ثقافة وفنون

«نقد السينما» .. فن الأفلام برؤية الناقد وقلب العاشق

«نقد السينما» .. فن الأفلام برؤية الناقد وقلب العاشق

«نقد السينما» .. فن الأفلام برؤية الناقد وقلب العاشق

السينما فن حي، شارك في تاريخها بشر من مغرب الشمس ومشرقها، وتمثيل لمقولة العولمة "العالم قرية صغيرة"، إذ تعد وسيطا يجسد قضايا الفلسفة والأدب، مع قدرتها على الوصول إلى الجماهير العريضة، والسيطرة عليهم فسيولوجيا وسيكولوجيا.
هذه الظاهرة الثقافية مؤثرة على نطاق عالمي واسع جدا، يتناولها الدكتور عادل خميس الزهراني، أستاذ النقد الحديث في جامعة الملك عبدالعزيز، في كتابه الجديد "في نقد السينما.. تقاطعات السينما والأدب والفلسفة"، متناولا التفاعل الخلاق بين الشعر والفلسفة والسينما، والفن الذي ينتمي إلى الشعوب، ويتجاوز بمتابعيه والمهتمين أعداد قراء الكتب.
فكرة ماتت قبل ولادتها
يثري كتاب "نقد السينما" المكتبة العربية في مجال السينما والنقد، يهديه الكاتب والناقد الدكتور الزهراني "إلى أبناء وبنات ذلك الجيل ممن كانوا يعبرون الحدود لأجل فيلم!"، متناولا هذا المجال بقناع الناقد وقلب العاشق للسينما، إذ تعود الدراسات السينمائية إلى أكثر من 120 عاما، وتمثل اليوم من الحقول المهمة والمؤثرة، لشعبيتها الجارفة وقدرتها على جذب الجماهير والتأثير فيها، من خلال السينما التي تسعى إلى تعزيز القيم الإنسانية العليا، وتؤدي وظيفتها التنويرية عبر المتعة كما هو معروف، وهي متعة تنطلق في الفيلم السينمائي من قصة يذهب زوار السينما للاستمتاع بها.
الكتاب الصادر ضمن السلسلة المعرفية عن مهرجان أفلام السعودية بدورته التاسعة، الذي نظمته جمعية السينما بشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"، وبدعم من هيئة الأفلام في وزارة الثقافة، يهدف إلى إخراج الصناعة السينمائية من دائرة الكتابة غير الاحترافية التي لا تقوم على أسس علمية صلبة، والارتقاء بها إلى مستوى المهنية وعمق الاختصاص، في ظل افتقار المكتبة العربية إلى الكتب المتخصصة، حيث يروي المتخصص في النقد الدكتور عادل خميس الزهراني، في مقدمة كتابه أنه تقدم قبل أعوام بمقترح لبرنامج دراسات عليا في "نقد السينما"، لكن الفكرة ماتت قبل ولادتها ورفضت، وكانت ردة فعل بعض زملاء التخصص بأنهم لا يرون في السينما أمرا يستحق الدراسة، وهو ما يثير الحيرة، ولا سيما أنه منذ عشرات الأعوام والجمهور السعودي حاضر بقوة في كل صالات السينما الخارجية والعربية، وعندما أعلن افتتاح السينما أخيرا عجت القاعات كالعادة بالحضور من جميع شرائح المجتمع.
منجز لا مكان فيه للتمترس
يمهد الدكتور الزهراني، في كتابه الثري لظهور السينما ومصطلح Movies، الذي كان نوعا من الإشارة الساخرة إلى أولئك الشرقيين الذين غزوا لوس أنجلوس، كان أهالي هوليوود الأوائل يطلقون هذه التسمية على القادمين الجدد ازدراء ورفضا، لكن القادمين بقوا ورسخوا أقدامهم في المكان، حتى أصبح يعرف بهم، وأصبحت التسمية "الواشمة" رمزا عالميا لمنتجهم السحري، وهكذا سيكون تاريخ تطور السينما مثالا مهما على أن المعرفة منجز عالمي، لا مكان فيه للتمترس خلف المكان، والعرق، والهويات الصغرى.
