تركيا تعيش أزهى عصورها الاقتصادية منذ أكثر من 8 عقود

تركيا تعيش أزهى عصورها الاقتصادية منذ أكثر من 8 عقود

كان للخطط الاقتصادية التي قدمها صندوق النقد الدولي لتركيا ورغبة أنقرة في الانضمام لدول الاتحاد الأوروبي تأثير قوي وإيجابيا على الاقتصاد التركي فقد أشارت البيانات والأرقام الرسمية إلى أن الوضع الاقتصادي في البلاد شهد خلال عام 2005 معدل نمو كبير لم يسبق له مثيل كما تلوح في الأفق أيضا دلالات حول مستقبل مشرق رغم الاعتراف بوجود مخاطر تتمثل في ارتفاع عجز الميزان التجاري والتفاوت الكبير في توزيع الدخل القومي بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. ومن المتوقع أن يرتفع الدخل الإجمالي السنوي نسبياً في عام 2006. وكان قد ارتفع معدل النمو في عام 2004 نحو 8.9 في المائة، وفي عام 2005 نحو 5.1 . وتُشير التوقعات لعام 2006 إلى نمو يُقدّر بـ 5 أو 6 في المائة.
وفي خضم هذا ظهر في تركيا فجأة مرض إنفلونزا الطيور ليحصد أرواح أربعة ضحايا كانوا يعيشون في مناطق مختلفة في تلك البلاد الفقيرة التي تعاني أيضا من تدني مستوي التعليم. ويشير ظهور المرض هنا إلى حجم التحدي الكبير الذي يجب على تركيا مواجهته لتعمل على معادلة مستويات المعيشة المتباينة الموجودة فيها، حيث يجني كل واحد من أربعة من مواطني الجمهورية نحو دولارين، أو أقل، يومياً.
وفي حالة انتشار داء إنفلونزا الطيور بشكل أكبر يزيد على معدلات كانون الثاني (يناير) الماضي، من المحتمل أن يؤدي هذا حينها إلى تراجع واضح على معدلات النمو في اتجاهين: الأول يتمثل في التراجع الحتمي لقطاع تربية الدواجن الذي سيؤدي إلى ترك بصمات طفيفة على معدل الإنتاج الإجمالي القومي علماً بأن هذا القطاع يسهم بنحو 362 مليار دولار في حجم الناتج الإجمالي. أما الاتجاه الثاني فيتمثل في تراجع نسب السياحة إذا قرر السائحون زيارة تركيا، بالرغم من أن الأماكن السياحية بعيدة عن المواقع المشبوهة بإصابتها بفيروس داء إنفلونزا الطيور. وبالفعل أبلغ أحد المواقع السياحية الكبرى في تركيا أخيرا عن انخفاض عدد الحجوزات لديها عمّا كان متوقعاً، نظراً لظهور فيروس إنفلونزا الطيور.
وكان الدخل القومي الصافي لتركيا خلال العام الماضي قد سجل ارتفاعاً بفعل السياحة بنسبة 20 في المائة أي نحو 16 مليار دولار. وساعد هذا الدخل على تمويل جزء من عجز الميزان التجاري، الذي أشار أخيرا إلى معدل قياسي جديد من العجز بما يعادل 42 مليار دولار. وإضافةً إلى هذا، ارتفع مقدار العجز للميزان الإنتاجي إلى قيمة قياسية جديدة. حيث يتضمن مقدار العجز، الذي يبلغ 23 مليار دولار، جزءا من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي بقيمة تُعادل 6.3 في المائة. وإن لم تنم حركة السياحة هذا العام أكثر، عندها سيزداد حجم عجز الميزان التجاري الإنتاجي إلى معدلات أعلى بفعل قوة الامتصاص الاستيرادية غير المتوقّفة.
وبرغم هذه الظلال والسحب الغائمة، إلا أن المزاج الذي لا يزال يسيطر على الأوضاع الاقتصادية التركية يتميّز بـالابتهاج فمن الصعب الاستمرار دون الاحتفاظ بالتفاؤل ويقول رجل الأعمال التركي الكبيربولند إكزاسيباسي رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات إكزاسيباسي إن الأسباب التي مكّنت خطط إعادة الهيكلة العام الماضي من تحقيق محيط اقتصادي مستقر تتمثل في تراجع العجز التجاري لدى خزانة الحكومة، والمديونية العامة، إلى حدٍ كبير، حيث ازدادت سرعة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبدأت إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر).
ويتفق معظم المراقبين الاقتصاديين على هذا الرأي حيث رفعت كافة منظمات التقييم الائتمانية الكبرى خلال الأشهر القليلة الماضية من المكانة الائتمانية التي تحظى بها المؤسسات التركية، وقال هوج بريدنكامب ممثل صندوق النقد الدولي في أنقرة إن تركيا تعيش أزهي سنواتها الاقتصادية منذ تأسيس الجمهورية عام 1923. ولأول مرة سوف تقوم السياسة المالية بتحمّل كامل المسؤولية وذلك بمساعدة البنك الدولي الذي منح تركيا في كانون الأول (ديسمبر) قرضاً إضافيا بما يعادل 1.5 مليار دولار لمزيد من مشاريع إعادة الهيكلة، وتطوير السياسة. وبهذا تحظى تركيا من البنك الدولي بنحو 2.5 مليار دولار في عام 2006، مُشكّلةً ثاني أهم دولة مُقترضة حتى الآن.
ويقول رودريجو خافيس أحد أهم الخبراء الاقتصاديين في مكتب البنك الدولي في أنقرة إن الحكومة القوية قامت بالحد من الموازين الاقتصادية المتباينة مضيفا أن حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان هي أول حكومة تركية تحظى ببرنامج معادلة البنية من قبل صندوق النقد الدولي، الذي أخضعه البنك الدولي للدراسة، والأولى التي قدّمت لتحصل على موافقة صندوق النقد الدولي على صنع ميثاق ينص على طلب الدعم.
ويعود أصل هذا الميثاق الأخير على طلب الدعم من ربيع عام 2005، إلى عام 2001، الذي أدى إلى إنقاذ تركيا من الانجراف نحو إفلاس خزانتها الحكومية. ومن المفترض أن يسري الميثاق الجديد حتى عام 2008، وهو يرتكز على نحو عشرة مليارات دولار. والهدف هو التأكيد على تحقيق الاستقرار. وعليه تلتزم تركيا بمزيد من خطط إعادة الهيكلة فيما يتعلّق بتنظيمات التأمين الاجتماعية الحكومية.
ولا يحتفظ ممثلو الحكومة بأية أسرار فيما يتعلّق بهذه الأمور، حيث يضعون نصب أعينهم مواصفات اتفاق ماستريخت الأوروبي لدى تنفيذ الأهداف المالية. ولهذا تراجع حجم المديونية الحكومية من قيمة حجم الإنتاج المحلي الإجمالي من 102 في المائة (أعلى قيمة لها عام 2001) إلى 70 في المائة. وتم تمديد معدل الفترة الزمنية المسموح بها للقروض، خلال المرحلة نفسها، من 90 يوماً إلى 27 شهراً. وتتوقّع منظمة تقدير المعدلات الائتمانية فيتش Fitch تراجعاً آخر في عام 2006 على حجم المديونية الحكومية إلى 64.5 في المائة من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي، وإلى أقل من 60 في المائة في عام 2007، حيث تراجع عجز الخزانة الحكومية من 16 في المائة من قيمة حجم الإنتاج المحلي الإجمالي عام 2001 إلى 3.4 في المائة عام 2005. وتتوقع منظمة فيتش أن تصل هذه النسبة إلى 1.6 في عام 2006. ويعود السبب الرئيسي في تحقيق مثل هذه الحصص المهمة إلى تراجع حجم دفع الفائدة من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي من 23 في المائة عام 2001 إلى 9.5 في المائة عام 2005.
