FINANCIAL TIMES

لعنة الانتشار السريع .. من حفلات المنازل إلى سيليكون فالي بنك

لعنة الانتشار السريع .. من حفلات المنازل إلى سيليكون فالي بنك

الصيف الماضي، أقامت مراهقة أعرفها - لندعوها سارة - حفلة بيتزا في منزل والديها الذي يقضون فيه الصيف. دعت سارة عشرة من أصدقائها. حتى الآن، هذا طبيعي جدا. لكن قبل بدء الحفل بقليل، قرر صديق لصديق سارة نشر تفاصيل الحفل على وسائل التواصل الاجتماعي.
في غضون ساعة، عندما كان والدا سارة يطلبان البيتزا، اجتاح منزلهما الشاطئي مئات المراهقين، معظمهم غرباء تماما. ذعرت صاحبة الحفلة ووالداها، وفي النهاية، أتت الشرطة المحلية إلى المنزل وأوقفت الحفلة.
لا يخفى على أي والد مخاطر المراهقين الدخلاء، لكن ما لم يتوقعه أحد في هذه الحالة هو سرعة وحجم تأثير الحشد. تم استغلال أحد منشورات وسائل التواصل الاجتماعي للقيام بشيء له عواقب شبه فورية في العالم الحقيقي. إنه درس يجب أن يتذكره الآباء القلقون "مثلي". وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجهات التنظيمية المالية والمستثمرين، في أعقاب انهيار "سيليكون فالي بنك".
أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي أنه سيجري تحقيقا في عملية إشرافه وتنظيمه لـ"سليكون فالي بانك"، الذي من المحتمل أن ينظر في المشكلات مثل نسب رأس المال للبنك المفلس، ونموذج العمل، ورهانات أسعار الفائدة. هناك جانب آخر تجب على الاحتياطي الفيدرالي مراعاته وهو ما يمكن وصفه بعلم الاجتماع الرقمي، أي كيف غيرت وسائل التواصل الاجتماعي نظام المعلومات الإيكولوجي لإيجاد مشكلة النفوذ السيبراني الجديدة.
أحد التفاصيل البارزة حول كارثة "سليكون فالي بانك"، هو أنه في غضون ساعات قليلة الخميس ما قبل الماضي، نحو 42 مليار دولار "ربع ودائع سليكون فالي" خرجت من المؤسسة، معظمها عبر الوسائل الرقمية. كان الاندفاع سريعا لدرجة أن بعض الخبراء الماليون أطلقوا عليه "عمليات السحب المصرفية غير الاحتكاكية" الأولى في العالم، مع انتشار الأخبار عبر منصة سلاك وتويتر وواتساب. وصف رائد الأعمال في وادي السيليكون، ألكسندر تورينيجرا، منصة تويتر كيف بدأت التساؤلات حول "سليكون فالي بانك" في الظهور الساعة التاسعة صباحا تقريبا الخميس ذاك في محادثة جماعية معه، "وأكثر من 200 مؤسس من مؤسسي شركات التكنولوجيا". كتب أنه بحلول الساعة العاشرة صباحا، أشار بعض الأعضاء إلى "إخراج الأموال من سيليكون فالي بنك من أجل الأمان". "قرأت الرسائل وألغيت الاجتماع الذي عقدته على الفور. ثم طلبت من زوجتي، تانيا، تحويل جميع أموالنا الشخصية إلكترونيا إلى بنوك أخرى. واستدعيت فريقي. وطلبت منهم أن يفعلوا الشيء نفسه".
يقول البعض إن شرارة الذعر الأولية كانت ربما توصية من "فاوندر فند، " صندوق رأس المال المغامر البارز لبيتر ثيل، بأن تسحب شركاته أموالها من "سليكون فالي بانك". ينفي ثيل نفسه أي لوم ويخبرني أنه كان يملك ملايين الدولارات من أمواله في البنك عندما أفلس. في كلتا الحالتين، مع انتشار الشائعات على المنصات الإلكترونية، لكل منشور على وسائل التواصل الاجتماعي تأثير مثل تأثير صراخ، "هناك حريق" في دار سينما مزدحمة، لكن على نطاق أوسع بلا حدود. هذا شكل متسارع إلى حد كبير من عمليات السحب المصرفية المشابهه التي شهدناها في القرن الـ20، عندما تلقى الناس أخبارا من التلفزيون أو الصحف ثم اصطفوا فعليا خارج البنوك لساعات.
كيف ينبغي أن نستجيب؟ في مجال التمويل، هناك خطوات يمكن للجهات التنظيمية تجربتها، مثل منع الناس من كتابة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن إفلاس وشيك لبنك أو زيادة صعوبة السماح للمودعين بسحب الأموال عبر التطبيقات خلال أزمة. لكني أشك فيما إذا كان هذا سيكون شائعا بين الجيل الرقمي، الذين نشأوا على افتراض أن لديهم الحق في القيام بكل ما يريدون بهواتفهم. حتى لو تم العثور على حل لموازنة عمليات السحب المصرفية من خلال الهواتف الذكية، تظل المشكلة الأكبر، هل يمكننا التحكم في النفوذ عالي السرعة لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي سريعة الانتشار في المجالات الأخرى من حياتنا؟ في النهاية، تضاعف تدفق المعلومات العالمية منذ 2000، وتقفز اتصالات الإنترنت الآن نحو 25 في المائة كل عام، وفقا لتقرير جديد صادر عن شركة دي إتش إل وكلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك.
هذه الظاهرة تسمم السياسة بالفعل، لأن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي تؤجج الغضب والاحتجاجات باستمرار، في حين تقتل النقاش المتوازن. كما أنها تؤثر في البضائع الاستهلاكية، حيث يمكن أن تزيد الحملات المنتشرة بسرعة غير مسبوقة، ما يؤدي إلى اشتهار بعض المنتجات مع تجاهل أخرى. "العلامات التجارية مثل منتجات التجميل من شركة دوف وسلسلة مطاعم أي هوب هي من بعض العلامات التجارية التي ركبت هذه الموجة".
كما أنها تشكل عالم الترفيه. تبدو أيام انتظار عرض تلفزيوني أسبوعي مثل برنامج توب أوف ذا بوبس لتحديد الأغاني الرائعة أمرا غريبا بالنسبة إلى الأجيال الشابة. الإشباع الفوري والشهرة والغضب هي ما يقود الاتجاهات الحالية. لأن، بالطبع، مقر "سيليكون فالي بنك" في وادي السيليكون، حيث تم إنشاء التكنولوجيا التي مكنت هذا النفوذ المنتشر، كان ينبغي لقادته فهم هذا بشكل أفضل من أي شخص آخر. وكذلك، الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو.
لكن الحقيقة المحزنة هي أنه حتى تواجه حشودا إلكترونية، فمن الصعب تخيل العواقب. لحسن الحظ، تعرف سارة الآن أنه يجب أن تتوخى الحذر كثيرا عند مشاركتها تفاصيل حفلات البيتزا المستقبلية. أخشى أنه من غير المرجح أن يكون حشد التكنولوجيا على هذه الدرجة من الدهاء.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES