اللغات «الصغرى»
في أخبار الرياضة يكون الخبر أو عنوانه هو فوز الفريق الفلاني على الفريق الآخر بثلاثة أو أربعة أهداف "نظيفة"، ومنذ مدة وأنا أتوقف على هذا الوصف، أستخدم المنطق لأستنتج أن وجود أهداف نظيفة يقتضي بالضرورة وجود أهداف غير نظيفة، وأن وصفها كذلك في الخبر أو العنوان غير ملائم.
أيضا تساءلت: إذا جاء الخبر أن الفوز بكذا هدف ولم يتم وصفها بالنظيفة فهل هذه إشارة إلى شيء ما، بالطبع لا، لكن يبدو أنه اعتياد، وهو أيضا وصف غير دقيق، واستنتاجي الشخصي على ضعف خبرتي الكروية أن المقصود بالهدف النظيف هو الذي لا غبار عليه منذ بدء الهجمة حتى نهايتها، ولم يتم الاحتكاك بلاعبي الخصم بشكل يشكك في خطأ ما، ولم يكن هناك امتعاض من مستوى حكم المباراة.
الوصف أخذني إلى أوصاف أخرى أو مصطلحات أخرى في هذا العالم، ببحث صغير على محرك البحث، وسؤال مستشاري الكروي السري الذي كان ينقذني في بعض صباحات العمل التي تلي المباريات المهمة، من هذين المصدرين اطلعت على كثير من الكلمات، مثل "أسيست" المشتقة من الإنجليزية بمعنى "أعان أو ساعد"، وهي تعني في الكرة التمريرة الحاسمة المؤدية إلى هدف، أي أن صاحب الأسيست هو صانع الهدف.
القائمة طويلة، فهناك "الريمونتادا" التي تعني عودة الفريق لتحقيق التعادل والفوز بعد أن كان مهزوما بأهداف كثيرة في المباراة نفسها أو في الإياب بعد خسارته في الذهاب، وهناك "جرينتا" التي تعني الروح القتالية والإصرار على تحقيق الفوز.
الكلمات متعددة المصادر الأصلية بين الإسبانية والإيطالية، ربما لقوة وانتشار الدوري هناك في فترة ما، لكن شاهدي أنها باتت لغة صغيرة عند أهل الكرة، لغة عالمية يفهمونها، وكلما صغر متوسط الأعمار ابتعدوا عن المسميات الأصلية في لغاتهم إلى المسميات التي ترسخت في هذا العالم، عالم كرة القدم كمثال واضح وقوي للفكرة.
هناك لغات صغرى متعددة اليوم، في الكرة، وفي العالم الرقمي، والإعلام الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية عن قرب وعن بعد، وأزعم أن مثلها كثير في عوالم أخرى أصغر فأصغر.
هذه اللغات الصغرى في ظني تشكل شيئا من هويات كبرى يجتمع فيها أو ينتمي إليها أصحاب كل مجال، أو عشاقه المفتونين فيه، وهذا التخمين سببه أن من لا يعرف مصطلحات أهل الألعاب أو أهل العالم الرقمي يشعر بغربة تشبه غربة من يجلس إلى مجموعة يتحدثون بلغة غير لغته.
هل تتفقون مع هذه الفكرة؟