التشاؤم يعمينا عن التحولات المبهجة لكوكبنا

التشاؤم يعمينا عن التحولات المبهجة لكوكبنا

هناك ثلاث وجهات نظر عامة حول المستقبل. إحداها - يتبناها الماركسيون واليمينيون وأتباع عالم النفس ستيفن بينكر - هو أن الإنسانية تتقدم. يعتقد آخرون أن التاريخ خال من الأنماط، دون اتجاه محدد لما ستؤول إليه الأمور. لكن وجهة النظر التي أصبحت العرف السائد هي أننا نتجه نحو النهاية. من وجهة النظر هذه، فإن الشك الوحيد يدور حول أي من الأمور الأربعة التالية سيصلنا أولا: تغير المناخ "يضرب الآن في وقت أبكر مما كان متوقعا"، أو الذكاء الاصطناعي، أو جائحة، أو أسلحة نووية قديمة. في مؤشر هوب "أمل" لشركة جالوب الأخير، الذي يستطلع التوقعات العالمية للعام المقبل، تجاوز المتشائمون المتفائلين بأكبر هامش منذ إطلاق المؤشر في 1999.
في بعض الأحيان يكون التشاؤم عقلانيا، لكن الناس يميلون إلى التشاؤم بشكل غير عقلاني بشأن حالة بلدهم أو العالم. مثلا، يشير موقع "أور وورلد إن داتا" إلى أن معظم الناس يعتقدون أن الفقر العالمي آخذ في الازدياد في حين أنه في الواقع يتناقص. قد ينبع هذا التحيز من تأكيد وسائل الإعلام على الأخبار السيئة: الطائرة التي تحطمت، وليست ملايين الطائرات التي لم تتحطم. على النقيض من ذلك، فإن الناس متفائلون للغاية بشأن حياتهم: قلة من المتزوجين حديثا يتوقعون الطلاق.
إن المنظور الأوسع للتشاؤم يعمينا عن التحولات المبهجة الجارية الآن. هناك سيناريو معقول يتحول فيه توليد الطاقة والصحة والحياة العملية إلى الأفضل في هذا العقد.
الأهم من ذلك، أن الطاقة المتجددة تتقدم بسرعة غير متوقعة. توقعت وكالة الطاقة الدولية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي أن تنمو "القدرة العالمية للطاقة المتجددة" بمقدار 2400 جيجاواط من 2022 إلى 2027، "وهو مقدار يعادل حجم الطاقة الكاملة للصين اليوم". كانت "هذه الزيادة الهائلة المتوقعة" أعلى 30 في المائة من توقعات الوكالة للعام السابق. كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية الآن أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة ما يقارب التوسع العالمي بأكمله في مجال الكهرباء. منذ تلك التوقعات، قالت الصين - أكبر مصدر للانبعاثات في العالم - إن قدرتها الشمسية زادت 34 في المائة في الربع الأول فقط من 2023. صحيح أن مستوى استخدام الطاقة المتجددة اليوم ليس كافيا لإنقاذنا، ولكن إذا استمرت وتيرة النمو هذه فقد يكون كافيا.
إن ثورة مصادر الطاقة المتجددة مستدامة على وجه التحديد لأنها تنبع من المصلحة الذاتية القوية قصيرة المدى. يحدث ذلك لأن التكنولوجيا المحسنة أدت إلى خفض الأسعار. وسيشجع هذا الاتجاه الدول على بناء قدرة أكبر. كما ينبغي أن تثبت معظم مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة أنها أرخص بكثير بمرور الوقت من مصادر الوقود التقليدي الحالية.
عندما يتعلق الأمر بالمناخ، فإن التكنولوجيا الخضراء الرخيصة هي أملنا الوحيد. تعلمنا خلال الـ30 عاما الماضية أن الدول لن تقدم تضحيات دولية جماعية من أجل حماية الأجيال القادمة. كما أن الصحوات الأخلاقية الفردية الكثيرة لن تقوم بهذه المهمة. مقابل كل شخص يتوقف عن الطيران، يحجز مستهلكون ناشئون كثيرون رحلاتهم الأولى. الخياران المطروحان هما إما تكنولوجيا نظيفة وإما كارثة.
السبب الرئيس الآخر لتفاؤل الكوكب هو الإنجازات الطبية غير المسبوقة. بحسب أحد التقديرات، 2 إلى 5 في المائة من جميع الوفيات في القرن الماضي كانت بسبب الملاريا. وستصل جرعات لقاح الملاريا الأولى من نوعها إلى الدول الإفريقية هذا العام. تقول الأمم المتحدة إنه يمكننا إنهاء الإيدز بحلول 2030. وأنتج العلماء لقاحات لكوفيد- 19 في أقل من عام. كما تمتلك تكنولوجيا الرنا المرسال الأساسية استخدامات أخرى كثيرة ممكنة، بما فيها لقاحات السرطان المتعددة التي يجري العمل عليها الآن. في الوقت نفسه، أعطت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية هذا الشهر الموافقة الكاملة لعقار ليكمبي، وهو أول عقار تم اكتشافه لإبطاء تقدم مرض الزهايمر. صحيح أن آثاره متواضعة، لكن الدواء الأول لأي علة عادة ما يكون غير مرض. والآن بعد أن عرف العلماء الآليات التي تؤثر في المرض، ينبغي أن تأتي بعده أدوية أفضل. أعلنت الأسبوع الماضي مجموعة إيلي ليلي للأدوية نتائج تجارب مثيرة لدواء للزهايمر. أيضا هناك خط واعد من الأدوية المضادة للسمنة. ومع أنه قد ينتهي الأمر بالذكاء الاصطناعي إلى تدميرنا، فإنه في الوقت الحالي يسرع اكتشاف الأدوية بشكل كبير.
يتولى الذكاء الاصطناعي بالفعل أعمالا عادية كثيرة، من ترميز البرمجيات، وكتابة النصوص، وملء النماذج، وحتى ترجمة الكتابة المسمارية الأكادية التي يبلغ عمرها خمسة آلاف عام. يمكن أن تصبح الحياة العملية أكثر إنتاجية وسلاسة بسرعة، خاصة مع توطد ثورة العمل من المنزل. إن العمل من المنزل يجعل الناس أكثر سعادة، كما يقول نيك بلوم من جامعة ستانفورد في ملخص أبحاثه الأخيرة. يستبدل العاملون عن بعد وقت التنقل بقضائه مع العائلة والمرح، لاحظ القفزة المقدرة بـ52 في المائة في لعبة الجولف في الولايات المتحدة منذ 2019، مع انطلاق جولات أيام الأسبوع. نعم، إن العمل من المنزل بدوام كامل يخفض الإنتاجية، ولكنه يقلل أيضا من التكاليف بالنسبة إلى أصحاب العمل، ما يساعد بشكل خاص الشركات الناشئة. ولا يبدو أن العمل الهجين يضر بالإنتاجية، خاصة مع تحسن تكنولوجيات العمل من المنزل، كما يلخص بلوم. مع تحول العمل من المنزل إلى العرف السائد بالنسبة إلى ذوي الياقات البيضاء، يمكن أن يخفف من حدة الانقسامات بين المناطق الحضرية والريفية، حيث يغادر بعض العمال ذوي الأجور الجيدة المدن الكبيرة.
هذه السيناريوهات المتفائلة معقولة. ومهمتنا أن نجعلها تحدث.

سمات

الأكثر قراءة