما يهم، الناس لا يريدون الدقة، بل يريدون اليقين، التقدم يتطلب التفاؤل والتشاؤم.
والبعض الآخر عبارة عن حقائق بديهية لا تضيف إلا القليل الجديد: من السهل استبعاد إمكانات التكنولوجيا الجديدة، ومعظم المزايا التنافسية تموت في النهاية (كما يتضح من صعود وهبوط شركة سيرز للبيع بالتجزئة)، وكل شيء يستحق السعي من أجله يصاحبه بعض الألم، وليس هناك ما هو أكثر إقناعا مما جربته بشكل مباشر. لديه بعض وجهات النظر المثيرة للاهتمام حول كيف أدى الانتقال من الصحف المطبوعة المحلية إلى وسائل التواصل الاجتماعي اليوم إلى التحول نحو أخبار أكثر تشاؤما: "العالم لم يصبح أكثر ظلاما، بل إننا نرى مزيدا من الأمور السيئة فحسب". ونصيحته هي عدم التخلي عن وسائل الإعلام، بل قراءة الكتب للحصول على سياق أكبر.
هناك بعض الحكم القيمة في كتابه، مثل كيف أدى تعليق مصادفة من المغنية المسيحية ماهاليا جاكسون إلى دفع مارتن لوثر كينج إلى التخلي عن نصه المعد بجهد كبير لمصلحة الكلمات الأولية العفوية التي أطلق بها خطابه الشهير "لدي حلم". أو نظرة ثاقبة حول كيفية قيام صانع الأفلام الوثائقية الأمريكي كين بيرنز بتكييف نصوصه لتتناسب مع الموسيقى المصاحبة.
ويستشهد هاوسل بحكمة الآخرين، بمن فيهم العالم نسيم نيكولاس طالب، الذين يستثمرون في الاستعداد لا في التنبؤ، والمستثمر تشارلي مونجر، الذي يقول ليس الجشع ما يجعل العالم يدور، بل الحسد. لكنه يضيف بعض التفسير الشخصي بشأن ذلك.
المشكلة، كما قالت جيرترود شتاين ذات مرة، هي أنه "لم يعد يوجد ذلك المكان" (من كتاب إيفري بوديز أوتوبايوجرافي، حيث تشير إلى تلاشي المنزل الذي ترعرعت فيه وتغير مدينتها تماما). لا توجد أطروحة مركزية إلى حد كبير، والأمثلة المتعددة - التي لا يزيد طول كل منها على بضع فقرات - يتم وصفها بإيجاز وإهمالها بسرعة كبيرة بحيث لا يوجد سوى مساحة ضئيلة لاستيعابها، فضلا عن استكشافها بعمق.
رغم دور هاوسل كشريك في "الصندوق التعاوني"، الذي يصف نفسه بأنه يدعم "الشركات الواقعة عند تقاطع الربح وفعل الخير"، هناك جهود قليلة لربط ذلك بالمشورة التجارية. وتوصف قاعدته الأساسية بأنها ببساطة: "خطط كمتشائم، واحلم كمتفائل، وادخر كمتشائم، واستثمر كمتفائل".
لقد اختار عدم الالتزام بالتوصيات الواردة في نهاية الكتاب، مشيرا إلى أن "الجميع مختلفون، والتوجيه العالمي نادر". بدلا من ذلك، يقدم مجموعة مختصرة من الأسئلة التي ينبغي للقراء أن يفكروا فيها، تاركا هذا السؤال: "هل هذا تهرب من المواجهة؟".