ارتفاع أسعار المعكرونة .. أزمة وجودية للمستهلكين
يواجه منتجو المعكرونة الأوروبيون ضغوطات متزايدة لتخفيض الأسعار، حيث تشكل التوترات المتصاعدة حول ازدياد تكلفة معكرونة الفوزيلي (الحلزونية) والسباجيتي والسلع المنزلية الأساسية الأخرى تهديدا بازديادها.
طلبت مجموعات المستهلكين الإيطالية من السلطات المعنية بالمنافسة أن تنظر في احتمالية التلاعب في الأسعار ودعت العملاء لتجنب المنتجات عن طريق "إضراب عن المعكرونة"، بينما هددت الحكومة الفرنسية منتجي الأطعمة بفرض عقوبات مالية إذا لم يخفضوا الأسعار.
ارتفاع أسعار المعكرونة يفوق التضخم الأوسع في أجزاء من المنطقة بكثير وقد استمر رغم الانخفاض الحاد في تكلفة القمح المستخدم لصنعها.
تصر الشركات المصنعة، التي تتضمن باريلا، ودي تشيكو، ولا موليسانا في إيطاليا وبانزاني في فرنسا، بأن أسعار معكرونتهم عادلة، نظرا للارتفاعات الأخيرة التي تعكس تأثير ارتفاع تكاليف التصنيع والمدخلات الأخرى في أعقاب حرب روسيا وأوكرانيا.
لكنهم اتهموا بالاستغلال "وتضخم الجشع"، حيث يتساءل العملاء عن سبب أنهم لا يزالون يدفعون كثيرا.
قالت مجموعة المستهلكين الإيطالية كوداكونز: "الواقع بعيد تماما عما ترويه الشركات المصنعة. تضاعفت زيادات الأسعار السنوية التي تقاس شهريا عن معدل التضخم الحالي".
على الرغم من أن التضخم الأوسع قد خفت حدته في الأشهر الأخيرة الماضية، إلا أن سعر كيلوجرام المعكرونة الواحد في إيطاليا كان لا يزال مرتفعا 14 في المائة على أساس سنوي في أيار (مايو)، مقابل 15.7 في المائة في نيسان (أبريل) و17.5 في المائة في آذار (مارس)، كما تظهر إحصاءات رسمية. الإيطاليون هم أكثر من يأكل المعكرونة في العالم، حيث يستهلكون ما يقارب 23 كيلوجراما في العام، وفقا لمنظمة المعكرونة الدولية، وهي هيئة صناعية.
"بالنسبة إلى العائلات الإيطالية فهذه أزمة وجودية نوعا ما"، حسبما قال كلايف بلاك، محلل في شور كابيتال.
والأمر مشابه لذلك في أماكن أخرى في أوروبا. وصل تضخم أسعار المعكرونة في أبريل إلى 27.6 في المائة في المملكة المتحدة، و21.8 في المائة في ألمانيا، و21.4 في فرنسا، وفقا لبيانات من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تصنع المعكرونة المستهلكة في أوروبا بشكل أساسي من القمح الصلب الكندي المستورد بكميات كبيرة في إيطاليا، المنتج الأكبر في العالم.
أدت الحرارة الشديدة والجفاف في كندا في 2021 إلى انخفاض حاد في الإنتاج وارتفاع الأسعار. كانت تنخفض بثبات منذ كانون الأول (ديسمبر) في ذلك العام لكنها ارتفعت قليلا هذا الشهر بعد أن ضرب انهيار سد كاهوكا في أوكرانيا أسواق القمح العالمية، وفقا لمجموعة أبحاث السلع مينتيك. يظل سعر القمح الصلب الكندي أعلى 18.8 مما كان عليه في حزيران (يونيو) 2021، قبل ارتفاع الأسعار، على الرغم من انخفاضه 40 في المائة من ذروته.
يشير صانعو المعكرونة، حيث يواجهون اتهامات باستغلال التضخم كغطاء لرفع الأسعار، إلى أن القمح هو واحد فقط من كثير من التكاليف المتقلبة خلال رحلة منتجاتهم من الحقل إلى الطبق.
قال لويجي كريستيانو لاورينزا، الأمين العام لهيئة يونيون إيتاليان فود باستا التجارية، إن الصناعة لا تزال تصارع تكاليف الطاقة والتكاليف اللوجستية وتكاليف التغليف المرتفعة بعد حرب روسيا وأوكرانيا وأنها ستستغرق بعض الوقت لكي تصل أسعار القمح المنخفضة إلى العملاء.
قال: "إن تأثير تكاليف الإنتاج على المنتجات ليست مباشرة. إذا استمر اتجاه تقلص التكاليف الحالي لفترة طويلة، فقد نرى انخفاضا في أسعار المستهلك".
أحد أسباب التأخير هو طول الوقت المستغرق لاستخدام القمح، الذي يشترى بأسعار مرتفعة، مع الأسعار الحالية التي تعكس تلك العقود.
