تزويد محرك النمو الاقتصادي بالطاقة
لقد كانت هنالك قوة دفع رئيسية، تزود الاقتصادات بالطاقة منذ الثورة الصناعية، وعلى الرغم من ذلك فإنها لا تزال متأخرة عن بعض محركات النمو التي يُروج لها بشدة، وأحدثها إنفاق المستهلك.
وفي كتاب جديد من تأليف روبرت آيرس أستاذ «إنسياد» الفخري للعلوم الاقتصادية، والسياسية وإدارة التكنولوجيا، وكبير زملاء البحث، بنجامين وار، يقولان إن الخبراء الاقتصاديين يفوتون محرك نمو رئيسي للاقتصاد، وهو الطاقة التي يتم تحويلها إلى «عمل مفيد».
وينحرف الكتاب بعيداً عن نموذج اقتصادات الاتجاه السائد الذي تم تطويره في عام 1956 من قبل الاقتصادي روبرت سولو. فبينما اعتقد أوائل الخبراء الاقتصاديين أن محركات النمو كانت في الأساس عبارة عن تزويد متنام لليد العاملة، إضافة إلى المدخرات، والاستثمارات، فإن الاعتقاد السائد الآن هو أن النمو يدفعه التقدم التكنولوجي المُعبّر عنه بـ «رأس المال البشري»، ناهيك عن الاستهلاك. ويتفق آيريس ووار مع وجهة النظر التقليدية، بقدر ما يعمل الطلب المتزايد على إيجاد اقتصادات الحجم الكبير، والخبرة، وكذلك الأبحاث والتطوير التي تقلل من التكلفة، التي تعني في المقابل أسعارا أقل، فإنها من ثم تؤدي إلى تزايد في حجم الطلب مجدداً. ولكنهما لا يتفقان بشأن دور الطاقة، والعمل المفيد.
وكما يوضّح آيريس قائلا: «وفقاً للنظرية القياسية، فإن الطاقة سلعة وسيطة يمكن أن يتم إنتاجها عن طريق بعض التمازج بين الاستثمار الرأسمالي، واليد العاملة (إضافة إلى التكنولوجيا). وإن ذلك يعني، أن النمو الاقتصادي مستقل بصورة جذرية عن استخدام الطاقة، الأمر الذي يشير في المقابل إلى أن النمو يمكن أن يتواصل ضمن معدلات تاريخية مطلقة. وعندما يتحدث الناس عن الانتعاش، فإن ما يقولونه ضمنياً هو أن الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن يعاني حازوقة، أو ربما يعاني حالة إصابته بإنفلونزا خنازير، وبالتالي فإننا نتوقع أن نعود، عاجلاً أم آجلاً، إلى مسار نمو يتوقف شكله على مساره خلال المائة عام الماضية».
«ولكن إذا كنا محقين، وأنا أعتقد أن هنالك أكثر من مجرد فرصة ضئيلة بأننا فعلاً على حق، فلا يمكنك أن تخرج بتلك الفرضية، حيث إنها فرضية خطيرة للغاية، وهي تؤدي بصورة كامنة إلى مشورة خطيرة للغاية للقادة السياسيين. فعلى سبيل المثال، نحن نواجه بصورة مباشرة تضاربا محتملا بين فكرة فرض الضرائب على استخدام الطاقة، ووضع حد لانبعاثات الكربون، وأي منهما سوف تعمل على رفع الأسعار، بينما في الوقت نفسه، نأمل ألا يتأثر النمو». «لذا علينا أن نكون أذكياء للغاية خلال الأعوام والعقود المقبلة لتجنب ذلك النوع من التناقض. علينا أن نوفر أساليب لرفع الكفاءة التي عن طريقها ننتج عملاً مفيداً، ومواد مفيدة، ومنتجات، وخدمات ..إلخ، دون ضرورة زيادة التكاليف. والحقيقة، على النقيض من ذلك، علينا أن نبحث عن طرق لإنتاج ما يزيد على العمل المفيد، والقيام به بمدخلات موارد أقل، أو بكلمات أخرى، أرخص».
وعلى الرغم من ذلك، فإن العقلية المتغيرة ستكون صعبة، كما يقول وار. «إن النهج القياسي مقبول على نطاق واسع عموماً، وربما الصحيح أنه ليس مقبولاً على نطاق واسع، ولكن يفترض أنه على نطاق واسع. وهو مبني ضمن كافة نماذج التنبؤ العالمية الرئيسية أو النماذج المالية، وهي نماذج تدفق الأموال الرئيسية المستقبلية للشركات».
منظور مختلف
هذه هي المسألة التي يحاولان التطرق لها من خلال بحثهما، وكتابهما، حيث إنها مُختارة من بين نتائج تجريبية يعود تاريخها إلى عام 1900، وقد طور آيريس، ووار، قاعدة بيانية تتعلق بكفاءة استخدام الطاقة، مختلفة عن الكتاب القياسي لاستهلاك الطاقة والتكاليف. فعلى سبيل المثال، ينظر هذا النهج الجديد إلى أن سائق السيارة أقل اكتراثاً بشأن سعر النفط في المضخة، بالمقارنة باهتمامه بشأن الحصول على مزيد من الأميال من حيث تكلفة تعبئة خزان الوقود بالكامل. وبكلمات أخرى، فإن تكلفة خدمة الطاقة، التي يدعونها العمل المفيد، تُؤخذ بعين الاعتبار.
«إن النفط يُستخدم للقيادة، والتسخين، وللعمليات الصناعية. وقد عدنا في الوقت، وقدرنا كفاءة كل من تلك التكنولوجيا المختلفة، بالارتكاز إلى بيانات هندسية، منذ بدء القرن العشرين. وبوضع كل ذلك مع بعضه بعضا يمكننا أن نتوصل إلى تقدير موثوق به، إلى حدٍ ما، عن الكفاءة التي تم استخدام الطاقة بها في الاقتصاد بأكمله، من المصدر إلى الاستخدام».
«لذا، من نقطة البدء الثابتة هذه للبيانات التجريبية المفصلة، فإن مبادئ الديناميكيات الحرارية تسمح لنا بتحديد مقدار التحسينات على أساس مبادئ ديناميكيات حرارية أساسية، ونحن قادرون على إعادة إيجاد بيانات تاريخية بدقة للنمو الخاص في عدة دول، بحيث يكون بإمكاننا توفير البيانات الضرورية. وبالتالي فإن هذه نقطة بدء جيدة لنكون قادرين على النظر إلى المستقبل»، كما يقول وار. وإن نقطة بدء أخرى جيدة، كما يضيف، ستكون بالاعتراف بأن الطاقة وحجم الناتج المحلي الإجمالي، هما في الحقيقة مترابطان. «إن ما نحاول أن نُظهره هو أنك إذا قيّدت كمية مدخلات الطاقة إلى الاقتصاد، دون تحسين الكفاءة التي يتم عن طريقها استخدام الطاقة، فإنك تقيّد كمية العمل المفيد الذي توصله إلى الناس. وبالتالي ستكون لذلك تأثيرات سلبية على النمو. بل يمكن للنمو أن يتباطأ، أو يتوقف، أو حتى يتراجع».
«وإن ما نحاول إظهاره كذلك هو مسار الخروج من هذا المأزق. فبكمية مدخلات الطاقة الخام نفسها، إذا قمت بتحسين الكفاءة التي يتم عن طريقها استخدام الطاقة، فإنك تولد مزيدا من العمل المفيد الذي يتم توصيله إلى نقطة الاستخدام في الاقتصاد. وهذا هو دور التكنولوجيا. وبالتالي فإنك تولد مزيدا من خدمات الطاقة لكل وحدة مدخلات طاقة مقابل السعر نفسه. وإن ذلك مصدر موثوق للنمو».
تصرف الآن وليس لاحقاً
لكي تعمل على حمل هذه الخطوة إلى ما هو أبعد من ذلك، يقول آيريس إن عدم كفاءة استهلاك الطاقة يمكن أن يعود إلى حدٍ ما إلى الأزمة المالية الحالية. «فمن الممكن أن تجادل بأن السعر المرتفع للطاقة الصيف الماضي كان هو العمل المثير، أو على الأقل أحد عوامل الإثارة التي عملت على البدء بحالة الانهيار العقاري. لماذا؟ لأنه مع ارتفاع تكاليف المعيشة لدى كثير من الناس، الذين كانوا يعانون مشكلة أصلاً فيما يتعلق بسداد أقساط الرهون العقارية القابلة للتعديل، فإن سعر العقار بدأ في الارتفاع إلى معدلات قياسية أو الهبوط. وذلك ما عمل على إشعال المشكلة المالية برمتها، وهي التي بدأت بالأوراق المالية المرتكزة إلى الرهون العقارية التي أصبحت الآن سمية.. لذا من المهم للغاية جعل عمليات تحويل الطاقة إلى عمل مفيد (وكذلك منتجات مفيدة وخدمات) أكثر كفاءة. ولجعل الأمر حقيقة في غضون فترة أقصر مما لو تركنا الأسواق تهتم بحدوث ذلك.. فلا بد من تسارع الاستثمار في تلك البدائل».
نحن لا يمكننا ببساطة أن ننتظر حدوث أزمة، ومن ثم نبدأ في التفكير بشأن الطاقة، كما يقول وار. «إن ظاهرة مثل أزمة الائتمان، وصعود أسعار النفط، والضغط الناجم عن عدد السكان المتنامي، فإنه سوف يعني حجم طلب متزايد على الطاقة، والمياه، وإذا فكرت بشأن المياه، فلابد من ضخها وتنقيتها. وفي أماكن مثل دولة الإمارات ، تخصص جزءا كبيرا من استخدام الطاقة لتنقية المياه. وإن الزراعة معتمدة بالكامل على مدخلات الطاقة، والزراعة الصناعية، والأسمدة، والمحاريث، وكل ما تبقى».
«لذا فإن هذا الاعتماد على الطاقة سوف يستمر في الكشف عن نفسه من حين إلى آخر. وفي كل مرة يحدث فيها واحد من تلك الأحداث، سيحك الناس رؤوسهم، ويسألون «ولكن لماذا فشلت طريقة تفكيرنا الحالية في تزويدنا بأي تحذير من هذا الحدث؟» وبالفعل فإنه سؤال جيد».
* كتاب محرك النمو الاقتصادي: كيف تعمل الطاقة والعمل على دفع ازدهار المواد – The Economic Growth Engine: How Energy and Work Drive Material Prosperity، تأليف روبرت يو آيريس، وبنجامين وار، صدر عن دار إدوارد إلجار للنشر.