503 محال عطارة في العاصمة .. بدعوى «العلاج» يُباع «الموت» أحيانا!

503 محال عطارة في العاصمة .. بدعوى «العلاج» يُباع «الموت» أحيانا!

للتداوي بالأعشاب تاريخ قديم يرجع إلى الآف السنين، فالله – سبحانه – اختص النباتات بميزة الغذاء التي لاغنى عنها، وأوجد منها الدواء للأمراض، ولما لعلم الأعشاب وما تقدمه محال العطارة المنتشرة، والتي يفوق عددها الصيدليات الطبية، وفي ضوء هذا التطور الكبير الذي أوجد الإقبال المتزايد على الأدوية العشبية، إلا أن ما يردده المعالجون الشعبيون والرقاة والعطارون '' الأعشاب إذا ما أفادت لم تضر'' أخذت منحى آخر، فما هي إلا نباتات سامة لها تأثيرات طبية. وبحسب إحصائية وزارة التجارة فإن عدد محال العطارة على مستوى المملكة يبلغ 1754 كان نصيب منطقة الرياض 503 محال.
''الاقتصادية'' تناولت جوانب ''العطارة'' من خلال استطلاع آراء المختصين إلى جانب جولة على محال العطارة لكشف خبايا ما تحويه ''صيدلية الفقراء'' وطرق التعامل فيها وأسرارها. وكانت أولى علامات التحذير امتناع غالبية أصحاب محال العطارة عن الحديث، معللين ذلك بعدم معرفتهم بأي شي يتعلق بالعطارة، الأمر الذي يضع عديدا من علامات الاستفهام حول نشاطهم التجاري الذي لا يعرفون عنه إلا أسعاره وأرقام أرباحه.
في البداية أوضح الدكتور فهد بن محمد الخضيري، عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لحماية المستهلك وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان، أن العطارة معروفة في جميع دول العالم بأن لها استخداماتها الطبية والاجتماعية ولها فوائد جمة، وقال ''90 في المائة من الصينيين حاليا يتعالجون بالأعشاب والطب البديل، الذي يحتاج إلى دراسات وخبرة''، وأضاف ''مع الأسف الشديد هذه الخبرة والدراسات ليست موجودة لدينا في المملكة إلا نادرا، فهي ليست مكتوبة ولا مؤصلة، وقد دخل في العطارة وطب الأعشاب الدجالون وآكلو أموال الناس بالباطل والمشعوذون، حتى إن المرضى تفاقم مرضهم بسبب جهل وطمع بعض العطارين''.
وأوضح الدكتور الخضيري أنه بالنظر إلى الأعشاب فإنها تمتلك فوائد عظيمة، وقد تمت دراستها في الجامعات الصينية والهندية، وتخرج أطباء معتمدون في تلك الدول الشرقية، حتى أمريكا وألمانيا أصبحت تؤمن بالطب البديل وطب الأعشاب كمنهج رسمي وله كلياته وجامعاته. وقد وجد أن بعض الأعشاب والمستحضرات العشبية تعالج بعض الأمراض كما ثبت في الهند علاج مرض السكر بالحلبة، وعلاج ضعف المناعة بالحبة السوداء والعسل والثوم، وعلاج بعض مشكلات الجهاز الهضمي ببعض الأعشاب كالكمون والبابونج، مستدلا بعشرات الدراسات والبحوث الطبية من الهند والصين وبعض دول أوروبا تثبت فائدة تلك الأعشاب طبيا وكيماويا، وقال ''المشكلة أن بعض الدجالين لدينا ممن يزعمون العلاج بالأعشاب في بعض محال العطارة يخلطون بعض البرسيم مع بعض العسل ويضيفون عليه مركبات كيماوية علاجية من المستحضرات الطبية التي تباع في الصيدليات ثم يزعمون إنها خلطة عشبية، وبالتالي يخدعون المريض فيتناولها دون حساب التركيز والكميات، ما قد يسبب بعض الفشل الكلوي والكبدي وبعض مشكلات القلب وأجهزة الجسم الأخرى، ففي بعض التحاليل الكيماوية لخلطة عشبية زعم بائعها إنها تعالج مرض السكر، وجد أن هذه الخلطة قد تم خلطها مع  حبوب مخفضات السكر والمعروفة (بالجلوكوفاج) (الميتوفورمين)، وهذا يدخل ضمن الغش الذي يعد جريمة قد تسبب موت المريض خصوصا إذا أخذ جرعات عالية لأن الخلطات غالبا لا يراعى فيها وزن المريض ولا حالته الصحية ولا مرحلة المرض لديه.
