FINANCIAL TIMES

لماذا لم يتوقع أحد حدوث تلك الأزمات؟

لماذا لم يتوقع أحد حدوث تلك الأزمات؟

انهار بنك وادي السيليكون بعد أن تسببت استثماراته في السندات طويلة الأجل بضعفه أمام ارتفاع أسعار الفائدة. كما دخلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في حالة من الفوضى بعد إيقافها أشهر مقدمي برامج كرة القدم، بينما تخلى زملاء آخرون عن مناصبهم تضامنا معه. فيما يعاني بنك جيه بي مورجان تشايس تضرر سمعته ويواجه دعاوى قضائية بعد الإبقاء على مرتكب الجرائم الجنسية جيفري إبستين كعميل لديه لمدة استمرت خمسة أعوام بعد إقراره بالذنب في التحريض على الدعارة مع قاصر.
في كل هذه الحالات، يمكننا أن نتساءل، كما فعلت الملكة إليزابيث الثانية أثناء زيارة مدرسة لندن للاقتصاد خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، "لماذا لم يتوقع أحد حدوث الأزمة؟".
هل تساءل أي شخص في مراكز القيادة في "بي بي سي" أنه في حال أوقفوا جاري لينيكر عن تقديم أفضل برنامج لكرة القدم ليلة السبت "ماتش أوف ذا داي"، فإن الناقدين الآخرين قد ينسحبون أيضا؟ هل نظر سيليكون فالي بانك في المخاطر المرتبطة بسياساته الاستثمارية في حال ارتفعت أسعار الفائدة بشكل أسرع من المتوقع؟ ولماذا وافق بنك جيه بي مورجان على رغبة جيس ستالي كبير المصرفيين لديه في إبقاء إبستين؟ تعد هذه الأمثلة دراماتيكية لما يمكن أن يسير بشكل خاطئ، لكن أي منظمة تفشل في إبقاء مخاطرها المحتملة قيد المراجعة المنتظمة قد تمر بالشيء نفسه.
غالبا ما يفشل كبار المديرين في أخذ أسوأ السيناريوهات بالاعتبار. فلماذا لا يستمعون للمشككين؟
تقول أستاذة كلية هارفارد للأعمال، إيمي إدموندسون، إن السبب يعود أحيانا إلى عدم وجود مشككين. حيث تصبح المجموعات القيادية منغمسة في "أسطورة مشتركة بينها" لدرجة تتجاهل معها أي آراء بأنها قد تكون مخطئة. تقول، "لقد حصلنا على التحيز التأكيدي المعروف حيث نميل إلى انتقاء الإشارات والبيانات والأدلة التي تعزز إيماننا الحالي. وسنقوم بتصفية الأدلة غير المؤكدة".
هذا يشبه السير في الطريق الخطأ عند قيادة السيارة. "أنت تقود السيارة على الطريق السريع نحو مكان ما بينما تذهب في الاتجاه الخاطئ، لكنك لن تعرف ذلك إلى أن تواجهك تلك الأدلة غير المؤكدة التي لن تستطيع تجاهلها، إنك تتجاوز فجأة حدود ولاية لم تتوقع تجاوزها".
تقول إدموندسون إن هذا التفكير الجماعي والتحيز التأكيدي منتشر على نطاق المجتمع، حيث ينقض الناس على أي دليل لدعم وجهة نظرهم بشأن تغير المناخ. مثلا "يا إلهي، هذا الشتاء هو الأبرد على الإطلاق. ماذا تعني بالاحترار العالمي؟".
في كثير من الحالات، هناك مشككون، لكنهم إما يترددون في جعل أصواتهم مسموعة، وإما عندما يفعلون ذلك، يتردد الزملاء في الانضمام إليهم. في بنك جيه بي مورجان، كانت هناك تساؤلات حول إبستين. حيث ورد سؤال في بريد إلكتروني داخلي في 2010، "هل ما زلت مرتاحا لهذا العميل الذي أصبح مسجلا الآن كمرتكب لجرائم جنسية؟".
يقول جيمس ديتيرت، الأستاذ في كلية داردن للأعمال في جامعة فيرجينيا، لقد قام التطور بتكبيلنا جيدا حتى لا ننحرف عن مجموعتنا. قال، "إذا فكرت في الوقت الذي قضيناه على الأرض كنوع من الكائنات، فقد عشنا معظمه ضمن عشائر وفرق وقبائل صغيرة جدا، وأن كفاحنا اليومي كان من أجل البقاء، سواء أكان ذلك حول الأمن الغذائي أو السلامة الجسدية. وفي تلك البيئة، إذا كنت منبوذا، فستموت. فلم يكن في تلك الأيام عيش انفرادي".
نحن نحمل هذا الخوف من الطرد معنا إلى أماكن عملنا، الذي يتفاقم بفعل تجربة المبلغين عن المخالفات، الذين يعانون أحيانا انتقام أصحاب العمل منهم كما يتجنبهم زملاؤهم. ويقدم المنشقون لزملائهم خيارا غير مريح لهم، فإما أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم جبناء لأنهم لم يتحدثوا أيضا، وإما أن ينظروا إلى المتمردين على أنهم "نوع من المجرمين". لكن الخيار الثاني يعد أسهل في كثير من الأحيان.
ألا تعد قصة لينيكر مثالا على عكس ذلك؟ فقد أيده زملاؤه، الأمر الذي أجبر "بي بي سي" على أن تنظر بسرعة لمدى سوء تقديرها للمسألة. يقول ديتيرت عن هذه الحالة إنها كانت استثنائية. إذ إن لاعبي كرة القدم المشهورين الذين يصبحون معلقين رياضيين هم علامات تجارية بحد ذاتهم، ولا سيما لينيكر. وقد أدركت "بي بي سي" مدى حاجتها إليه، ومدى سهولة حصوله على عقد مع منافسيها. يقول ديتيرت إنه عادة ما يجد المتمردون أنفسهم معزولين.
إذن، ما الذي يمكن للقادة فعله لتشجيع المشككين على الكلام، وللتأكد من أنهم يأخذون في الحسبان جميع الجوانب السلبية المحتملة لاستراتيجياتهم، للهروب من الإذلال أو الكارثة التي ستحدث في النهاية؟ ديريت ليس من المعجبين بتعيين شخصية تلعب دور "المعارض البناء" حيث يتم تكليفه بتقديم رأي مخالف. من الواضح أنهم في الأغلب ما يفعلون ذلك بشكل سطحي. لكنه يفضل ما يسميه "التقييم المشترك". إضافة إلى السياسة المفضلة - كالاستثمار في السندات طويلة الأجل مثلا - ينبغي لكبار المديرين وضع سياسة مختلفة بشكل واضح ومقارنة كليهما. فمن المرجح أن يظهر ذلك العيوب في الاستراتيجية التي تم تفضيلها.
سايمون ووكر، الذي تضمنت وظائفه رئيسا للاتصالات في الخطوط الجوية البريطانية ومتحدثا باسم الملكة إليزابيث، وسو ويليامز، المفاوضة الرئيسة السابقة في سكوتلاند يارد مع المختطفين والرهائن، أخبرني في مناسبة نظمتها هيئة شبكات الأعمال في "فاينانشيال تايمز"، أنه ينبغي للقادة أن يأخذوا في الحسبان جميع المهمات من الاتصالات إلى الشؤون القانونية إلى الموارد البشرية عند دراسة الأزمات المستقبلية المحتملة. يتفق ديتيرت على أن ذلك قد تكون له قيمة، بشرط أن يؤخذ وجود الإدارات التي لا تحظى بالاهتمام على محمل الجد مثل الموارد البشرية.
سلوك القادة فيه إشارة على ما إذا كانوا يريدون من الموظفين التحدث أم لا. حيث تقول إدموندسون، "يتعين على قادة المنظمات أن يبذلوا قصارى جهدهم لجذب وجهة النظر المخالفة، والخطر الذي قد يفوتهم. وقبل أن ننهي أي محادثة ينتج عنها قرار، علينا أن نقول دون الشعور بالفشل، "ما هو الأمر الذي فوتناه؟" ثم نقول، "حسنا، دعونا فقط نقول إننا مخطئون بشأن هذا وأن الأمور ستسير على نحو سيئ، فما الذي سيفسر حدوث ذلك؟". وقد أوصت بدعوة الناس بأسمائهم، وسؤالهم عن أفكارهم.
كما يضيف ديتيرت أن تصميم المكتب يمكن أن يشير إلى الترحيب بأفكار الموظفين، حين يجلس القائد في مخطط مكتبي مفتوح، أو عندما توجد خطوط واضحة على الأرض تشير إلى الطريق إلى مكتبه، أو الجلوس على طاولات مربعة دون أسماء على أماكن الجلوس بدلا من الطاولات المستطيلة التي تشير فيها وضعية مقعدهم بوضوح إلى أنهم هم المسؤولون.
لكن كم هي مناسبة تلك الإعدادات في مكان العمل في حين لم يعد الموظفون يأتون إلى المكتب كل يوم بعد عمليات الإغلاق؟ يقول ديتيرت، "هذا السؤال بعشرة ملايين دولار". فمن ناحية، قد يجعل العمل عن بعد من الصعب على القادة قراءة الإشارات التي تدل على عدم ارتياح الناس للاستراتيجية. من ناحية أخرى، يمكن أن يجد الناس أنه من الأسهل التحدث علنا من منازلهم. وقد يشعرون أيضا أن جوانب أخرى من حياتهم، مثل الأسرة، أصبحت أكثر أهمية الآن من العمل، ما قد يشجعهم على الكلام.
بينما يعتقد البعض الآخر أن ثقافة العمل المريحة عن بعد لدى سيليكون فالي بنك، ما يعني أن كبار المديرين التنفيذيين منتشرون في جميع أنحاء الولايات المتحدة، قد أسهمت في فشله. قال نيكولاس بلوم، الأستاذ في جامعة ستانفورد الذي درس مسألة العمل عن بعد، لـ"فاينانشيال تايمز"، "من الصعب إجراء مكالمة تتسم بالتحدي عبر تطبيق زووم". فقد كان تداول مسألة التحوط من مخاطر أسعار الفائدة محتملا أكثر أثناء وجبة الغداء أو في الاجتماعات الصغيرة.
كما يتوجب على القادة الاستمرار في مدح الأشخاص الذين يتكلمون. وفي الأغلب ما تكون العقوبات جراء القيام بذلك أكثر وضوحا من المكافآت. ونادرا ما يلقى باللوم على الذين يطأطئون رؤوسهم. كما قال وارين بافيت، "قد تكون صورة القوارض قذرة كمجموعة، لكن لم يتعرض أي فرد من القوارض للنقد السلبي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES