معضلة السياسة الجديدة .. ماذا غير السعي وراء الأهداف الكبيرة؟

معضلة السياسة الجديدة .. ماذا غير السعي وراء الأهداف الكبيرة؟

تعهد حزب العمال البريطاني بإنفاق 28 مليار جنيه استرليني سنويا على الاستثمارات الخضراء خلال فترة ولايته الأولى في السلطة. هاجم المحافظون الخطة باعتبارها متهورة من الناحية المالية. سيحتل النقاش مكانة بارزة في حملة الانتخابات العامة المقبلة بلا شك. لكن هذه ليست معركة محدودة. إنه مثال مبكر على معركة سياسية تخاض على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، المعركة حول ما إذا كانت المطالب الاقتصادية الحالية على الحكومات تقتضي أن "تهدف إلى أهداف كبيرة" أو تتحرك تدريجيا.
تم تصميم نهج حزب العمال عمدا على غرار السياسة الاقتصادية للرئيس الأمريكي جو بايدن، كما أوضحت مستشارة حكومة الظل لحزب العمال، راشيل ريفز. يحيد "اقتصاد بايدن" عن عقود من تفكير السياسة الاقتصادية الأمريكية ليس فقط في استعداده للتدخل وإعادة التوزيع، بل في حجم تدخلاته، من دعم الجائحة إلى السياسة الصناعية الخضراء لقانون خفض التضخم.
لكن نسبة إلى حجم الاقتصادين، فإن خطة ريفز تفوق قانون خفض التضخم. وعد حزب العمال بـ28 مليار جنيه استرليني تصل إلى 1.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، أكبر سبع مرات نسبيا من تكلفة قانون خفض التضخم التي تشكل 0.15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. إذا تم سن الخطة، فستكون أيضا ضعف حجم تسهيلات التعافي بعد الجائحة في الاتحاد الأوروبي بالمقياس نفسه.
لكن إذا كانت خطة حزب العمال كبيرة على نحو فريد، فتعامل معها على أنها ليست شاذة، بل سمة من سمات العصر. تواجه كثير من الدول بازدياد مطالب جديدة ضخمة على الخزانة العامة، لأسباب تتعدى المناخ إلى الأمن الاقتصادي وضرورات الدفاع.
لذا فإن الأسئلة التي تثار حول الحزمة الخضراء لحزب العمال هي أسئلة يجب على جميع الدول أن تطرحها قريبا عن نواياها تجاه الإنفاق. هل الحزم المالية التي تصل إلى عدة نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي حكيمة من الناحية الاقتصادية، مقارنة بسياسات تدرجية أكثر؟ هل تحقيقها ممكن سياسيا؟
ليس من الصعب العثور على أسباب وجيهة للتشكيك في "استهداف أهداف كبيرة". إن خطر تضييع الحكومة المال العام في مشاريع سيئة يرتفع أضعافا مضاعفة مع مقدار الأموال التي التزمت بصرفها.
كما أن "عامل الصدمة" المحتمل لاستهداف أهداف كبيرة يمكن أن يكون غير محتمل من الناحية المالية، على الأقل إذا تم تمويله بالعجز بدلا من الضرائب الأعلى، وإذا كانت أسواق السندات هي التي وقعت تحت تأثير الصدمة. ربما يكون غير محتمل من الناحية السياسية أيضا. إن تحويل حصة كبيرة من موارد المجتمع إلى استخدامات جديدة يعني تحويل المجتمع بعيدا عن الاستخدامات القديمة. ينجم عن استهداف أهداف كبيرة خاسرون أكثر وأشد تضررا بين الذين استفادوا سابقا.
مع ذلك، ما الخيار المتاح؟ لإزالة الكربون من استخدامنا للطاقة فقط، يجب تحويل 3 في المائة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى استثمارات الطاقة الخضراء، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. أضف إلى ذلك رأس المال اللازم لنجاح التحول الرقمي، والالتزامات السياسية بزيادة الإنفاق على الدفاع وسلاسل توريد أكثر أمانا، وتكلفة التعويض عن عقود من انخفاض معدلات الاستثمار في الدول الغنية.
هذا يعني أن المهمة الاقتصادية التي تنتظرنا هي إيجاد -أي إعادة تخصيص- موارد اقتصادية لا تقل عن 5 - 10 في المائة من اقتصاداتنا. حقيقة أن الجزء الأكبر من هذه الموارد سيكون موارد خاصة لا تجعل الأمور أسهل على الحكومات. المهمة السياسية هي اتخاذ قرار كيفية تحقيق مثل هذا التحول بأكبر قدر ممكن من الموافقة المجتمعية.
إن ديمقراطيات الاقتصاد المتقدم ليست مهيأة جيدا لإعادة تخصيص الموارد بسرعة وبحصص كبيرة. عملياتنا السياسية تولد الشرعية بالتأني والتحرك تدريجيا وتصحيح المسار ومعالجة المشكلات وتعويض الخاسرين خلال ذلك. عادة ما تكون التحولات الاقتصادية الكبيرة والمتعمدة ممكنة فقط في الأزمات الشديدة، الحروب، كما هي الحال مع التسوية الاقتصادية الجديدة بعد 1945، أو الإخفاقات الاقتصادية المطولة، كما هي الحال مع تحول ثمانينيات القرن الـ20 بعيدا عن تلك التسوية.
هل وصلنا إلى مثل هذه اللحظة اليوم؟ من حيث الضرورة الاقتصادية الجواب هو بلا شك نعم. من الناحية السياسية، الأمر غير واضح تماما.
النبأ السار هنا هو أن السياسات القوية من الممكن أن تنجح. على الرغم من تواضع حجم قانون خفض التضخم مقارنة بالاستثمارات التي سيتعين على الحكومات تنفيذها على نحو متزايد، فإنه كان فاعلا على نحو مذهل حتى الآن. منذ الصيف الماضي، عندما تم إقرار القانون، تضاعف المبلغ الذي أنفقه المصنعون الأمريكيون على البناء تقريبا، ما يجعل معدل بناء المصانع هو الأعلى بهامش واسع منذ بدء السجلات قبل 20 عاما.
وليس من الواضح ما الذي سيجدي نفعا بالنطاق المطلوب بخلاف استهداف أهداف كبيرة. لذلك عصرنا لا يتطلب التزامات حكومية أكبر كثيرا فحسب، بل أيضا حنكة سياسية لازمة لجعل هذا ممكنا سياسيا. إن الاعتقاد بأن تحولات الموارد التي التزمنا بها ستحدث من تلقاء نفسها، فضلا عن السرعة التي تحتاج إليها، دون تدخل حكومي هائل هو السياسة الأكثر تهورا على الإطلاق.

سمات

الأكثر قراءة