واستشهد الدكتور فهد بتحليل لدى مختص آخر تم اكتشاف إضافة بعض من مادة ''الكورتيزون'' الطبية لعلاج البهاق الإكزيما، وقد أُضيفت بنسبة عالية جدا لتتجاوز الحد المسموح به طبيا، بما يفوق تسعة أضعاف الحد الذي يتحمله الجسم، وهذه جريمة قد تسبب السرطان لمن يستخدم تلك الخلطات.
وكشف عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لحماية المستهلك وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان، عن بعض الخلطات التي تتناولها السيدات لتطويل الشعر أو تكبير بعض أعضاء الجسم أو تصغيرها، والتي تحتوي على سموم مسرطنة، كما أن بعض الكريمات التي تبيعها بعض العاملات في المشاغل أو بعض محال العطارة أو يتم الإعلان عنها في بعض الوسائل الدعائية مثل الجرائد المجانية التي توزع بشكل يومي وتختص بالدعاية والإعلان تحتوي على مركبات يزعم صانعوها أنها تساعد على تبييض البشرة، حيث ثبت إنها مليئة بالزئبق وبعض المعادن الثقيلة التي تقتل المستهلك لها، والتي غالبا يظهر أول أثارها ببقع دائمة للجلد، وقد يصل الأمر لسرطان الجلد، محذرا من التعامل مع مثل تلك المحال يجد فيها المستهلك الغش والتدليس غالبا في تجارتهم التي تعتمد طب الأعشاب والخلطات السرية التي تباع ويتم تسويقها في المملكة، فمعظم هؤلاء العطارين لا يهمهم سوى الكسب المادي السريع ولا ينظرون لصحة المريض، فهم يبيعون الأوهام والموت بدعوى العلاج.
وعن ما يتردد من تحسن بعض الحالات المرضية من قبل خلطات العطارين، أوضح الدكتور الخضيري أنهم تحسنوا لفترة قصيرة فقط بسبب إن تركيز الخلطات المستخدمة عالية، إلا إن المريض سيجد إنه وبعد فترة قصيرة ينتكس أو تحصل له مشكلة صحية كبيرة، كاشفا عن قدوم مريض بالسرطان لديه قبل أشهر، وكان يعالج بالعلاج الكيماوي والإشعاعي وقد تحسنت حالته كثيرا واستجاب للأدوية والعلاج الطبي، وسار على طريق الشفاء ولكن فجأة انتكست حالته الصحية وحصلت له مشكلة في الكلى والكبد، وبعد أن دخل في العناية المركزة وأفاق من غيبوبته اتضح أنه تعالج بخلطة سرية تباع عند أحد الدجالين بثلاثة آلاف ريال، وقد تناول منها جرعتين فقط أدت به إلى مشكلات صحية متتالية وتضاعفت مشكلات الطبية إلى فشل الكلى، فصار محتاجا إلى الغسيل الكلوي كل يومين إضافة إلى معاناته مع مرض السرطان، معتبرا تلك الحالة مثالا من بين أمثلة كثيرة لا حصر لها نراها في المستشفيات.وطلب الدكتور فهد من وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء والمؤسسات الحكومية حماية المجتمع من هؤلاء الدجالين الذي يعلنون في الصحف المجانية والتي يتم تسويقها على المنازل والبقالات وإيقافهم والتحقق من ممارساتهم وتقديمهم للمحاكمة وإيقاف شرورهم.
من جهته، تحدث العم عبد المنعم الحسين صاحب أحد محال العطارة قائلا ''امتدت مهنتي للعطارة منذ أكثر من 70 عاما، حيث يتم استيراد بضائعنا من الأعشاب وغيرها من دول آسيوية عدة كالهند والباكستان وسورية، والتي تعتبر تجارة رابحة تسهم الخبرة والمعرفة وطول الممارسة بنجاحها بشكل كبير، موضحا أن حفظ الأعشاب يتم في المحل وفي مكان جاف، فهي تستورد بأوزان كبيرة تعبأ في أكياس، أما عن مدة الحفظ أوضح أن ذلك يخضع للتصريف والاستهلاك.
وعن إقبال المستهلكين على العطارة وتداولهم للأعشاب أوضح الحسين أن محال العطارة بشكل عام تجد إقبالا كبيرا من مختلف الشرائح، فالمجتمع مؤمن بأهمية التداوي بها، مبينا أن أسعارها تعتمد على مقدار التداول، فالأعشاب المتداولة لاتتجاوز 80 ريالا، أما غير المتداولة فترتفع نوعا ما.
وعن أغرب الطلبات أوضح العم عبد المنعم أن هناك زبائن يؤمنون بشكل غريب بالمشعوذين والدجالين، حين ترد للمحل طلبات غريبة كديك أعور وفضلات حيوانات وماشابه ذلك.
وعن تناقل الناس لفائدة حشرة '' القمل '' للشعر والتي ثبتت أضرارها الصحية، أوضح الحسين أنها معروفة لدى البدو بفعاليتها للرأس بشكل عام، لكن لا يوجد أحد اليوم يجمعها ويقدمها للبيع.
أما البائع امتياز علي فذكر أن محال العطارة تجد إقبالا واسعا من مختلف الشرائح، مشيرا إلى أن خبرته ذات الأعوام الخمسة قادته إلى إدارة محل للعطارة في البطحاء، مشيرا إلى أن الناس أصبحوا يصفون محال العطارة بـ''صيدلية الفقراء''.
وعن الحفظ قال امتياز أنه يتم في أدراج مكشوفة، مرجعا ارتفاع أسعار بعض الأعشاب إلى ارتفاع ثمنها، مشددا على أن عمله لا يخضع للرقابة وقال ''لا توجد رقابة علينا، لم أر أحدا''، مؤكدا أن الخلطات والتركيبات تتم بحسب طلب الزبون.
من جهته نفى خالد المحمود فعالية محال العطارة إلا في بعض الأعشاب وبشكل محدود، معللا ذلك بما يحدث من بعض العطارين والمعالجين الشعبيين بتصنيع وخلط عدة أعشاب ومركبات والتي وجد أن أكثرها ملوثة بأنواع البكتريا والفطريات ومغشوشة بأدوية كيماوية تضاف إلى بعض الأعشاب، وهو ما رصدته الصحف.
أما نسيم محمد فتذكر تجربتها مع محال العطارة والتي تصفها بالتجربة الفاشلة خاصة فيما يختص بالخلطات، كترويج خلطة لإزالة البقع وتغيير اللون والتي أحدثت لبشرتها الكثير من الحروق لولا المعالجة الطبية السريعة، موضحة أنه من خلال تكرار زيارتها للعطارين فهم يملكون القدرة على الإقناع، كما يجزمون بأن هذه الكريمات تستحق التجربة، كاشفة أن أغلب النساء يملكن أرقاما عدة لأصحاب محال عطارة يزاولون أنشطتهم على مدار 24 ساعة من خلال توصيل الأعشاب والخلطات إلى المنازل، مؤكدة أن أحدا لا يمكنه كشف مكونات تلك الخلطات والتي يصفها أولئك الباعة بأنها سرية وغير قابلة للنشر.

الأكثر قراءة