ثقافة وفنون

«أقوال في الدولة» .. أول كتاب عربي من تأليف الذكاء الاصطناعي

«أقوال في الدولة» .. أول كتاب عربي من تأليف الذكاء الاصطناعي

الكاتب: الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير في دعم مسيرة التأليف في العالم العربي.

«أقوال في الدولة» .. أول كتاب عربي من تأليف الذكاء الاصطناعي

الدكتور حكمت البعيني

نعيش في عالم تحكمه كبسة زر، هذا لم يعد كلاما مجازيا بل واقعا فرض نفسه علينا من خلال التطور التكنولوجي الذي دخل حياتنا وتحكم في تفاصيل يومياتنا، واستعنا به في الهندسة والطب والطيران والتعليم وغيرها من القطاعات.
واليوم بات الذكاء الاصطناعي قادرا على أخذ دور الكاتب وإنجاز مهمة كانت في الماضي القريب من مسؤولية أصحاب الموهبة في الكتابة وتذوق فن الكلام. إن هذا الموضوع في الأعوام الأخيرة اتخذ وجهة جديدة بعد أن كان محصورا في نطاق الخيال العلمي، وذلك بفضل التقدم في الشبكات العصبية الاصطناعية وتقنيات التعلم العميق، ليتم استدعاء الآلة لإظهار إبداعها وابتكارها في مجال رسم اللوحات وكتابة الموسيقى والأدب.
"أقوال في الدولة" أول كتاب في اللغة العربية يتم تأليفه من قبل برنامج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي"، صادر عن دار النهضة العربية لمؤلفه الدكتور حكمت البعيني، تحت عنوان "تشات جي بي تي" يشرح "أقوال في الدولة"، وقد أصبح متوفرا على منصات القراءة الإلكترونية "أمازون" وجرير" و"النيل" و"الفرات" وغيرها من المواقع المشابهة.
كتاب في أيام
يقول الدكتور البعيني عن الهدف الرئيس من تأليف هذا الكتاب، "إنها محاولة جاءت لتؤكد للقارئ العربي أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير في دعم مسيرة التأليف في العالم العربي". وعبر عن تفاؤله من ناحية استخدام التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، ودعا المجتمعات العربية، ولا سيما الجيل الجديد، ألا يتردد في استخدام الذكاء الاصطناعي، رغم وجود بعض التحفظات حوله.
وأضاف، "يجب أن نكون مستعدين لاستغلال الذكاء الاصطناعي وتوظيفه بشكل صحيح ومفيد لتطوير المعرفة والتعليم والثقافة في العالم العربي. وبما أنني مؤلف كتاب أقوال في الدولة الصادر عن دار النهضة في 2014، فقد قررت أن أسأل تشات جي بي تي عن رأيه في تلك الأقوال (200 قول) وأطلب منه تفسيرا لها".
ويذكر أن الدكتور حكمت البعيني استغرق خمسة أيام في تأليف الكتاب، حيث كان دوره توجيه الأسئلة لـ"تشات جي بي تي" فقط وتدوين الأجوبة.

نقلة نوعية
هذا التعاون مع الذكاء الاصطناعي بهدف ولادة عمل أدبي وتطوير آليات برمجية يمكن لها أن تكتب نصوصا مخلقة تلقائيا لم يكن الأول من نوعه في العالم، وقد قام فريق بحثي من معهد "إم آي تي" بتطوير آلية تسمى "سايجين" يمكنها تخليق ورقات بحثية كاملة بشكل عشوائي، ويعد نقلة نوعية في عالم التأليف باللغة العربية، حيث استخدم الدكتور حكمت البعيني الذكاء الاصطناعي لتأليف الكتاب المكون من 200 قول حول مفهوم الدولة والمجتمع والشأن العام. وهو الأول من نوعه من ناحية استخدام الذكاء الاصطناعي في تأليف الكتب ونشرها للجمهور العربي، ومن المتوقع أن يسهم هذا الكتاب الرائد في تعزيز مسيرة التأليف والتحليل والتفسير والنشر الإلكتروني في العالم العربي، وتشجيع الجمهور العربي على استقبال هذا الكتاب بترحيب حار، لأن هناك إيمانا لدى دور النشر بأن الذكاء الاصطناعي سيكون شريكا حيويا للإنسان في توسيع حدود المعرفة والتفكير والإبداع.
خوارزمية ذكية
لكي يتمكن الذكاء الاصطناعي من كتابة نص أدبي كان لا بد من وجود خوارزمية ذكية تتماشى مع متطلبات الكتابة الجديدة، وقد أنشأ المؤلف، الكاتب بيتا، بشكل تلقائي قوائم ومقدمات وروابط خارجية، وقام بتجميع وترتيب كل تلك البيانات في صورة كتاب كامل، واستعان بفريق بحثي برئاسة كريستيان تشاركوس من "غوته"، لتوضيح آلية عمل هذه الخوارزمية الجديدة. وسعى الفريق البحثي، إلى تطوير خوارزمية ذات قدرة على تحليل وتصنيف الأبحاث العلمية في هذا المجال، التي يصل عددها إلى 53 ألف بحث، ثم اختيار الأكثر مناسبة منها وإخضاعه للمعالجة. وتضمنت تلك المعالجة اختيار الكلمات والجمل من البحث العلمي، بحسب أهميتها لأدوات التحليل الخاصة بالكاتب "بيتا"، ثم بعد ذلك إعادة تركيبها في صورة صحيحة نحويا، وكذلك مفهومة وذات دلالة.
أول عمل للذكاء الاصطناعي
وبالعودة إلى التاريخ يعد أول عمل أدبي أنتجه الذكاء الاصطناعي كان في 2018، ولم يتعد كونه سلسلة من الفقرات الصغيرة، فيها وصف موجز للمناظر الطبيعية والوقت والطريق، وجاءت أبعد ما تكون عن كونها تحفة أدبية. أما في اليابان فقد اجتازت رواية جديدة مشتركة بين البشر والذكاء الاصطناعي الجولة الأولى من إحدى الجوائز الأدبية، وها نحن اليوم نبدأ رحلة الألف ميل في هذا المجال بخطوة البعض يعدها تطورا، بينما يرى فيها البعض الآخر جرأة غير مبررة، تواكب تطور العصر وتسير في اتجاه نمط جديد من الكتابة والنشر لم يكن معهودا من قبل، وتفتح المجال أمام استخدام الذكاء الاصطناعي بما ينعكس إيجابا على نواح كثيرة من حياة البشر وإن كان لجانبه السلبي الكثير من المساوئ التي يجب عدم إغفالها.
الكفاءة وغياب النقاد
يقول الأستاذ جان لويس ديساليز مؤلف كتاب عن الذكاء الاصطناعي، إن "هذا الذكاء يمكن أن يكتب قصة قصيرة جدا وقصصا مقننة جدا فقط. إن من الصعب جدا تحليل اللغة، وليست لدى الآلة القدرة على فهم الجملة، ويرى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح في الأعوام المقبلة نظاما لخدمة المحرر لتحسين كفاءة القصة". وهذا ما يطرح عديدا من الأسئلة حول مدى إمكانية الذكاء الاصطناعي من الإبداع في رسم وتخيل روايات وقصص تلامس الوجدان الإنساني وتترك أثرها في النفوس، كما تفعل الكتب عادة. ارتبطت الرواية بمفاهيم لها علاقة بالمشاعر ومدى قدرتها على محاكاة الخيال الواقعي للقارئ، وهذا الأمر قد يشكل عائقا أمام الذكاء الاصطناعي الذي ما زال ينقل ما هو معلوم إلى حد ما، أي يوثق ويجمع المعلومات والبيانات ويقدمها مع غياب مفهوم الابتكار والإبداع.
فضلا عن أن انتشار الكتب الصادرة بمشاركة الذكاء الاصطناعي قد يخفف من عدد النقاد والأدباء إن لم نقل أنه سيقصيهم عن القيام بمهامهم الأدبية، وقد يعجز في الحلول مكان الأدب وما يمثله الأدباء والكتاب والروائيون من مكانة مؤثرة وفاعلة في المجتمعات.
إذا كان الذكاء الاصطناعي أصبح أداة تبشر بكثير من الآمال وتعد ضرورية في مجالات الصحة والبيئة والعمل، لكنه على صعيد مواز يثير المخاوف من أن يكون بمنزلة عدو لعدد كبير من العاملين، وبالتالي يزيد من نسبة البطالة ويخفف من عدد المبدعين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون