الطبيعة الاجتماعية المتغيّرة لماليزيا استفهام يشغل الوطن
تمر ماليزيا شأنها شأن عديد من المجتمعات، بمرحلة من الانتقال من جيل إلى جيل جديد، حيث يرافق ذلك عديد من القضايا. فبعد 51 عاماً من الاستقلال، يشغل السؤال الذي يستفهم عن ماهيتهم كوطن، جزء كبيراً من أذهان الناس في هذه الأيام.
وعلى نحو لا يمكن فصله عن ذلك هي قضية الأعراق، وبالأخص، سواء كانت الطريقة القديمة لتصنيف الماليزيين من حيث العرق، أو إذا كانت ذات صلة أو حتى مرغوبة أكثر، كما تقول مارينا مهاتير، المؤلفة ، والناشطة الماليزية.
وكونها لم تكن قادرة على الحديث بهذا الانفتاح والصراحة لفترة طويلة يعني «أننا لا نمارس النقاش في هذه الأمور بأسلوب مناسب، والجميع يصارع معها، مما يخلّف الكثير من الأخطاء على طول الطريق».
ولكن هذا الاتجاه لا رجعة فيه. «إن شبابنا منفتحون أكثر على الأفكار العالمية حول العدالة، والمساواة، وبالتالي فإنهم لا يؤمنون بالحجج القديمة أكثر. وإن المسألة الأساسية الآن هي ليست كيفية معالجة القضايا التي تبرز من الفروق، وبالأخص من الحالة الاقتصادية، ومن الاعتقادات المتنوعة. فكيف نثق ببعضنا البعض بما يكفي لكي نجد الحلول التي يتفق عليها الجميع؟».
إن العمل في تقدم، ويستلزم الصبر، والصدق من الأطراف كافة، كما تقول مهاتير، ابنة رئيس الوزراء السابق، مهاتير محمد. ولسوء الحظ، فإن هذه الأمور لا تتم معالجتها على أفضل نحو في زمن الأزمة الاقتصادية، كما تقول، ولأن الناس إما مشوشون، أو أنهم يرون الأمور عبر عدسات متحيزة للغاية. ذلك أنهم يرون كذلك أحياناً صعوبة اقتصادية كنتيجة للتفرقة، بدلاً كون أن الجميع يعاني بسبب الوضع العالمي.
وتكتب مارينا مهاتير بشأن قضايا تتعلق بالمرأة، أو الصحة، أو السياسات المحلية، أو حقوق الإنسان، والتعليم، والحملات النشطة المتعلقة بقضايا حقوق النساء المسلمات، وفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز.
بطلة حقوق النساء
معروفة عن الحديث ضد التوجهات السياسية السائدة، والسياسات الاقتصادية، والثقافية، تلك التي تضع المرأة في وضع غير مواتٍ، وغالباً ما عبرت عن وجهات نظر مناهضة لأبيها، الذي كان رئيساً لوزراء ماليزيا طوال 22 سنة.
لقد ترعرعت في كيداه من قبل والدين علماها «عدم التفكير بالنساء على أنهن أدنى درجة، وأقل قدرة من الرجل على القيام بأي شيء».
وفي فترة رشدها، خرجت مع صديقات لم يشاطرن فقط وجهات نظرها فمن عملن لحقوق النساء، وهم أناس مثل غيفي جوسياه، رئيسة تنفيذية لمنظمة مساعدة النساء، وهي منظمة غير حكومية تحارب العنف ضد النساء؛ وزينة أنور، الرئيسة التنفيذية حينها للأخوات المسلمات، وهي مدافعة عن حقوق النساء المسلمات في البلاد.
«ولكنني أظن بالفعل أنني تفهمت سياسات النوع عندما قرأت كتاب «غرفة النساء – The Women Room»، تأليف مارلين فؤينش، حين صدر»، كما قالت مارينا مهاتير لمجلة إنسياد نولدج. « أوجد هذا الكتاب في نفسي بالفعل ديناميكيات القوة بين الرجل والمرأة، وكيف غالباً ما تكون النساء هن الخاسرات في النهاية. وكان ذلك يدور حول مجتمع غربي، لذا ما عليك سوى أن تخيل مجتمعاتنا التقليدية أكثر».
نقاط الالتقاء المصيرية
من بين أعمالها كافة، عُرفت مهاتير بفعل دورها كناشطة للتوعية بشأن فيروس نقص المناعة البشرية. وأصبحت متحدثة حول السياسات النقدية التي تجعل بعض الشعوب عُرضة بصورة خاصة لفيروس نقص المناعة البشري خلال قيادتها لمجلس الإيدز الماليزي، الذي تم تأسيسه لتنسيق العمل بين المؤسسات غير الحكومية التي تحارب الإيدز في ماليزيا.
وكمسلمة، فإنها مهتمة بصورة خاصة بالعلاقة بين الجنس، والدين، والرخاء العام للنساء. ففي عام 2006، كانت مدعوة لتقديم محاضرة في جماعة برينستون حول تلك العلاقة، ودعتها بـ «نقاط الالتقاء المصيرية؟».
وكان الأمر يرتكز على حالة دراسة للولاية المحافظة كيلانتان في الشمال الشرقي من ماليزيا، حيث تلعب العادات الدينية دوراً مهماً. «ويأتي جزء كبير من العقيدة الدينية من التفسيرات الأبوية للنصوص الدينية، لأنه وإلى حدٍ ما، سيطر الرجال على الحياة الدينية، وكان لديهم الحق الحصري في تفسير النصوص»، كما تجادل.
هل كانت نقاط التقاء مصيرية؟ وهي تقول إنها تورد ذلك بوجود علامة استفهام في النهاية لأنني «لا أود أن أقترح ذلك فقط لأنك مسلم، إذا ما كان قدرك أن تصاب بفيروس نقص المناعة البشرية وتموت».
وهي تقول إنها لم تتمكن من التوصل إلى كيفية التطرق إلى المسألة إلى أن التقت بكيشيا علي، أكاديمية أمريكية درست عقد الزواج الإسلامي. ومن ثم خطر على بالها أن العقد كان مشكلة، لأن النساء يُعتقد أنهن سيضمنّ الاتصال الجنسي مقابل الأمن.
لقد كانت متوترة للغاية بشأن عرض ورقة البحث «لأنها مثيرة للغاية للجدل»، ولكن إلى الآن لم تشهد أي رد فعل حقيقي على الأمر. وتم نشر ورقة البحث في كتاب يُدعى «الإسلام، والإيدز» في آونة مبكرة من هذا العام.
التوفيق بين الإسلام والحداثة
إن ماليزيا تُعد دولة إسلامية معتدلة وحديثة. ووفقاً لما جاء عن مهاتير، لا توجد عقبات في البلاد أمام الفتيات، والنساء اللواتي يتعلمن، ويعملن خارج المنزل. ويسلّم الماليزيون الآن بأن على الفتيات أن يتعلمن، وأن يلتحقن بالجامعات، وأن يخرجن للعمل؛ وقلة من الناس تجادل في هذا الأمر في أيامنا هذه.
وحققت النساء المسلمات في ماليزيا الكثير، وإن حاكم البنك المركزي، ومدير هيئة الأوراق المالية، وعدة من المديرين العامين، والوزراء هم من النساء المسلمات، كما تضيف. «إن الفكرة بأن النساء المسلمات غير قادرات على القيادة، أو التصويت، كما هي الحال في بعض الدول المسلمة، مثيرة للضحك والاستهزاء في ماليزيا».
ولكن في مجال الحياة الشخصية، أي في الزواج، والطلاق، والإرث، والوصية، فما تزال النساء المسلمات متخلفات، لأن «الرجال يصرون على تفسير القرآن فيما يتعلق بهذه الأمور كما لو أننا ما نزال نعيش في القرن السادس».
ففي حينها، كانت النساء معتمدات بالكامل على الرجال، وقلة منهن توفرت لديهن أسباب العيش. «فعلى سبيل المثال، نجد أن ما يُدعى بحقوق تعدد الزوجات يأتي في جزء يدور فعلياً حول يتامى الحرب، وكيف علينا أن نعتني بهم، وليس أن نسلبهم إرثهم. وإحدى وسائل توفير الحماية كانت الزواج، ولكن تعدد الزوجات لم يكن أمراً مشجعاً. «وإضافة إلى ذلك، فنحن لم نعد نعيش في سياق القرن السادس».
«ويتحدث القرآن الكثير عن العدالة، لذا علينا أن نسعى نحو تحقيق العدالة في زمننا، وليس التمسك ببيئة ثقافية قديمة، حيث لا يوجد فيها أي منطق على الإطلاق ليومنا الحالية»، كما تضيف. «وهذه مسألة يتكرر ظهورها، ليس فقط في ماليزيا ولكن في جميع أنحاء العالم الإسلامي: كيف توفق بين الإسلام والحداثة؟ وأنا لا أعتقد أن ذلك أمر متعذر».
إنها تود أن ترى المجتمع الماليزي يتطور إلى مجتمع أكثر انفتاحاً، وأكثر تقدماً، بحيث يسمح للناس، وبخاصة الشباب، أن يصبحوا ما يريدون، وأن يحققوا إمكاناتهم.
«وللقيام بذلك، نحن بحاجة لكي نكون قادرين على التحدث بما يجول في خاطرنا دون خوف، وأن يكون من المسموح لنا أن نجرب أن نرتكب الأخطاء لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتعلم. وبالأخص، نحن في حاجة لأن ندع الناس يتنفسون!».
* ورقة عمل «نقاط الالتقاء المصيرية – fatal Confluences»، صدرت في كتاب لها يحمل عنوان «الإسلام والإيدز – Islam and AIDS» المحرر من قبل فريد إيساك، وسارة تشيدي (وذلك عن دار ون وورلد للنشر).