السيولة المفرطة والمشكلات اللامنتهية

السيولة المفرطة والمشكلات اللامنتهية

جمع الفشل الأخير لبنك سيليكون فالي بين عنصرين، الودائع الزائدة والخسائر في الأصول، حتى في الأوراق المالية مثل سندات الخزانة التي تعد عادة "آمنة".
لم يكن لدى بنك سيليكون فالي سيولة كافية لتحمل عمليات السحب ولم يكن لديه الملاءة المالية الكافية للوفاء بالتزاماته. لكن قطعا، لم يحدث الفشل بسبب قلة السيولة في النظام المصرفي ككل. بل حدث بسبب وجود فيض من السيولة.
في نهاية 2022، كان لدى النظام المصرفي الأمريكي 18 تريليون دولار من الودائع المحلية، بما في ذلك ما يقدر بنحو عشرة تريليونات دولار من الودائع المؤمن عليها من المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع. هذا يعني أن هناك ثمانية تريليونات دولار من الودائع التي تجاوزت حد تأمين المؤسسة المذكورة.
هذه الودائع الزائدة المزعزعة للاستقرار وجدت لأنه خلال أكثر من عقد من "التسهيل الكمي"، أخذ الاحتياطي الفيدرالي ثمانية تريليونات دولار من السندات من أيدي العامة واستبدلها باحتياطيات مصرفية.
من الناحية النظرية، يمكننا التفكير في وديعة العميل على أنها "مدعومة" إما عن طريق الاحتياطيات التي يحتفظ بها البنك لدى الاحتياطي الفيدرالي وإما بأصول مثل مستندات إقرار الدين التي حصل عليها البنك مقابل القرض الذي قدمه.
عبر شراء تريليونات الدولارات من السندات بموجب التسهيل الكمي، دفع الاحتياطي الفيدرالي أيضا في الواقع بتريليونات الدولارات من الودائع إلى النظام المصرفي، مدعومة باحتياطيات تم إنشاؤها حديثا لا بقروض مصرفية. لكن رغم التوسع النقدي الأكثر جرأة في التاريخ، بلغ متوسط معدل نمو قروض البنوك التجارية الأمريكية "للشركات، والمستهلكين، والعقارات" 3.4 في المائة سنويا فقط بين 2008 و2022، وهو ببساطة أبطأ معدل نمو في البيانات منذ 1947.
في 1852، كتب والتر باجهوت، "يمكن لجون بول تحمل كثير من الأمور، لكن لا يمكنه تحمل نسبة 2 في المائة". لأكثر من عقد، وسع التسهيل الكمي هذه الفرضية إلى أقصى الحدود.
بمجرد أن أنشأ الاحتياطي الفيدرالي مبلغ ثمانية تريليونات دولار من الأموال الأساسية، فقد ضمن أنه، في حالة التوازن، سيتعين على شخص ما في الاقتصاد الاحتفاظ بها بشكل غير مباشر كودائع مصرفية، أو بشكل غير مباشر في صناديق سوق المال، أو بشكل مباشر كعملة مادية.
كل الاحتياطيات الزائدة - والودائع المصرفية المرتبطة - لم تكسب شيئا. كان على شخص ما الاحتفاظ بها، ولم يرغب أحد في ذلك. تم دفع الأوراق المالية طويلة الأجل، بما في ذلك سندات الخزانة، إلى تقييمات قياسية لأن المستثمرين المتعطشين للعائد، والبنوك وصناديق المعاشات التقاعدية ضاقوا ذرعا بعالم أسعار الفائدة الصفرية الدائم الذي أنشأته البنوك المركزية.
بعد أن صمم مزيجا ساما من الودائع المصرفية الزائدة والمضاربة الساعية وراء العائد، ضمن الاحتياطي الفيدرالي أن يتبع ذلك عدم الاستقرار.
كما كتبت في "فاينانشال تايمز" في كانون الثاني (يناير) 2022، عبر حرمان المستثمرين بلا كلل من العائد الخالي من المخاطر، أنتج الاحتياطي الفيدرالي فقاعة مضاربة على جميع الأصول التي قد تترك الآن المستثمرين مع القليل من المخاطر ولكن الخالية من العائد.
ظهرت خسائر الاستثمار منذ أوائل 2022، بسبب ضغوط التضخم التي أجبرت الاحتياطي الفيدرالي على إعادة أسعار الفائدة إلى وضعها الطبيعي بعد 13 عاما من القمع المالي بفائدة صفرية، ولأن التقييمات المتطرفة لا تستمر أبدا إلى أجل غير مسمى. لم يعد بإمكان الاحتياطي الفيدرالي إدارة السياسة النقدية دون دفع فائدة بشكل واضح للبنوك على السيولة التي أنشأها.
الضغوط المصرفية المفاجئة في الولايات المتحدة وأوروبا، وأزمة المعاشات التقاعدية البريطانية العام الماضي، وخسائر أسواق الأسهم - كل هذه مجرد أعراض لفقاعة تتفكك. سيكون الاحتياطي الفيدرالي نفسه معسرا فنيا إذا كان سيقيم أصوله حسب سعر السوق.
وردا على إفلاس "سيليكون فالي"، وضعت المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع البنك تحت الحراسة القضائية، ما أدى إلى خسارة المساهمين وحملة السندات غير المضمونة. كان هذا، ولا يزال، النهج المناسب لإفلاس البنوك. إن أكبر إخفاق مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة - فشل بنك واشنطن ميوتشوال 2008 - منسي لأنه تم حله أيضا بهذه الطريقة. تولت المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع الحراسة القضائية. وخسر المساهمون والدائنون غير المضمونين لأنه كان من المفترض أن يخسروا في هذه الحالة. ولم يخسر المودعون شيئا.
بينما لا يزال قرار المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع لتغطية الودائع غير المؤمن عليها مثيرا للجدل، فإن تأمين الودائع المعزز، الممول برسوم أعلى، قد يصبح ضروريا لفترة من الوقت. ليس خطأ المدخرين أن النظام المصرفي يغرق في الودائع الزائدة.
المدخرون، إجمالا، هم ضحايا أسرى "لنظام الاحتياطيات الوافرة" المتعصب الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي. إلى أن ينهي هذه التجربة المضللة، سيواصل صانعو السياسة العالميون تدافعهم لإنشاء برامج خاصة جديدة ومختصرات وتسهيلات طوارئ لإدارة عالم المشكلات اللامنتهية الذي أنشأه.
*فاعل خير ومستثمر وخبير اقتصادي

سمات

الأكثر قراءة