وربما كان لافتا أن بدايات السينما كانت بفيلم كرتوني "أنيميشن"، والتي سبقت الأفلام الحية في الظهور، ومهدت لظهور أفلام بطولة الزمن الحالي.
ويضم الكتاب الجديد، الذي يقع في 126 صفحة من القطع المتوسط عن منشورات جسور الثقافة، تمهيدا تاريخيا سريعا، ثم ينتقل للحديث عن بعض التقاطعات بين السينما ومجالات إنسانية أخرى مثل الفلسفة والأدب، حيث تتلخص إحدى أهم قناعات كتاب "نقد السينما" في أن شعرية السينما تتمحور حول القصة وآليات سردها في الفيلم السينمائي، ويقترح منهجية تحليل تنطلق من علم السرديات، تسعى إلى تتبع العناصر البنيوية للحكاية في الفيلم وتحليلها.
السينما شيخ خبير
يرى الدكتور عادل خميس، أن السينما تشترك مع الأدب في القصة التي ترويها، وفي طريقة سردها، وفي مساءلتها ونقدها للواقع، عبر صنع واقع مواز، وإذا كان الشعر يعتمد على لغة تخيلية مخاتلة، تتخذ من التورية منطلقا، ومن الاستعارة جوهرا، فإن السينما تعتمد على تورية ثقافية سردية، حينما تصنع عالما موازيا، وتحكي قصة تشبه قصص الواقع، لكنها مبنية على مساءلة هذ الواقع، ونقده.
ويؤكد أن واحدة من نقاط قوة السينما تكمن في انفتاحها على الحياة، باعتبارها مفهوما واسعا للتفكير، والاختلاف، والمضي قدما، تقدم السينما في كثير من جوانبها محتوى مغايرا، مخالفا للسائد، ولا تنقصه الحكمة مع ذلك، واصفا إياها بـ"شيخ خبير فهم الحياة كما يجب، وعرف قدره فيها، وحظه منها".
ماذا تقدم السينما والفلسفة لبعضهما؟ يجيب الدكتور عادل خميس، من خلال قراءته بأن السينما تقدم مزيجا هائلا من القصص والتجارب ووجهات النظر والفرضيات الفلسفية، حيث تجسد الحجة بطرق وجدانية، تحقق تجاوبا عاطفيا لدينا، إلى جانب التجاوب الفكري.
ولعل التفاعل الخلاق بين السينما والشعر والفلسفة، قاد الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، إلى اعتبار السينمائيين مؤدين لدور لا يقل أهمية عن دور العباقرة، فكبار كتاب السينما يمكن مقارنتهم لا بالرسامين والمعماريين والموسيقيين فحسب، بل بالمفكرين أيضا، ذلك أنهم يفكرون من خلال الصورة / الحركة، والصورة / الزمن، بدل أن يسوقوا المفاهيم، في دلالة على الدور التنويري النقدي للسينما.
الناقد لقب لمن لا لقب له
النقد مجال علمي له شروطه المعرفية، يحتاج إلى أعوام من القراءة والبحث والدربة والخبرة المتراكمة المستندة على النظم التعليمية الحديثة، حيث يلزم الباحث الذي يعتزم أن يصبح ناقدا سينمائيا أن يكون -إضافة إلى شرطي الإيمان والتخصص- ملما إلماما كافيا بنظريات السينما، وتاريخها، وتياراتها، وأنواعها، وعناصرها، وهذا لن يكون إلا بعد مسيرة حافلة بالقراءة، والمشاهدة، والدراسة، والتجربة، حيث يعتقد المؤلف أن واحدة من أهم مشكلات النقد الحديث تتلخص في إغفال علمية المجال، ومن ثم استسهال الممارسة النقدية، حتى أصبح "الناقد" لقب من لا لقب له.
يقدم كتاب "نقد السينما" منهجية تطبيقية، تنطلق من علم السرديات، كون النص السينمائي فنا أدبيا سرديا في الأساس، وعند تحليل فيلم ما، يجب أن يتسلح الناقد ومن يريد خوض غمار النقد السينمائي أو الأدبي بـ"عدة" وأدوات، والانتباه لوجود ثلاثة جوانب، هي القصة، طريقة سردها بكل ما تحويه، مثل الإخراج والأداء والإنتاج والتكنولوجيا، وأخيرا رسالة الفيلم والخطاب المضمر الذي يبثه، مشيرا إلى ثلاثة أبعاد هي: علمية المجال، وأهمية المنهج، وطبيعة المادة أو المدونة المنقودة، فالنقد على حد تعبيره "مجال علمي له شروطه المعرفية، مثله مثل باقي التخصصات العلمية".
خريطة طريق النقد
يقدم الزهراني خريطة طريق لمن يريد خوض غمار هذا العالم، إذ يحاول الكتاب توفير منهجية مقترحة لنقد الفيلم السينمائي، تكون بمنزلة مرشد يساعد الباحثين والباحثات على كتابة نقد منهجي للخطاب السينمائي، ويتناول جانبا مهما من العلاقة بين الأدب والسينما، يتمثل في المسافة بين الرواية والفيلم المقتبس منها، بشيء من التطبيق.
وينقد المؤلف عبر دراسة محكمة وعلمية فيلم "الإحساس بالنهاية"، للروائي الإنجليزي الشهير جوليان بارنز، لافتا إلى أن هناك فرقا بين نقد الأفلام ومراجعتها، إذ يمثل الثاني قراءة مختصرة وعاجلة، لا تخلو من الانطباعات الشخصية.
وفي كتابه، ينصح الدكتور عادل خميس، عند نقد الفيلم مشاهدته أكثر من مرة، وتسجيل ملاحظات حول الحبكة، والمنهج أو التيار الفكري الذي يتبعه الفيلم، والأداء وأجواء الفيلم الجغرافية والتاريخية، وزاوية النظر، والقراءة عما كتب عن الفيلم وفريقه من مقالات وحوارات وتحقيقات، لاستيعاب الفيلم أكثر، لاستخلاص رسالة الفيلم.
ويشير الكاتب إلى أن التيار الفكري هو مظلة الفيلم، وتمثل نقطة ضعف واضحة عند بعض نقاد السينما، الذين يتجاهلونها أو يتغافلون عنها، لأن هذه التيارات الفكرية هي التي تحرك بوصلة الفيلم في كثير من الأحيان، مثل الحركة النسوية، والحركة ما بعد الاستعمارية، وحركة السود أو الملونين، والماركسية، والرأسمالية وغيرها.
تقسيم الفيلم لتحليل سرديتهتقسيم الفيلم إلى أجزاء بناء على تطور الحبكة، هي نصيحة ثمينة يقدمها الدكتور عادل الزهراني للناقد، إذ ينصح بتقطيع الفيلم إلى مشاهد، ثم ربطها ببعضها لفهم طريقة تطور القصة في العمل، ثم تحليل الحلقات السردية، وتحليل وظيفة الراوي، إن وجد، وإن لم يوجد فيكون الراوي هو الكاميرا، ويحلل دورها انطلاقا من خدمتها للسرد، يلي ذلك تحليل للزمن، عبر تفكيك التقنيات الزمنية المعتمدة في الفيلم، وتحليل المكان، والديكور، والموسيقى، والإضاءة، والأزياء بناء على وظيفتها التي تؤديها في قصة الفيلم، وأخيرا محاولة استخلاص المعنى الذي يسعى إلى إيصاله الفيلم.
وللدكتور عادل خميس الزهراني، إصدارات أخرى سبقت هذا الكتاب، إذ صدر له كتاب باللغة الإنجليزية تحت عنوان "نزعة التجديد في الشعر العربي: دراسة تاريخية"، وكتاب بعنوان "جدلية الوجود والعدم: مقاربة أدبية فلسفية لأعمال حمزة شحاتة"، ومجموعتان شعريتان، الأولى بعنوان "بين إثمي وارتكابك"، والأخرى بعنوان "حدث في مثل هذا القلب".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون