لم لا تستعد الأسر ليومها الأسود .. بلادة أم قلة تشجيع؟
أمضى اقتصاديون وقتا كثيرا في الآونة الأخيرة يفكرون في الآثار المترتبة على "المدخرات الزائدة"، وهي الأموال التي جمعتها الأسر خلال الجائحة عندما تم الإغلاق عليهم وليس لديهم سوى "نتفليكس" وأدوات خبز العجين المخمر لينفقوا أموالهم عليها. لكن يجدر أن تتذكر أنه لم يكن باستطاعة الجميع البقاء في المنزل وأن عددا كبيرا من الناس بالكاد يملكون أي مدخرات أصلا.
في الولايات المتحدة، قالت 21 في المائة من الأسر في 2022 إنها لن تكون قادرة على تغطية نفقاتها أكثر من أسبوعين إذا فقدت مصدر دخلها الرئيس، وفقا لبيانات الاستطلاع من الجهة المنظمة لحماية المستهلك، مثل 20 في المائة من الأسر في الوضع نفسه قبل الجائحة. في المملكة المتحدة، وجد أحدث استطلاع أجرته الحكومة لموارد الأسرة أن أربعا من كل عشر أسر تملك أقل من 1500 جنيه استرليني من المدخرات والاستثمارات.
غير أنه توجد أدلة كثيرة على القوة الوقائية لامتلاك "صندوق اليوم الأسود". حيث وجدت الأبحاث من شركة مورنينج ستار أن مقدار المدخرات التي كانت تملكها الأسرة قبل الجائحة "كان ينبئ بقوة" بقدرتها على إدارة ديونها ودفع فواتيرها في حينها، حتى بعد مراعاة الفروق في الدخل والعمر وطبيعة الشراكة.
إلا أن صانعي السياسة ما زالوا يكافحون حتى الآن لبذل جهد كبير حيال ذلك. في المملكة المتحدة، يقدم برنامج "هلب تو سيف"، "المساعدة على الادخار"، الحكومي مكافآت للأسر ذات الدخل المنخفض التي تدخر المال، لكن الإقبال كان منخفضا.
حققت "نيست إنسايت"، وهي ذراع البحث لصندوق التقاعد المدعوم من المملكة المتحدة، نجاحا أكبر في تجارب "الادخار الجانبي" -الادخار للحالات الطارئة في المدى القصير وللتقاعد في المدى الطويل - مع شركات عديدة، بما فيها شركة بي تي للاتصالات وشركة أي تي في للبث.
في هذه البرامج، يضع صاحب العمل نسبة من راتب الموظف في حساب ادخار فوري كل شهر نيابة عنه. وبمجرد أن يصل صندوق اليوم الأسود إلى حجم معين "يختاره الموظف"، تضاف الدفعة الشهرية إلى معاشه التقاعدي بدلا من ذلك. لكن في حال سحب الموظف من أموال اليوم الأسود، ويمكنه سحبها متى شاء، ستعيد اقتطاعات رواتبه ملء الصندوق باستمرار أولا قبل التوجه إلى معاشه التقاعدي مرة أخرى.
الخبر السار من هذه التجارب هو أن المشاركين قالوا إنهم أعجبوا بها وأنهم يميلون إلى الالتزام بها، ما زال نحو ثلاثة أرباع الموظفين يدخرون بانتظام من خلال اقتطاعات الرواتب بعد مضي 18 شهرا. استخدم بعضهم مدخراتهم في حالات طارئة مثل تعطل الثلاجة، في حين استخدم آخرون الحسابات للادخار من أجل مناسبات مخطط لها مثل الكريسماس.
أما الخبر السيئ فهو أن كثيرا من الناس لم يختاروا المشاركة في البرنامج في المقام الأول. فمن بين كل 100 موظف مؤهل للمشاركة، قال 46 إنهم يعتقدون أن البرنامج سيساعدهم، وقال 14 إنهم من المحتمل أن يسجلوا فيه، وأكمل التسجيل شخص واحد فقط.
ما حدث بعد ذلك كان معبرا. فقد أعدت "نيست إنسايت" ثلاث تجارب جديدة، وهذه المرة كان على الموظفين إلغاء الاشتراك إذا لم يرغبوا في المشاركة، بدلا من الاشتراك فيها. وارتفعت معدلات المشاركة بنسبة تراوح بين 45 و50 نقطة مئوية. وما زال الذين شاركوا فيها يستخدمون حساباتهم للادخار، لذا فهم يعرفون بأمرها.
قال أحد الموظفين في تجربة الادخار بخيار إلغاء الاشتراك، "أصبح لدي الآن مدخرات، لم تكن لدي أي مدخرات من قبل، وهذا شعور جميل (...) كنت اعتقد أنها فكرة جيدة، لكن لم أكن لأتدبر الأمر بنفسي. لم يكن علي أن أفعل شيئا".
يدرك صانعو السياسة في المملكة المتحدة بالفعل مدى قوة هذا النوع من التحفيز. في 2012، أصبحت الدولة من أوائل الدول التي تطلب من أصحاب العمل تسجيل جميع الموظفين تقريبا تلقائيا في نظام المعاش التقاعدي التابع لمكان العمل. يمكن للعمال الانسحاب منه، لكن هم وأرباب العمل سيودعون فيه أموالهم تلقائيا. نتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الموظفين المشتركين في المعاش التقاعدي في مكان العمل من أقل من النصف إلى ما يقارب 80 في المائة.
المملكة المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تستكشف هذه الطريقة لتشجيع الناس على الادخار. فبموجب قانون سيكيور 2.0 في الولايات المتحدة، يمكن لأصحاب العمل اعتبارا من 2024 تسجيل بعض الموظفين تلقائيا في حساب ادخار للطوارئ في جزء من خطتهم التقاعد.
هل هذه الفكرة سديدة؟ يمكنني أن أفكر في اعتراضين عليها. الأول هو أن الوقت الحالي ليس مناسبا، نظرا إلى الضغوط التي يمر بها الناس ماليا نتيجة ارتفاع التضخم. بمعنى آخر، يجب ألا تدفع الناس للادخار ليوم أسود في يوم أسود بالفعل. في المقابل، انسحب نحو نصف الأشخاص في تجارب المملكة المتحدة، وهو ما يشير إلى أن التشجيع الذي تلقوه لم يكن قويا جدا.
الاعتراض الثاني هو أنه نهج أبوي وتدخلي للغاية. يجب على الناس التغلب على كسلهم في مسألة ادخار المال بأنفسهم، لا أن يتم حثهم على ذلك من جانب أرباب العمل أو الدولة. أفترض أن هذا ما هو إلا فلسفة "هل تتعامل مع الطبيعة البشرية كما هي، أم كما تريد أن تكون؟" بعض الناس يدخرون بالفعل. وبعض الناس لا يستطيعون الادخار الآن. أما البقية فقد يحتاجون إلى دفعة تشجيع.