الطيران يواجه رياحاً معاكسة لإعادة تشكيل الصناعة
أدى تراجع الطلب، وانهيار الأرباح، وثقة المستهلك المتدنية، ومخاوف بشأن وباء على صعيد هذه الصناعة إلى دفع صناعة الطيران إلى حالة من الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة. من المتوقع أن تسجل الخطوط الجوية خسائر تعادل تسعة مليارات دولار هذا العام بهبوط لم يسبق له مثيل في الدخل الإجمالي بنسبة 15 في المائة، حيث سيشهد القطاع تقلّصاً في حجم الدخل بما يعادل 80 مليار دولار ليصبح 448 مليار دولار.
«على الحكومات، والشركاء، والخطوط الجوية أن تستغل الأزمة كفرصة لبناء صناعة أقوى»، كما قال جيوفاني بيسيجناني، المدير العام، والرئيس التنفيذي لاتحاد النقل الجوي الدولي IATA، في الاجتماع العام للذكرى الـ 65، وقمة النقل الجوي العالمية التي عُقدت في الآونة الأخيرة. وإن ذلك يعني إعادة تحجيم، وتشكيل الصناعة، حيث إن عبء التغيير لا بد أن يُشاطر عبر سلسلة القيمة في هذه الصناعة».
تبني النشاطات العملية
دعا رئيس اتحاد النقل الجوي الدولي قادة الصناعة إلى تكييف نشاطاتهم العملية، والتصرف بمرونة. «علينا أن نقوم بتحديث ممارسات العمل، والقيام بما هو أكثر باستخدام ما هو أقل، بهدف حماية الوظائف».
وللنجاة بسوق الإنترنت العالمية، يقول إن وكلاء السفر بحاجة إلى إعادة تشكيل الخدمات، ونماذج النشاط العملي لتوفير قيمة أكبر، بحيث يكون المسافرون أكثر رغبة للدفع مقابلها.
وبينما يفرض نظام التوزيع العالمي الغربي أربعة دولارات أمريكية على معاملة تجارية، فإن «ترافل سكاي الصين» تقوم بالعمل نفسه مقابل 50 سنتاً. فلا بد أن يتغير ذلك، كما يقول بسيبجناني.
وإن العلاقة بين الخطوط الجوية، والحكومات بحاجة إلى أن تتغير، كما يقول, للتحول من «لوائح تشريعية عقابية مصغرة إلى حل مشترك للمشكلة».
على أرض الواقع
قال بيرنارد جوستن، المدير العام لخطوط بروكسل الجوية، لمجلة «إنسياد نولدج» على هامش مؤتمر IATA، إن خطوطه الجوية نقلت عدداً أقل من الركاب بنسبة 20 في المائة للربع الأول من هذا العام. كان ذلك بصورة رئيسية في قطاع الشركات بسبب فرض تلك الشركات تجميداً لرحلات العمل، «رغم أنه تم تعويض الأمر بصورة طفيفة عن طريق مبيعات الاستجمام، والعروض التي قدمناها لتحفيز السوق».
ومنذ نيسان (أبريل) الماضي، ارتفع عدد الركاب، ولكن الأرباح تراجعت. ويعود ذلك إلى حدٍ كبير إلى مسافري العمل الذين تحولوا إلى درجة السفر السياحية بدلاً من الأولى، والمزيج الكبير من مسافري الاستجمام الذين يبحثون عن الصفقات الجيدة، ويحجزون مسبقاً.
ووفقاً لما جاء عن جوستن، فقد عملت خطوط بروكسل الجوية على تخفيض طاقتها بنسبة 15 في المائة، وقللت عدد الركاب بنسبة 20 في المائة، وهي تفاوض لتجميد الرواتب. «نحن نحافظ على الأرباح برغم أن تراجع الأسعار يمكن أن يعني أن الزبائن الحاليين يدفعون أقل. وفي الوقت ذاته، فنحن نولد عروضاً جذابة، وابتكارية مثل صفقات الأعياد، وعطلة الصيف لتحفيز حجم طلب جديد».
وكانت خطوط الطيران الجوية هذه تبحث عن شريك منذ 2005 عندما قال مساهموها (وبالأخص المؤسسات البلجيكية) إنها لم تعد مهتمة في الإبقاء على حصصها. وبدأت المفاوضات في عام 2007 مع خطوط لوفتهانزا الألمانية، وهي على وشك الانتهاء في نهاية حزيران (يونيو)، في صفقة ستستولي الناقلة الألمانية وفقاً لها على 45 في المائة من حصص خطوط بروكسل الجوية مع وجود خيار مالي للحصص المتبقية التي تعادل 55 في المائة.