"لا تزال الأسعار مرتفعة لأن الشركات ما زالت تستخدم مخزونات القمح، التي اشترتها بسعر الذروة"، كما قال جوسيبي فيرو، الرئيس التنفيذي للا موليسانا، رابع أكبر شركات تصنيع المعكرونة في إيطاليا. "حالما تنتهي، خلال ثلاثة أو أربعة أشهر، ستنخفض الأسعار".
قال ديفيد أورتيجا، اقتصادي في مجال الغذاء وأستاذ مساعد في جامعة ولاية ميشيجان، إن أسعار الغذاء تميل لأن تكون بطيئة التغير، نظرا لنطاق التكاليف الذي يتجاوز تكاليف مكوناتها الأساسية.
"ترتفع سريعا عندما يكون هناك صدمة ثم تأخذ وقتا أطول في الانخفاض. نرى سعر سلع مثل القمح ينخفض بشكل كبير جدا، لكن الأجور لا تزال مرتفعة، كذلك بعض المواد الخام المستخدمة للتغليف وغيره"، كما قال.
إن الاختلاف بين تكلفة القمح وملصق السعر النهائي يقع في صميم صراع يتطور بين مجموعات الغذاء وشركات التجزئة والسياسيين.
نظرا لأن أسعار الغذاء فاقت الطاقة بكونها المحرك الأساسي للتضخم عبر أوروبا، يقع المنتجون تحت ضغوط لتخفيضها بعد أن أعلنت مجموعات مثل نستله ويونيليفر وبيبسي كو أرباحا ربع سنوية صحية بعد أن مررت تكاليف أعلى للمستهلكين.
عقد أدولفو أورسو، وزير الصناعة في إيطاليا، اجتماع أزمة لمنتجي المعكرونة والموزعين والجمعيات الشهر الماضي بعد أن أثار الارتفاع المفاجئ في الأسعار دعوات من المستهلكين لوضع حد للأسعار. لكن المسؤولين قرروا عدم التدخل وطمأنوا الناس بأن السوق ستصحح نفسها قريبا مع استمرار انخفاض أسعار الطاقة والمواد الخام.
منذ ذلك الحين، أبلغت كوداكونز عن شركات صنع المعكرونة إلى سلطة المنافسة الإيطالية، وحثتها على التحقيق فيما إذا كانت الشركات قد تواطأت للتلاعب بالأسعار. في الوقت نفسه، دعت أسوتينتي، مجموعة مستهلكين أخرى، إلى "إضراب عن المعكرونة" لمدة أسبوع بدءا من الأسبوع المقبل، حيث حثت العملاء على عدم شراء المنتج، بل صنعه في المنزل بأنفسهم.
هدد وزير المالية الفرنسي برونو لو مير الشهر الماضي باستخدام إجراءات ضريبية لاسترداد الأرباح إذا رفض القطاع إعادة فتح مفاوضات الأسعار مع شركات التجزئة.
في حديثه إلى محطة إذاعية فرنسية في ذلك الوقت، قال ميشيل إدوارد لوكلير، رئيس مشغل المتجر الفرنسي لوكلير، إن الزيادات في أسعار المعكرونة لا يمكن تفسيرها، واتهم شركات تصنيع الغذاء بالافتقار إلى الشفافية و"الاختباء وراء الحرب في أوكرانيا".
قال لو مير هذا الشهر إن 75 من منتجي الغذاء قد تعهدوا بتخفيض الأسعار بحلول تموز (يوليو)، تماشيا مع تكاليف الجملة المنخفضة.
في المملكة المتحدة، تسببت خطط الحكومة لتحفيز المتاجر على تحديد أسعار السلع الغذائية الأساسية طوعا برد فعل عكسي من شركات التجزئة حتى أعضاء البرلمان المحافظين. رفضت الحكومة دعوات للتحقيق في "الاستغلال" من المتاجر، لكن رقابة المنافسة البريطانية قالت إنها ستدقق في أسعار الوقود في المتاجر وسوق البقالة أكثر.
قال اتحاد الغذاء والمشروبات في الدولة إن أعضاءه كانوا يخفضون التكاليف أينما أمكن ويلجأون إلى رفع الأسعار فقط إن لم يكن لديهم خيار آخر.
دي تشيكو، وباريلا، وبانزاني، التي تصنع المعكرونة من القمح الذي يزرع في فرنسا وقد تعهدت بخفض أسعارها في 1 يوليو رفضت التعليق.
إلى جانب الاتفاقية الأخيرة في فرنسا، هناك مؤشرات مبكرة على الاعتدال في بعض أجزاء السوق، مثل الخطوط الأقل ثمنا للمتاجر الكبيرة من المعكرونة ذات العلامات التجارية الخاصة.
مع ذلك، بشكل عام، لا تظهر شركات التصنيع دلالات كثيرة على أنها ستقلل الأسعار.
قال أورتيجا إن الضغط الذي تمارسه متاجر البقالة على منتجي الأغذية من المرجح أن يستمر. "لكنني لا أعتقد أنهم سيؤدون بشكل خاص إلى كثير من الإجراءات. الزيادة في الأسعار ناتجة عن زيادة التكاليف على طول سلسلة الإمداد"، كما قال.