بعودة ألتمان .. زر إيقاف جشع القادة تعطل
تم الكشف عن إخفاقات نظام حوكمة شركة أوبن أيه آي بقسوة في الأيام الأخيرة. الجمعة، أقال الأعضاء الأربعة المستقلون في مجلس إدارة الشركة الناشئة الأكثر شهرة في العالم رئيسها التنفيذي، سام ألتمان، بحجة تضليلهم. عين رئيس تنفيذي مؤقت جديد ثم تم الاستغناء عنه على الفور تقريبا واستبداله بآخر.
لكن بحلول الثلاثاء، وفي أعقاب احتجاجات موظفي ومستثمري "أوبن أيه آي"، خلص مجلس الإدارة إلى أن ألتمان كان في الواقع جديرا بالثقة بما يكفي لإعادته إلى منصبه رئيسا تنفيذيا، وبدلا من ذلك استقال ثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة. فقط متزلج سريع على الجليد من يقدر على الدوران أسرع من دوران المنصب في مثل هذه الفترة القصيرة.
قد تسول لنا أنفسنا أن نستنتج من تجربة "أوبن أيه آي" في وجود مجلس إدارة غير هادف إلى الربح، ومسؤول عن ضمان التطوير الآمن للذكاء الاصطناعي، والإشراف على الأعمال التجارية الهادفة إلى الربح، أنها فكرة يجب إلغاؤها. دعت مايكروسوفت، التي استثمرت 13 مليار دولار في "أوبن أيه آي"، بالفعل إلى تغيير هيكل الحوكمة. ويبدو أن مجلس إدارة "أوبن أيه آي" الذي أعيد تشكيله بسرعة ليصبح مؤلفا من ثلاثة أعضاء، الذي يضم الآن رئيسا تنفيذيا سابقا لشركة سيلز فورس ووزير خزانة الولايات المتحدة الأسبق، أكثر ملاءمة للاضطلاع بالمسؤوليات التقليدية الموكلة إليه.
ومع ذلك، سيكون خطأ مأساويا التخلي عن محاولات محاسبة قيادات أهم شركات الذكاء الاصطناعي في العالم على تأثير التكنولوجيا التي تنتجها. حتى رؤساء تلك الشركات، بمن فيهم ألتمان، يقرون أنه على الرغم من الوعود الهائلة التي يحملها الذكاء الاصطناعي، فإنه يشكل أيضا مخاطر كارثية محتملة.
يقول أحد رواد الأعمال مطلع على "أوبن أيه آي" إن مجلس الإدارة كان "متمسكا بمبادئه وشجاعا بشكل لا يصدق" لمواجهة ألتمان، حتى لو فشل المجلس في تفسير أفعاله علنا. وأخبرني رجل الأعمال: "مجلس الإدارة يتعرض للهجوم بحق وذلك لعدم كفاءته. لكن إذا كان المجلس الجديد يتألف من أشخاص عاديين في مجال التكنولوجيا، فأشك في أنهم سيأخذون قضايا السلامة على محمل الجد".
ومن المؤكد أن المجلس القديم أخذ هذه المسؤوليات على محمل الجد. فوفقا لعدة تقارير، قالت هيلين تونر، وهي عضوة سابقة في مجلس الإدارة، وأكاديمية في جامعة جورج تاون، للمسؤولين التنفيذيين في "أوبن أيه آي" إن مهمة مجلس الإدارة هي التأكد من أن الذكاء الاصطناعي "يفيد البشرية جميعا" حتى لو كان ذلك يعني تدمير الشركة. يبدو الآن أن "زر الإيقاف" التنظيمي لشركة أوبن أيه آي قد انصهر.
في صميم الاضطرابات الأخيرة يكمن التوتر بين الدافع التجاري لأي شركة لكسب المال والمخاوف بشأن الأضرار الجانبية التي يمكن أن تسببها التكنولوجيا.
أسست "أوبن أيه آي" عام 2015 على وعدها بصراحة بإعطاء الأولوية للسلامة على الربح. لكن سرعان ما أدركت الشركة أنها إذا أرادت استقطاب أفضل الباحثين وتطوير أكبر نماذج الذكاء الاصطناعي، فستحتاج إلى الحصول على كميات هائلة من رأس المال والقدرة الحاسوبية. لذلك أنشأت ذراعا تجارية ذات ربح محدد جعلت شركات رأس المال الاستثماري ومايكروسوفت تستثمر في "أوبن أيه آي". ويبدو أن المتاجرة المتزايدة من جانب "أوبن أيه آي" دفعت بعض كبار الباحثين، بقيادة دانييلا وداريو أمودي، إلى مغادرة الشركة في 2020 لتأسيس شركة أنثروبيك لتكون شركة ذات منفعة عامة.
ومع ذلك، رحب معظم موظفي "أوبن أيه آي" والمستثمرين بعودة ألتمان. وبصفته الرئيس السابق لشركة وأي كومبينيتور، التي احتضنت شركات ناشئة عديدة من الأكثر نجاحا في وادي السيليكون، لدى ألتمان نادي معجبين مثير للإعجاب. ومما لا شك فيه أن إطراء موظفي "أوبن أيه آي" قد تضاعف أيضا بفضل إمكانية تسييل الأسهم وبيعها في السوق الثانوية بقيمة قريبة من تقييم الشركة الذي بلغ 86 مليار دولار قبل الاضطرابات.
يتمتع ألتمان أيضا بقدرة جذابة على تحفيز الموظفين وحشد رأس المال وتكوين حلفاء أقوياء. وكما قال بول جراهام، المؤسس المشارك لشركة وأي كومبيناتور، ذات مرة: "سام ماهر للغاية في كونه مؤثرا".
مع ذلك، أظهر تاريخ الشركات الأمريكية مرارا وتكرارا المخاطر التي يشكلها الرؤساء التنفيذيون الذين يتمتعون بقوة مفرطة ومجالس الإدارة المنصاعة لهم. وحتى رؤساء الشركات أصحاب أحسن نية قد يختصرون الطريق من أجل مجد الفوز بالسباق لتطوير الذكاء الاصطناعي إلى المستوى البشري.
في العام المقبل، من المقرر أن تطلق "أوبن أيه آي" نموذجا أكثر قوة للذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو جي بي تي-5. وفي يوم المطورين هذا الشهر، قال ألتمان: "ما نطلقه اليوم سيبدو غريبا مقارنة بما نحن مشغولون بابتكاره من أجلكم الآن".
وفي مارس، حذر مئات الباحثين في رسالة مفتوحة من سباق التسلح "الخطير" في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يتطور، ودعوا إلى فرض توقف مؤقت عن تطوير النماذج المتطورة حتى يتم تطبيق حوكمة أقوى. ومنذئذ، تسارع السباق. ليس لدى مجلس إدارة "أوبن أيه آي" المتجدد وقت كثير لإظهار أنه على مستوى التحدي المتمثل في التوفيق بين الابتكار والربح والسلامة.