«ستترك الشراكة تأثيراً إيجابياً في خطوط بروكسل الجوية نظراً لاستراتيجية «لوفتهانزا» متعددة المحاور، ومتعددة العلامات التجارية. وسوف يزودنا ذلك بقدرة كامنة للاستثمار في مسارات جديدة، وفي أسطولنا المستقبلي، بينما نحافظ على هويتنا»، كما يقول جوستن.
التأثير في المطارات
إلى جانب الخطوط الجوية، فإن المطارات كذلك تأثرت بفعل الانكماش الاقتصادي؛ حيث تشارك الزبائن أنفسهم، ولديها مصالح مشتركة مثل خدمة الزبائن، والأمن، وتسهيل الحركة، والكفاءة، وضوابط التكلفة، والمسؤوليات البيئية.
وجاء التراجع بينما تحولت الصناعة إلى مستوى مرتفع من حيث رسملة نفقات المطارات استجابة لنمو عدد الركاب الهائل.
على أية حال، لا توجد لدى المطارات القدرة المتوافرة ذاتها للخطوط الجوية من حيث التعاقد، والتوسع السريع، كما صرح به رئيس مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذي لمطارات مونتريال، ورئيس مجلس المطارات العالمي، جيمس شيري لمجلة «إنسياد نولدج» على هامش هذه القمة.» إن الطبيعة الخاصة للمطارات من حيث كثافة العمالة، والبنى التحتية طويلة الأجل، تجعل من الصعب للغاية إجراء تخفيضات عالية على تكاليفها أيام الأزمات، وبالذات على شاكلة الأزمة الحالية التي جاءت بسرعة مذهلة للغاية».
وبينما تعتبر هذه الأزمة في غاية الأهمية، بحيث لا يمكن تجاهلها، فإن صناعة النقل الجوي، والمطارات على وجه الخصوص، لا بد لها من تركيز متزايد على المدى الطويل، حسب رأيه «علينا أن نظل نتطلع بصورة مستمرة إلى فترة زمنية مقبلة تراوح بين 10 و20 سنة، بل وحتى 30 سنة لنتأكد أننا نتماشى تماماً مع متطلبات الأجل الطويل. ونظراً لحدة هذه الأزمة، فإن من المتوقع أن تترك آثارها في صناعة النقل الجوي لعدد من السنوات المقبلة».
الصراع من أجل البقاء
ويقول بيسيجاني إن بعض الاستراتيجيات اللازمة لتمكين الخطوط الجوية من الاستمرار على قيد الحياة واضحة، حيث إن الاندماجات الرئيسية بين «كي إل إم» مع «أيرفرانس»، و»لوفتهانزا» مع الخطوط السويسرية، و«دلتا» مع «نورثوست»، و«جال» مع «جاز»، و«كاثي باسيفيك» مع «دراغون أير»، عملت على إيجاد منافسين أشد قوة.
وعملت الخطوط الجوية في الولايات المتحدة على تخفيض طاقتها العملية بصورة سريعة. ولذلك أصبحت أقوى، وأعلى تركيزاً. ومع ذلك، فإن على كل شركة منها اتخاذ القرارات الخاصة بها، ولكن عليها جميعاً أن تعمل على جعل الطاقة متناسبة مع تراجع الطلب.
ومن المنتظر تسلم أربعة آلاف طائرة جديدة، أي 17 في المائة من العدد المتوافر حالياً خلال السنوات الثلاث المقبلة. والواقع أن الطائرات التي تم طلبها من المصانع في أوقات الرخاء يتم تسلمها في وقت الأزمة، إذ إن توفير العدد الكافي من الركاب لها يمكن أن يمثل تحدياً.
وسواءً كان هذا التراجع الاقتصادي طويلاً، أو قصيراً، فإن طريقة إنجاز النشاط العملي تتغير بحيث لن نرى تلك الممارسة السابقة للأزمة على صعيد النشاط العملي الخاص بصناعة النقل الجوي، إذ إن الوضع الحالي غير مسبوق في تاريخ هذه الصناعة، بل إنه الأصعب على الإطلاق. وتصارع شركات الطيران بالفعل من أجل البقاء، والتعايش مع الواقع القاسي. غير أن لدى شركات الطيران من المرونة بما يكفي لمواجهة حدة التغيرات.