"ميتا" وتطبيقاتها تشهر السيف في وجه صناعة الأخبار

"ميتا" وتطبيقاتها تشهر السيف في وجه صناعة الأخبار

تنبذ شركة ميتا الشركات الإخبارية، بإعطائها أولوية متدنية للأحداث الجارية والسياسة على منصاتها للتواصل الاجتماعي مع رفضها التعاون مع جهود تبذلها الحكومات لكي تدفع عملاقة التكنولوجيا الأمريكية مبالغ أكبر للمؤسسات الإعلامية.
تعمل الشركة الأم لفيسبوك على تشديد موقفها تجاه القطاع، بعد أعوام من محاولة استرضاء الناشرين الأقوياء بتمويلها مشاريع صحافية غير ربحية وإبرام صفقات مع مجموعات مثل شركة نيوز كورب لمالكها روبرت مردوخ، وفقا لمطلعين على استراتيجيات الشركة.
جاء أحدث ازدراء فعلته "ميتا" هذا الشهر عندما أطلقت ثريدز، وهو تطبيق قائم على النصوص تتحدى به منافستها المتعثرة تويتر. اجتذب ثريدز 100 مليون مستخدم في خمسة أيام قياسية من إطلاقه، وذلك بربطه ملفات التعريف الشخصية بالحسابات الحالية على تطبيق "ميتا" الشهير لمشاركة الصور، إنستجرام.
خوارزمية إنستجرام، والتي تعطي الأولوية للمحتوى الذي ينشره صانعو المحتوى والأصدقاء على الأخبار الجادة أو السياسة، تم استنساخها إلى حد كبير في ثريدز، وفقا لشخصين مطلعين على هذه الخطوة. قال رئيس إنستجرام، آدم موسيري، إن التطبيق "لن يبذل جهدا لتشجيع" الأخبار على المنصة.
تقف "ميتا" في مواجهة متكافئة مع الحكومة الكندية، بعد أن قالت إنها ستستبعد الأخبار من صفحة التحديثات في المنطقة قريبا، مع دخول تشريع حيز التنفيذ يفرض على المنصات الدفع للناشرين وجهات البث مقابل محتواهم.
القانون مصمم لتعزيز حظوظ المجموعات الإخبارية الأصغر بقدرة تفاوضية أقل. كما أنه يستهدف "جوجل"، التي قالت إنها ستفرض تعتيما إخباريا. أبلغ الناشرون الكنديون الذين أبرموا بالفعل اتفاقيات ترخيص للمحتوى مع "ميتا" أنه سيتم إنهاء هذه الصفقات بداية آب (أغسطس)، وفقا لشخصين على دراية بهذه الخطوة.
كما سحبت "ميتا" الأخبار فترة وجيزة من فيسبوك أستراليا في 2021 بعد نزاع مشابه، ما دفع منتقدين إلى اتهامها باستغلال سلطتها لتقويض دولة ذات سيادة.
قالت أكثر من 30 شركة معلنة في كندا - بما فيها الحكومة الفيدرالية وحكومة كيبيك وحكومة كولومبيا البريطانية - إنها ستسحب الإعلانات احتجاجا على هذه الخطوة، حسبما قال بول ديجان، الرئيس التنفيذي لاتحاد نيوز ميديا كندا المهني. كانت حصة كندا تمثل نحو ثلاثة مليارات دولار من إيرادات شركة ميتا السنوية البالغة 117 مليار دولار في 2022، وفقا للسجلات التنظيمية.
قال ديجان، "تخاطر الشركة بخسارة إيرادات تفوق ما ستدفعه لشركات الأخبار بموجب قانون الأخبار على الإنترنت"، مضيفا أنه يتوقع أن يحذو معلنون آخرون حذوهم الأسابيع المقبلة.
قال، "سنصل إلى نقطة حاسمة يكون فيها قرار "معاداة" كندا سيئا للمستخدمين، وسيئا للمساهمين، وسيئا لسمعة ميتا على المستوى العالمي".
حاولت "ميتا" مرات التودد إلى الناشرين، بمبادرات قصيرة الأمد حول مقاطع الفيديو، مثلا، أو في 2019، باتفاقيات لعرض المحتوى على نيوز تاب، منتج فيسبوك.
مع ذلك، خلص كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة إلى وجود تعارض في المصالح مع صناعة الأخبار، مع ازدياد الاستياء من نمو الإعلان الرقمي لعملاقة وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى انخفاض عالمي في إيرادات شركات الصحف.
وفقا لمطلعين على التحول في الاستراتيجية، وجدت "ميتا" أن مستخدميها البالغ عددهم "ثلاثة مليارات" يفضلون مقاطع الفيديو القصيرة والمحتوى من المؤثرين على الأخبار والسياسة. بدأت اعتبارا من 2021 في تقليل كمية المحتوى السياسي في المنشورات المعروضة للمستخدمين.
وجدت أبحاث كلفت "ميتا" شركة نيرا إيكونمك كونسلتنج بها ونشرت في آذار (مارس) أن المشاركات ذات الصلة بأحداث جارية تمثل أقل من 3 في المائة من منشورات الأشخاص على موقع فيسبوك. يرى نحو خمس المستخدمين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا أنها أخبار "تفوق اللازم".
