أيها الوزراء .. بنككم المركزي بحاجة إليكم

أيها الوزراء .. بنككم المركزي بحاجة إليكم

لعقود من الزمان، كان الإجماع الاقتصادي هو أن السياسة المالية والنقدية يجب أن تكون منفصلة إلى حد كبير. يجب على الحكومات توفير الخدمات العامة وتعزيز التوزيع المقبول للموارد وضمان استدامة مالياتها العامة. ويجب على البنوك المركزية بعد ذلك تحديد أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار الأسعار. إنه نموذج منظم.
لطالما كان لمبدأ الفصل بين السياسة المالية والنقدية استثناء مهم، بالطبع، يثار في حالات الانكماش الاقتصادي الخطيرة. عندما تنخفض أسعار الفائدة إلى درجة تجعل السياسة النقدية غير فاعلة، تحتاج البنوك المركزية إلى قوة التحفيز المالي لمنع الكساد. أظهرت الأزمة المالية العالمية في 2008-2009 وأزمة كوفيد الأولية لـ2020 أن هذه ليست مجرد احتمالات نظرية.
يبدو هذا التفكير قديما للغاية. الآن، بعد أن ارتفعت أسعار الفائدة في معظم الاقتصادات المتقدمة نحو المستويات العادية، أصبحت الدعوات الموجهة إلى الحكومات للعمل بالتنسيق مع البنوك المركزية أعلى من أي وقت مضى. في الأشهر الثلاثة الماضية، طالب كل من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبنك التسويات الدولية من الدول برفع الضرائب أو الحد من الإنفاق العام لتقليص الطلب وتقليل الضغوط التضخمية، بالتالي مساعدة السياسة النقدية على أداء وظيفتها.
المنطق الاقتصادي مقنع. يمكن أن تكون السياسة المالية قوية وسريعة في خفض الطلب لمواجهة انخفاض قدرة العرض الناجمة عن جائحة كوفيد وأزمة الطاقة. تسمح الضرائب المرتفعة للحكومات بتوزيع عبء ارتفاع أسعار الفائدة على نطاق أوسع - بدلا من مشاهدة الذين يتحملون ديونا عالية يدفعون الثمن الأكبر. لذلك فإن إشراك الحكومات في استقرار الأسعار هو أكثر فاعلية وإنصافا.
أدرك بنك التسويات الدولية الشهر الماضي فائدة إضافية تتمثل في تشديد السياسة المالية وتخفيف النقدية: السيناريو الحالي، كما ذكر، يختبر حدود "منطقة الاستقرار"، حيث يجعل ارتفاع أسعار الفائدة الأزمة المالية أكثر احتمالية. كما أضاف أن الاضطرابات التي حدثت العام الماضي في صناديق المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة وهذا العام بين البنوك الأمريكية الإقليمية والسويسرية كانت بمنزلة تحذير لما قد ينشأ إذا لم تتصرف الحكومات استجابة للأزمة.
حتى الآن، الأمر واضح جدا. يجب على الحكومات أن تساعد بنوكها المركزية من خلال تقليل الاقتراض في وقت ارتفاع ضغط التضخم. لكن كما أقر صندوق النقد الدولي الأسبوعين الماضيين، فإن الأمر ليس بهذه البساطة. في ورقة مهمة طرحت في الملتقى السنوي للبنك المركزي الأوروبي، قدم موظفو الصندوق دليلا على أن دعم الطاقة الكبير الذي نفذ في جميع أنحاء أوروبا العام الماضي يبدو أنه قد خفض أعلى معدلات التضخم الكلي وأبقى ارتفاع الأسعار في المستقبل أقرب إلى هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة.
تناقضت نتائج البحث بشكل مباشر مع نصيحة صندوق النقد الدولي، لقد كانت شجاعة من كبير الاقتصاديين فيه، بيير أوليفييه جورينشاس، أن يقدم النتائج بنفسه. بعد دراسة تجربة دعم الطاقة، يعتقد الصندوق الآن أن التأثير المباشر لهذا الدعم في خفض التضخم الكلي وتخفيف ضغط دوامة أسعار الأجور الأوروبية يفوق الحافز المالي الذي ينطوي عليه وضع سقف لأسعار الوقود والغاز والكهرباء.
كان جورينشاس واضحا في أن هذه كانت نتيجة محددة سببها الركود في أسواق العمل في منطقة اليورو، بدلا من الإشارة إلى تحول صندوق النقد الدولي إلى مزايا ضوابط الأسعار أو الدعم. كما أضاف أن الآثار التضخمية لدعم أسعار الطاقة في المملكة المتحدة لم تتضح لأن سوق العمل فيها كانت ضيقة للغاية.
بغض النظر عن التقديرات الدقيقة، فإن الشيء المهم الذي تجب ملاحظته هو أننا نعيش في عصر جديد أكثر فوضوية. من الواضح أن الحكومات لها دور في إدارة التضخم - في حالة الركود، فهذا سيعني التحفيز، وعندما يكون التضخم مرتفعا، فهذا سيعني ضرائب أعلى أو تقشفا، وفي بعض الأحيان دعما يؤثر في الأسعار. لا تزال البنوك المركزية في نهاية المطاف تسيطر على التضخم بالسياسة النقدية، لكن فكرة أن الحكومات يمكن أن تنقل المسؤولية تجاوزت تاريخ صلاحيتها.

سمات

الأكثر قراءة