انتعاش تكنولوجيا الدفاع يعكس توجه وادي السيليكون الجديد

انتعاش تكنولوجيا الدفاع يعكس توجه وادي السيليكون الجديد

بدأ الاستثمار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العسكرية في الازدهار، حيث تؤدي الحرب في أوكرانيا والتوترات الجيوسياسية مع الصين إلى تزايد الثقة بأن الحكومة الأمريكية ستمنح عقودا مربحة لشركات وادي السيليكون التي تصنع أنظمة دفاعية متطورة.
وقد وافقت شركات رؤوس الأموال المغامرة في الولايات المتحدة على أكثر من 200 صفقة دفاعية وفضائية في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بقيمة تقارب 17 مليار دولار، وهو أكثر مما جمعه القطاع خلال 2019 بأكمله، وفقا لبيانات من شركة بتش بوك.
هذه الطفرة تعكس الحمى التي شهدها أيضا قطاع الذكاء الاصطناعي، حتى مع انخفاض الاستثمار في الشركات الناشئة في أجزاء أخرى من صناعة التكنولوجيا في الأشهر الأخيرة وسط انكماش أكثر شمولا.
ارتفع الاستثمار المغامر الأمريكي في الشركات الناشئة في مجال الدفاع من أقل من 16 مليار دولار في 2019 إلى 33 مليار دولار في 2022، كما أظهرت بيانات شركة بتش بوك. حيث ضخ المستثمرون مبلغا قياسيا قدره 14.5 مليار دولار في هذه الشركات الناشئة في الربع الأول من العام الحالي.
كان وادي السيليكون يتجنب التكنولوجيا الدفاعية لأعوام، خوفا من الارتباط بصراعات خارجية مثيرة للجدل، وبسبب قلقه من عملية الشراء البطيئة للبنتاجون التي تتجنب المخاطرة، التي تفضل شركات الدفاع الراسخة.
وفقا لمقابلات تم إجراؤها مع أكثر من 15 مستثمرا ومؤسسا، فإن هذا الحذر قد فتح المجال للاعتقاد أن الشركات الناشئة أصبحت أخيرا في طريقها لأخذ حصة كبيرة من ميزانية الدفاع الضخمة للولايات المتحدة، التي ارتفعت على مدى عقدين لتصل إلى مستوى قياسي يبلغ 886 مليار دولار لـ2024.
بدأت شركات رؤوس الأموال المغامرة الكبيرة بما فيها أندريسن هوروويتز وسيكويا كابيتال الاستثمار في الشركات التي تصنع منتجات دفاعية وكذلك، لأول مرة، أنظمة الأسلحة "الحركية"، وهي دالة عسكرية على نشاط حربي يتضمن أيضا استخدام القوة المميتة.
يقول مايك براون، الشريك في شركات شيلد كابيتال ومقرها سان فرانسيسكو والمدير السابق لوحدة الابتكار الدفاعي في وزارة الدفاع الأمريكية "إننا نرى مزيدا من شركات رأس المال المغامر تقول إنها مرتاحة للاستثمار في الشركات الناشئة التي تصنع (...) التكنولوجيا التي يمكن أن يكون لها تأثير حركي يستخدم فقط للجيش".
قادت شركة سيكويا كابيتال جولة أولية بنحو ستة ملايين دولار لشركة ماك إنداستريز في وقت سابق من هذا العام، بحسب شخصين على دراية بالصفقة. أسست شركة ماك من قبل إيثان ثورنتون "19 عاما"، الذي ترك الدراسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العام الماضي، ويقوم بتطوير أسلحة وأنظمة دفاعية تعمل بالهيدروجين. رفضت "سيكويا" التعليق.
في الآونة الأخيرة كشفت شركة أندوريل إنداستريز، وهي شركة للتكنولوجيا الدفاعية تبلغ قيمتها تسعة مليارات دولار وأكبر داعميها هي شركة أندريسن هورويتز، أنها تجري محادثات لتطوير أول أسلحتها من خلال إنشاء نسخة "ذخائر متسكعة" من طائراتها ذاتية التحكم، وهي أنظمة أسلحة جوية يمكن أن تنتظر الهدف بشكل غير نشط ثم تقوم بالهجوم.
في العام الماضي، فازت شركة أندوريل ومقرها لوس أنجلوس بعقد بقيمة مليار دولار من قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لتقود تكامل الأنظمة التي يمكنها تحديد الطائرات بدون طيار المعادية وتعقبها واعتراضها.
قالت تيريزا كارلسون، التي قادت سابقا جهود شركة أمازون لبيع خدمة أيه دبليو إس للحوسبة السحابية للحكومة الأمريكية، التي انضمت أخيرا إلى شركة جنرال كاتاليست الاستثمارية في وادي السيليكون كمستشارة "نحن في حالة حرب، إنها حقيقية. علينا الآن التفكير في كيفية استخدامنا التكنولوجيا بطرق مختلفة".
قامت شركة جنرال كاتاليست، التي تدير مبلغ 33 مليار دولار، بإطلاق ممارسة "المرونة العالمية" في نيسان (أبريل) لدعم شركات الدفاع والاستخبارات.
كما أن الحرب الروسية - الأوكرانية "غيرت قواعد اللعبة" بالنسبة إلى المصالح العسكرية الأمريكية في مجال التكنولوجيا التجارية، وفقا لبراون، المدير السابق للابتكار الدفاعي.
يدور القتال في حرب أوكرانيا من خلال مزيج من حرب الخنادق التقليدية وأنظمة التكنولوجيا العالية مثل الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية واستخبارات البيانات والطائرات بدون طيار المستقلة.
كما زودت الشركات الخاصة مثل مجموعة هوك آي 360 الدفاعية ومقرها فرجينيا وشركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك أوكرانيا بتصوير راداري عبر الأقمار الاصطناعية للكشف عن حركة القوافل الروسية واتصال بالإنترنت مقاوم لجهود التشويش الروسية.
بينما قال براندون تسينج، الشريك المؤسس ورئيس شركة شيلد أيه آي الناشئة التي تبلغ قيمتها 2.7 مليار دولار وتصنع طيارين مقاتلين وطائرات بدون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي "لقد تغيرت القابلية بشكل كبير منذ أن بدأنا في 2015. في ذلك العام قدمنا عرضا أمام 30 مستثمرا وحصلنا على 30 رفضا". ثم عندما بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فجأة أصبح الجميع ينظر إلينا. "إن الصناديق التي اعتقدت أن هذا من المحرمات لم تعد تعتقد ذلك".
ظهرت ست شركات يونيكورن -وهي شركات ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار- في مجال التكنولوجيا الدفاعية بسبب فيض التمويل، مثل شركة شيلد أيه آي وهوك آي 360 وأندوريل وريبيليون ديفينس وبالانتير وإبيروس.
لكن بعض مؤسسي شركات التكنولوجيا الدفاعية حذروا من أنه في حين إن عملية المشتريات الحكومية قد تحسنت، إلا أنها لا تزال بطيئة بشكل مزعج.
حذر تسينج مؤسس شركة شيلد أيه آي من "وادي الموت"، في إشارة إلى الفجوة الطويلة بين تطوير أنموذج أولي والحصول على عقد دفاعي من الحكومة، وهو الوقت الذي من المرجح أن تنفد فيه الأموال من الشركات الحديثة وتفشل.
فالعقود الكبيرة الممنوحة لشركات مثل أندوريل وشيلد أيه آي لا تزال "شاذة عن القاعدة"، وفقا لمؤسس شركة يونيكورن دفاعية "تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار" الذي يعمل الآن كمستثمر في شركة مغامرة كبيرة مقرها في سان فرانسيسكو.
قال الشخص "ما زال من الصعب جدا بيعها لحكومة الولايات المتحدة، فالمؤسسون يواجهون مجموعة من المزايا غير العادلة وجماعات الضغط (لشركات الدفاع الرئيسة). هناك عدد كبير من شركات الدفاع ذات القيمة العالية والتي لم يرق أداؤها لتوقعات المستثمرين".
"المفتاح هو بيع الخدمات مباشرة للأشخاص الذين ينفذون المهمة"، كما قال بريت جرانبيرج مؤسس شركة فانيفار لابز. "إذا قمت بفك هذا اللغز، فستحصل على عقود من ثماني أو تسع خانات".
نمت عائدات "فانيفار لابز" من ثلاثة ملايين دولار إلى نحو 25 مليون دولار العام الماضي على خلفية زيادة العقود الحكومية، وفقا لشخصين مطلعين على الأمر. حيث جمعت الشركة، التي تحلل الاتصالات العالمية لتوفير معلومات استخباراتية عسكرية، 75 مليون دولار في كانون الثاني (يناير) من شركات استثمارية من بينها فيليسيس فينتشورز.
في الأعوام الأخيرة، أسست الولايات المتحدة سلسلة من الوكالات الحكومية لتشجيع مزيد من تطوير القطاع الخاص للتكنولوجيا التي تستخدم تطبيقات الأمن القومي، ومن بينها منظمة وحدة الابتكار الدفاعي في 2015 وبرنامج أفويركس 2017، الذي يسمح للشركات الخاصة ببيع التكنولوجيا المبتكرة لسلاح الجو الأمريكي.
في 2019، أنشأت الولايات المتحدة فرعا عسكريا جديدا تحت اسم سبيس فورس لإجراء عمليات عسكرية في الفضاء الخارجي، الأمر الذي حفز جولة جديدة من تدفقات رأس المال الخاص إلى تكنولوجيا الدفاع التي تركز على حرب الفضاء. وكانت شركة سبيس إكس لمالكها ماسك أحد أكبر الفائزين من القطاع الخاص، حيث حصلت على عقود كبيرة للمساعدة على بناء أقمار اصطناعية للاتصالات وتتبع الصواريخ.
أما الآن، فيعتقد عدد كبير من المستثمرين أن التطورات التكنولوجية الأخيرة حول الذكاء الاصطناعي قد جلبت عبئا إضافيا على مجموعات وادي السيليكون للمساعدة في جهود الدفاع الأمريكية.
يقول دان جواك، الشريك الإداري في "بوينت 72 برايفيت إنفستمنت"، "كانت الحكمة المتداولة تاريخيا بين المؤسسين هي: لا تبن شركة ناشئة تعتمد على البيع للحكومة".
قال في إشارة إلى التطور السريع للذكاء الاصطناعي "يوجد الآن تقدم تكنولوجي وجودي، أعتقد أنه يستطيع أن يغير ميزان القوى العظمى العالمية. آخر مرة حدث فيها ذلك كانت مع القنبلة الذرية. وأخيرا، بدأنا نرى الحكومة تتخذ خطوات للفوز بسباق التكنولوجيا".

سمات

الأكثر قراءة