ذكر التقرير، "المحتوى الإخباري من الناشرين التقليديين يعد منخفض القيمة بالنسبة إلى ميتا وهو آخذ في التراجع" - وهو ادعاء يعارضه الناشرون بشدة. ويجادلون بدلا من ذلك بأنه يعزز انكباب الناس على التطبيق.
تفسر هذه النتائج جزئيا نهج "ميتا" العدائي المتزايد، خاصة معارضتها لقانون كندا الذي يقضي بدعم صناعة الأخبار.
قالت "ميتا"، "يستند قانون الأخبار على الإنترنت إلى فرضية خاطئة مفادها أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تستفيد بشكل غير عادل من محتوى الأخبار الذي تتم مشاركته على منصاتنا، بينما العكس صحيح"، مضيفة أن وكالات الأخبار قادرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة جمهورها و"تعزيز صافي أرباحها".
أضافت، "لسوء الحظ، العملية التنظيمية غير قادرة على إجراء تغييرات على السمات الأساسية للتشريع التي طالما كانت إشكالية، ولذا فإننا نخطط للامتثال عبر إنهاء توافر الأخبار في كندا في الأسابيع المقبلة".
قال مطلع على الخطط إن "ميتا" تقيم ما إذا كان التشريع سيجبرها أيضا على إزالة روابط الأخبار والمحتوى الموجود على تطبيق ثريدز للمستخدمين الكنديين.
قال أندرو ماكليود، الرئيس التنفيذي لشركة بوست ميديا، وهي شبكة إخبارية كندية كبرى، إن الشركة كانت "تجهز نموذجا لانخفاض حركة مرور المستخدمين في المدى القصير" حين يدخل التعتيم الإخباري لشركة ميتا حيز التنفيذ.
لكنه أضاف، "من الجيد أننا نهز الصناعة لأنه قد يفضي إلى نتائج لمستقبل هيكلي عملي".
قال بابلو رودريجيز، وزير التراث الكندي، في تصريح لـ"فاينانشيال تايمز" إن الحكومة "مقتنعة تماما بأن شأن جوجل وفيسبوك يمكن حله من خلال العملية التنظيمية". مضيفا، "إذا كانت فيسبوك تعتقد حقا أن الأخبار ليست لها قيمة، فيمكنها قول ذلك على طاولة المفاوضات. إن التهديدات بسحب الأخبار بدلا من الامتثال للقوانين في بلدنا تؤكد فقط النفوذ الذي تتمتع به المنصات على المؤسسات الإخبارية، الكبيرة والصغيرة على حد سواء".
يأتي تراجع "ميتا" عن نشر الأخبار في أعقاب مزاعم بأن إخفاقها في الإشراف على تطبيقاتها بشكل كاف أسهم في الخلاف حول انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وكذلك أعمال الشغب في كانون الثاني (يناير) 2021 عندما اقتحم حشد هائج مبنى الكابيتول.
قالت ساندرا ماتز، الأستاذة المساعدة في إدارة الأعمال في كلية كولومبيا للأعمال في نيويورك، "يبدو أن شركة ميتا تثبط نشر الأخبار والسياسة على ثريدز، بعده قرار تجاري لتجنب مزيد من الفضائح حول المعلومات المضللة وإنكار نتائج الانتخابات وتسهيل الإشراف على المحتوى".
يصر مارك زوكربيرج، رئيس "ميتا" التنفيذي، على أن ثريدز سيكون مساحة "ودية" على عكس تويتر، التي خففت رقابتها منذ اشترى إيلون ماسك المنصة مقابل 44 مليار دولار في تشرين الأول (أكتوبر)، الأمر الذي أثار إحباط بعض المستخدمين والمعلنين. لم توظف "ميتا" مشرفين جددا لثريدز لكنها تعتمد على مشرفي إنستجرام.
قالت ماتز، "إذا نجحوا في إعدادها بالطريقة التي يريدونها، فستتحول إلى منصة ثقافية". لكنها أضافت، "المحتوى السلبي والمحتوى العاطفي (...) إدماني. سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان بوسع ثريدز إنجاح هذا".
أشارت بينار يلدريم، الأستاذة المشاركة للاقتصاد والتسويق في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا، إلى أن "الأخبار ليست مدرة للأموال مثل بعض الأنواع الأخرى من المحتوى" مثل الموضة، والتي يمكن أن ترتبط بمنتجات للتسوق. وأشارت "ميتا" إلى خطط لعرض إعلانات على ثريدز.
يدعي مدافعون عن الصناعة أن "ميتا" ستكون أسوأ حالا مع تعمق الصدع.
قال جيسون كينت، الرئيس التنفيذي لديجيتال كونتينت نيكست، وهي جمعية مهنية تمثل صناعة الأخبار الرقمية، "دون أخبار موثوقة وإمكانية مشاركتها، فإنك تقصي ما يجري في العالم الحقيقي. السؤال هو ما إذا كان ذلك مستداما لها على المدى الطويل".

الأكثر قراءة