ولا تُعد معدلات النجاح في محاربة التضخم أقل تأثيراً، حيث ارتفعت معدلات قائمة أسعار الاستهلاك عام 2005 نحو 7.7 في المائة. وهذه كانت أقل معدل نمو منذ عام 1968. وتناضل الحكومة الآن لتحقيق معدل تضخم جديد يُقدر بـ 5 في المائة فقط. وبهدف الوصول إلى هذا المعدل عرض البنك المركزي برنامجاً مالياً جديداً، والذي تمت الموافقة عليه من قبل صندوق النقد الدولي. وسيقدّم عقب هذا هدفاً يخص معدل التضخم لكل ربع من السنة. وفي حالة فشل الهدف بما يزيد على 1 نقطة في المائة، عندها سيبدأ البنك المركزي، بالترافق مع صندوق النقد الدولي، في طلب الاستشارات. وفي حالة فشل الهدف بما يزيد على 2 نقطة في المائة، عندها يلتزم البنك المركزي بمعايير مضادة. وتُشير فرص عام 2006 إلى محدودية قدرة البنك المركزي على الوصول إلى الهدف، نظراً لأسعار النفط المرتفعة، وضغط التضخم الداخلي المتزايد.
وتؤكد الأحداث حتى الآن أن سويريا سيردينجاستي محافظ البنك المركزي التركي وصاحب الفضل في وضع السياسة الحكيمة لتحقيق الاستقرار المالي الجديد، سوف سيستقيل من منصبه خلال عام 2006 الجاري، حيث تنوي حكومة أردوجان منح المنصب لأحد ممثليها والمنتمين لصفوفها.

ويتهم القطاع الصناعي التركي سيردينجاستي بأنه يحافظ على ارتفاع سعر الفائدة أثناء محاربة التضخم، وبهذا ترتفع قيمة الليرة التركية عند الشراء. وتُقدّر الصناعة التركية قيمة هذا الارتفاع إلى ما يُعادل 15 في المائة على الأقل، بالتوازي مع التضخم، حيث انخفضت الفائدة الأساسية لقرض الخزانة من 93 في المائة عام 2001 إلى نحو 14 في المائة فقط. وهذا يتضمن الفائدة الحقيقية أيضاً، والتي تبلغ قيمتها نحو 6 في المائة، والتي سترفع في غضون فترة زمنية قصيرة من قيمة المال بطريقة ملتهبة، وكذلك بالنسبة لليرة التركية. ويتناسب هذا مع الاستيراد، ويرفع من أسعار التصدير، ويعتني بالمعدلات القياسية للعجز في الميزان الإنتاجي.
ويري كبار رجال الأعمال مثل إكزاسيباسي وخبراء اقتصاد مثل خافيس مخاطر كبرى من خلال ارتفاع حجم عجز الميزان الإنتاجي بنسبة 6.3 في المائة من قيمة حجم الإنتاج المحلي الإجمالي خلال عام 2006. والأهم أنه سيزيد من تعرض مصادر التمويل في تركيا للهدم. وبالرغم من هذا تشهد الاستثمارات الأجنبية المباشرة ازدهاراً. وتتوقع مؤسسة فيت أن تتمكن الاستثمارات من تمويل نحو 30 في المائة، على أفضل الأحوال، من عجز الميزان الإنتاجي في عام 2006. ولا يرى إكزاسيباسي أية مخاطر فعلية على عجز الميزات الإنتاجي، نظراً لارتفاع معدلات الاحتياطي بما يعادل 45 مليار دولار، وأنظمة البنوك القوية لكنه يرى مخاطر كبرى على التطوّر الاقتصادي في السياسة: حيث سيتم انتخاب رئيس حكومة وبرلمان جديد في عام 2007 المُقبل. ويتوقّع رجل الأعمال المميز أن يزداد حجم المناورات السياسية مباشرةً في عام 2006. ولكنه يأمل، بألا تبتعد مخططات إعادة الهيكلة ومفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عن الأعين.
وتكمن القوة الدافعة الجديدة في النهاية لدى المستثمرين الأجانب حيث قامت نحو خمسة بنوك أجنبية كبرى خلال العامين الأخيرين ومنها بنك فورتيس، Fortis وبنك يونيكريديتو، Unicredito إما بعقد مشاركة مع البنوك التركية أو نجحت في ضمها بالكامل. وظهر قبل ذلك بعدة أعوام في سوق المال والأعمال التركي بنكيا HSBC ومجموعة سيتي جروب البنكية العملاقة وارتفعت قيمة المساهمة الأجنبية لدى الأنظمة الائتمانية التركية منذ عام 2004، من 3.3 في المائة إلى 12.4 في المائة.
وإلى جانب هذا سارعت الحكومة إلى تخصيص القطاعات المهملة. وحققت هذه التوجهات وحدها خلال الأشهر الأخيرة الماضية نحو 55 في المائة من الدخل الإجمالي للاتصالات التركية من 6.5 مليار دولار، ونحو 51 في المائة من مجموعة تشغيل المصافي توبراس، Tupras بما يعادل أربعة مليار دولار، ونحو 46 في المائة من مصانع الحديد إردمير، Erdemir بما يعادل2.7 مليار دولار. وتستخدم الحكومة حلول التخصيص بهدف التقليل من هرم المديونية الكبير. ومع ظهور وباء إنفلونزا الطيور تجد الحكومة التركية اليوم نفسها أمام تحد كبير يتمثل في أن تكرس نفسها أكثر لمحاربة الفقر وزيادة التطوير المحلي.
بلدان وشعوب
ألقى ظهور فيروس إنفلونزا الطيور الضوء على نقطة الضعف المركزية في تركيا، التي يبلغ عدد سكانها 72 مليون نسمة فالقطاع الزراعي في تركيا يشهد ضعفا واضحا ولم يسجل سوى نحو 11 في المائة من إجمالي حجم الناتج المحلي الإجمالي وهي تقل عما سجلته بولندا علي سبيل المثال. وإلي جانب هذا هناك مشكلات أخرى تتعلق بانتشار الفقر والأمية في المناطق الريفية في تركيا التي تبلغ مساحتها ما يقرب من 800 ألف كيلو متر مربع
وفي تركيا لا يزال معدل توزيع الدخل الإجمالي يتصف بالتفاوت الكبير وعدم الإنصاف على مستوى الجمهورية بأكملها حيث تحقق المقاطعات الثرية في غرب الجمهورية دخلاً إجمالياً أعلى بنحو عشرات الأضعاف من معدل الدخل الذي يتقاضاه الفرد في الأحياء الفقيرة في شرق البلاد، مثل مقاطعات أجري وموس.
وإضافةً لهذا يُنفق مجموعة الـ 20 في المائة من ذوي الأقل دخلاً نحو 1.9 دولار للفرد يومياً. ويُقدّر البنك الدولي دوماً دخلاً إجمالياً سنوياً بالمعدل لكافة الجمهورية ما يعادل 7680 دولار للفرد على أساس التعادل في القوة الشرائية، حيث تحتل تركيا مركزاً يسبق بلغاريا ورومانيا. وإضافةً لهذا حسب تقدير جاء عن البنك الدولي، لا توجد إحصائية متضمّنة نحو نصف الإنتاج الاقتصادي. وتنوي الحكومة والبنك الدولي أن يغيّرا بعض الأمور مثل الحصص المخصصة للقروض لبعض المنازل غير الشرعية، من خلال اتباع برامج معيّنة، حيث تم بناء ما يزيد على النصف من المنازل داخل المدن الكبرى دون الحصول على ترخيص للبناء.

الأكثر قراءة